“رسالة” الحكومة الهولندية لدعاة الحرية الفردية في المغرب

08 أكتوبر 2019 19:15

هوية بريس – إبراهيم الطالب

من مظاهر التخلف والضعف أن تُصر على شيء تفعله مع ضرره المحقق لك؛ إذ هذا من معاني تعطيل العقل والغرق في التقليد الأعمى الأبكم.

مرة أخرى يتبرأ الأوربي الحداثي من تداعيات التطبيقات الصارمة لمفهوم الحرية على الطريقة العلمانية، فقد وصل الأمر هذه المرة إلى إقدام دولة أوربية ديمقراطية، وسَّعت مفهوم الحرية ليشمل ممارسة البغاء والمتاجرة في الجسد وفق القانون، وحررت تناول المخدرات من العقوبة، بل جعلت لها مقاهي مختصة، بحيث يمكن للفرد شراؤها وبيعها وتناولها في الأماكن العامة المخصصة لها دون خوف أو وجَل تماما كما يتناول القطعة من اللحمة أو الجبنة.

هذه الدولة هي دولة هولاندا، فقد عزمت الحكومة الهولندية على تغيير اسم البلاد، والامتناع عن استخدام تسمية هولندا، في خطوة مفاجئة أثارت جدلًا واسعًا.

فما السبب يا ترى؟؟

بررت الحكومة خطوتها المرتقبة، بأنها تأتي نظرًا إلى الصورة السيئة، التي باتت مقترنة في الأذهان بتسمية هولندا، وفقًا لمجلة “Adformatie” المحلية.

وأوضحت المجلة أن “هذه الخطوة تأتي في إطار قرار السلطات تحديث البلد، كما أن التسمية الحالية تقترن في أذهان السياح بالمخدرات، وبحي أمستردام المعروف بانتشار بائعات الهوى”.

إذن فأهم الأسباب وراء التنازل عن اسم البلاد رغم حمولته التاريخية وما يتطلبه من تغييرات إدارية هو بسبب المخدرات والبغاء.

لقد تبين للعقل الهولندي الديمقراطي أن البغاء والمخدرات يضران بالاقتصاد، ويؤثران على سمعة البلاد، ومع ذلك لم يستطع مس هذا الشطط بالتدخل في الحد من تعاطيهما من خلال تشريعات تمنعهما نظرا لتقديسه للحقوق الفردية من جهة، ومن جهة أخرى لعلمه بأن التداعيات الخطيرة لتوسيع مفهوم الحرية تجعل من عملية المنع بعد الاستشراء عملية شبه مستحيلة، لارتباطها بقوت الناس وعاداتهم التي تصل حد الإدمان.

فعندما وسع الأوربيون مفهوم الحرية أصبحت الأمراض الاجتماعية (البغاء والمخدرات والإجهاض وغيرها) حقوقا فردية مكفولة بالقانون، فتجذرت في المجتمع وصارت سلوكا جماعيا متعارفا عليه، ومما يزيد من صعوبة المنع وخطورته ارتباط هذه الحقوق بالاقتصاد والضرائب، فيصبح مِن شبه المستحيل منعها لكونها صارت من موارد الدولة المرتبطة بالنشاط الاقتصادي والمالي للشركات والأفراد.

فالبغاء بالمفهوم العلماني لا يمكن فصله عن الحرية في الجسد بالنسبة للمرأة، أما بالنسبة للرجل فهو حرية فردية في ممارسة الجنس خارج إطار الزواج؛ وإذا قننت الدولة البغاء وحررت الزنا، فبأي معيار ستقيد اللواط والسحاق، الأمر الذي يجعل المجتمع أمام تشريع دور للدعارة “المثلية” لممارسة السحاق واللواط، فتشرع لهم القوانين التي تحفظ صحة الداعرين والداعرات ومعاشهم وساعات عملهم، وتنظم تقاعدهم، وترتب على نشاطهم الجنسي ضرائب على الدخل ورسوما على المراقبة الصحية التي تخولها للعاملين في القطاع.

هذا ما عاشته مجموعة من الدول الغربية، مثل فرنسا التي منعت البغاء عن مواطنيها، رغم صيحات دعاة الحرية في الجسد، فاضطرت أبناءها إلى السفر إلى إسبانيا خصوصا المدن المجاورة لها، الوضعية نفسها تعيشها ألمانيا التي بدأ فيها الحوار من أجل منع هذه الآفة التي تخل بكرامة النساء وتهدر إنسانية الإنسان.

