عن الصورة السيئة للقضاء لدى المواطن المغربي

18 يناير 2016 17:06
يعتبر كتاب "اللسان المعرب عن تهافت الأجنبي على المغرب" لمؤلفه العلامة المؤرخ أبو عبد الله السليماني من الكتب الرائدة التي بحثت في أساليب التحديث والتطوير في البنية الاجتماعية والثقافية والدينية المغربية لمواجهة عوامل التخلف

ذ. إدريس كرم

هوية بريس – الإثنين 18 يناير 2016

قال رئيس الودادية الحسنية للقضاة: (لقد ساهم الجميع في رسم صورة قاتمة عن واقع القضاء بالمغرب، حتى المواطن يسهم من جانبه في تكوين هذه الصورة السيئة عن القضاء، رغم أن هناك مسطرة معقدة لإصدار الحكم، مضيفا بأنه يجب أن نعيد ثقة المواطن في القضاء) (المساء؛ عدد:2848/2015).

سبب فقدان الثقة

وبالرغم من أن الجواب يوجد في كلام الرئيس، عندما أشار لتعقيد مسطرة إصدار الحكم، مما يحول دون وصول المتقاضي لحقه بيسر وسلاسة، ويفتح للقاضي وأعوانه الباب على مصراعيه للاجتهاد، وهو الاجتهاد المقدس لأحكام القضاة وتصرفات أعوانهم، مما يعتبر السبب الرئيسي لذلك الموقف من القضاء، والأحكام القضائية، التي يضيع فيها عمل القضاة النزهاء الأعلام، الذين لا تخلو منهم محكمة، ولا زمن، والذين بشروا بالجنة، في الحديث المشهور “قاض في الجنة”، وأنذر غيرهم عندما قال: “وقاضيان في النار”، والكثرة تلك تجيز التشبيه بقوله تعالى: “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.

طرق إعادة الثقة

وعن تحقيق الرغبة في المكوث التي تحدث عنها القرآن، يدخل مقالنا هذا الذي نريد فيه مناقشة طرق إعادة الثقة المطالب بها للقضاء وأحكامه، والتي يقال بأن منظومة إصلاح العدالة ستحققها انطلاقا من ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما جاء في الفصل:79 من خطة الإصلاح، والذي اعتبره رئيس الودادية (بكابوس القضاة لأنه ينص على أن يعاقب القاضي في حال خرقه مساطر بسيطة، مضيفا بأن محكمتي الاستئناف والنقض مهمتها تقويم أخطاء القضاة) (المرجع السابق)، دون أن يصل القاضي من ذلك التقويم نصيب، يكون رادعا له ولغيره من ممتهني العمل القضائي، باعتبار الخطأ القضائي لا دواء له (كما قال شارل لوكران في كتابه “”أيتها العدالة يا موطن الإنسان”؛ ص:53)، في جميع مراحل التقاضي، والإفلات من مسؤولية ارتكاب الخطأ وعواقبه مضرة للمجتمع بأكمله، وضرب لمصداقية القضاء والقضاة والمؤسسات الاجتماعية، لا ينفع معها علاج أو تقويم، وما يشتكى من الإجماع على فساد القضاء دليل على تلك النتيجة المراد تقويمها من خلال المناداة بمشاركة الجميع في الإصلاح، لكن خارج ربط المسؤولية بالمحاسبة من خلال الفصل:79، مما لا يستقيم معه نداء التصالح والتعبئة المنشودة، وكأن المخطئين والمقوَمين من القضاة وأعوانهم معصومون من الخطأ منزهون عنه، لا يسألون عما يفعلون وهم يَسألون!! وكمثال على ذلك، عندما تصدر محكمة النقض قرارا بقبول الطعن بسبب نقص التعليل، وتلزم صاحب الحكم المنقوض دفع مصاريف الدعوى، في الوقت الذي لم يكن هو الذي ارتكب هذا النقص.

الاجتهاد في غير محله

يقول رئيس الودادية: (القاضي يلجأ في الكثير من المرات للاجتهاد المسطري، فإذا كانت هناك محاسبة سيغلق باب الاجتهاد والخاسر هو المواطن)، ويشرح رئيس نادي القضاة ذلك بقوله: (فإدراج مادة تنص على أن خطأ القاضي في تطبيق قانون الموضوع يعتبر خطئا جسيما خاصة وأن ستين في المائة من العمل القضائي مؤسس على الاجتهاد، ووضعه في حالة الخطر سينتج عنه عرقلة عمل المحاكم في المستقبل) (المساء؛ ع:2820، نونبر 2015).

وهو نفس ما ذهب إليه رئيس الودادية عندما قال: (القاضي يلجأ في الكثير من المرات إلى الاجتهاد المسطري، أما إذا ما كانت هناك محاسبة سيغلق باب الاجتهاد والخاسر هو المواطن) (المساء مصدر سابق).

 وهذا إقرار ضمني بأن هناك تجاوزات وأخطاء يسقط فيها القضاة تضر بمصالح المتقاضين ولا تتحقق مع وجودها البنيوي العدالة المنشودة من إيجاد المحاكم، مع العلم أنه (لاحق للعدالة في أن تتسبب في ضحايا)؛ كما قال “شارل لوكران” في كتابه السابق، مضيفا في نفس الكتاب قوله مخاطبا القضاة: (يجب أن يكون حكمكم عملا للعدل، لا عملية للعدل، أو بالأحرى عملية إدارية).