كم هو غبي هذا العقل العلماني المنقطع عن قاعدة الأخلاق الدينية، عندما يقبل مسؤولون في بلد حداثي مثل هولندا أن يتبرأوا من اسم بلادهم بسبب الانتشار المهول للبغاء وللمخدرات التي صارت أمستردام قبلة أوربية يقصدها السياح للاستفادة من أنواع الحشيش ولحوم البشر، ولا يستطيعون انتقاد أصل الداء الذي يتمحور حول المفهوم العلماني للحرية والذي ينبني هو بدوره على المفهوم اللاديني للكون والإنسان والحياة.

الدولة التي تضطر إلى إقرار الحريات الفردية المتنازع حولها بالمعنى اللاديني هي دولة تفشى الفساد الأخلاقي في بنياتها الاجتماعية، فلم يعد لكلمة فساد معنى ولا دلالة، نظرا لتواطئ شريحة كبيرة منهم عليه، وهذا هو ما يؤمله دعاة الحريات الفردية في بلادنا المسلمة، أن يصير تفشي الإجهاض واللواط والزنا والسحاق إلى مستوى الظاهرة، فقد بدأوا بالإعلان عن أنفسهم بأنهم “خارجون على القانون”، ودون حياء يجمعون حشد التأييد من المنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية.

إن مفهوم الحرية لابد له من قيود حتى يعيش الإنسان إنسانيته الكريمة، فأن تأخذ الدولة الحداثية ضرائب عن استغلال الرجل لجسد المرأة في سوق للدعارة مع يقينها -بشهادة المنظمات والحكومات- أنها مرتبطة بمافيا الاتجار بالبشر وإخضاع النساء تحت الضغط لممارسة البغاء، هو أمر يجعل العقل يكفر بالمفهوم العلماني المتسيب لقيمة الحرية التي هي من أجَلّ القيم الإنسانية.

إن “الحرية الفردية” مفهوم جذاب مغرٍ بالنضال من أجل تحقيقه، لكن لمعان المصطلح يخفي وراءه تداعيات التطبيقات على أرض الواقع، لذا نحتاج ونحن في حوار الحريات إلى دراسة الواقع الغربي، والاستفادة من تجربة التطبيقات العملية للمفاهيم الحقوقية في الدول الديمقراطية، فألمانيا التي لم ترخص للدعارة سوى في سنة 2002 صرحت وزيرتها السابقة لشؤون الأسرة بأنه: “أصبح افتتاح مطعم للبطاطس المقلية أكثر صعوبة من افتتاح بيت دعارة في ألمانيا”.

فأين كرامة المرأة في دول حداثية تقتات من أثداء نسائها؟؟

لم ينفع قانون حماية الدعارة، الذي يهدف إلى حماية النساء الداعرات من العنف والإكراه، والذي صدر عام 2017، من توفير الكرامة والحماية للمرأة في بلد ديمقراطي حداثي مثل ألمانيا، فبعد بدء العمل بالقانون، لم يتم تسجيل سوى حوالي سبعة آلاف امرأة، من عدد الداعرات المتراوح بين مئتي ألف ومليون مومس في ألمانيا، التي تعد “ماخور أوروبا”، وذلك لأن ما بين 80 و90 في المائة من بائعات الهوى يأتين من الخارج، وقد وصل العديد منهن ‪ إلى ألمانيا عبر عمليات التهريب التي تقوم بها مافيا الاتجار في البشر.

نتحدث عن ألمانيا بلاد الحقوق والثروة والحريات والحداثة، فكيف يا ترى تعيش النساء والفتيات المغربيات في سوق الدعارة والسياحة الجنسية في الفيلات والكباريهات والشقق المفروشة؟

لماذا لا تهتم الجمعيات التي تصدعها بحقوق المرأة وحرياتها بملفاتهن وتحريرهن من مافيا الاتجار في الرقيق الأبيض؟

أين دراساتهن الميدانية لهذا القطاع الذي ينتهك فيه جسد المرأة وصحتها وحياتها؟؟

يبدو أنهم مشغولون بلحى الإسلاميين وحجاب المؤمنات وتغيير نصيب المرأة من الميراث الذي لم تتعب من أجله أصلا.

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M