وهو مع الأسف ما يلاحظ في المحاكم، وينعت بكونه اجتهادا، مع العلم أن الاجتهاد لا يمكن أن يصل ثلثي العمل القضائي، وإلا كنا في دولة بلا قوانين أو في أحسن الأحوال بدائية تحاول تقنين الأعراف، في حين أن الاجتهاد يكون ببذل الجهد والوسع في استنباط الأحكام من أدلتها بالنظر المؤدي إليها، مع العلم أن القاضي ليس في حاجة كي يجتهد، وإنما هو في حاجة إلى تطبيق النصوص تطبيقا سليما، يؤدي لتحقيق العدالة وتنفيذ الأحكام، وهو ما يفتقده المواطن في محاكمنا على مختلف درجاتها.

لا عمل بغير محاسبة

ومن أجل منع صدور قانون المحاسبة عن الخطأ المهني، يقول رئيس النادي بأن القضاة: (يفكرون في النزول للشارع وتعطيل المحاكم وطلب التحكيم الملكي وترك المهنة)، منتقدا (تمرير القانون بمجلس النواب بأصوات تعطي الانطباع بأن البرلمان لم يول أهمية لهذا القانون، الأمر الذي يطرح مشكلة أداء المؤسسات لأدوارها الحقيقية).

“سبحان الله”، يلومون البرلمانيين على عدم الفعالية والنجاعة وينسون أنفسهم عندما يتعلق الأمر بمحاسبتهم على الأعمال التي يجب عليهم القيام بها وفق ضوابط القانون والشفافية، ولو أنصفوا وهم القضاة لالتفتوا لإصلاح الداخل في المحاكم المفروض أن تكون مثالا للديموقراطية ليكونوا قدوة لغيرهم، وينوبهم من عملهم لصالحهم شيء مما يريدون الاختصاص به وهو العصمة والتنزيه، ونقصد بذلك (الجموع العامة للمحاكم).

استبداد في المحاكم

الجموع العامة للمحاكم، هي تلك الجموع التي تنعقد في نهاية كل سنة، والتي تنظم كما يقول رئيس نادي القضاة: (عمل المحاكم وتوزع المهام على القضاة، والتي تنقصها الديموقراطية والنجاعة القضائية، حيث تمت السيطرة عليها من طرف المسؤولين القضائيين، بتوزيعهم الشعب والمواد على القضاة، وفق الرغبة الشخصية، مما جعل البعض يطلق على ذلك اللقاء السنوي عبارة “دقائق الصمت العمومية”، مع العلم أن تلك الجموع العامة السنوية هي صمام أمان استقلال القاضي) (الأخبار؛ عدد:965 يناير 2016).

فإذا كان القاضي مغبون في مقر عمله، مقصي عن تدبير شأنه اليومي، لا صوت له بين زملائه، وفي مكان عمله، وكذلك أعوان القضاء موسومون بما لا يقوى أحد على إبراء ذممهم من الشطط والخطأ انطلاقا من مفهوم “القاضي وكاتبه”، المنصب على المواطن الذي يرى ويعيش المعاناة اليومية مع عمل قضائي مقدس عن الأخطاء، يخير فيه المجتمع بين قبوله كما هو أو عرقلة المحاكم وزيادة معاناة المتقاضين أو مغادرة المهنة؟

وللمثال فقط عن المعاناة والقداسة نسوق النموذج التالي:

تجاوز مفضوح متفق عليه

عندما يقرر مأمور الإجراءات بمركزية حد كورت رضا بلكبير بأن تنفيذ القرار 811 القاضي بإرجاع الحالة طبقا لما في محضر التنفيذ عدد 98.26 تعترضه صعوبة واقعية بناء على تقرير خبرة معيبة لا غبار على عيبها، تقول بعدم وجود حدود للمنفذ بناء على سند يتضمن بالفعل الحدود، ويوجه المحضر للقضاء الاستعجالي بتوقيع رئيس المركز دون أن يصحب بالسند، من أجل استصدار صعوبة قانونية، ودون مذكرة توضح الطلب، ومن غير استدعاء للطرف المتضرر الذي عندما تدخل وطلب مناقشة المأمور والخبير، استدعي بدلهما المنفذ عليه وتحول المأمور لخصم.

فهل مثل هذا الاجتهاد المقدس يخدم تحسين صورة القضاء لدى الموطن؟

ناهيك أن هذا الملف عاش عشرين سنة قضاها في المقالب والحيل لعدم تنفيذه، أسهمت فيه وزارة العدل عن طريق مكتب معالجة الشكايات، وتدخل جهات في الوزارة لعرقلة التنفيذ، من بينها أن الملف أثناء عملية التنفيذ في سنة 2002 وضع في ملف رائج آخر، ولم يخرج منه إلا بشق الأنفس.

والخلاصة أن ربط المسؤولية بالمحاسبة يرجى منها الإسهام في تخليق المرفق القضائي بنزع القداسة عن الخطأ ومحاسبة من تجب محاسبته، علّ الله يصلح الأحوال ويهدي لأقوم السبل.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M