فرنسا شؤم دائما على المغرب (ج2)

16 يناير 2020 17:50
فرنسا شؤم دائما على المغرب (ج2)

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

هذا هو الجزء الثاني من المقال الطنان للشيخ المكي الناصري الذي ناقش فيه تصريح المقيم العام الفرنسي بالمغرب “بيو” حول المجاعة التي ضربت البلاد في الأربعينيات نتيجة سياسة الغزو الاستعماري وما قام به من نهب، مدعيا رغم ذلك أن فرنسا منقذة للمغاربة من الجوع والفاقة.

“وأما المدن المغربية الكبرى فقد خصصت فيها الإدارة الفرنسية للفرد يوميا 300كرام من الخبز حسبما أشار إلى ذلك المسيو بيو.

كما خصص فيها لكل فرد شهريا 400كرام من السكر، ومثلها من الزيت، ومائة كرام من الصابون، فقل لي بالله عليك ماذا يفعل ساكن الرباط وفاس والدار البيضاء ومراكش بمائة كرام من الصابون خلال شهر كامل؟ وماذا تكفيه أربع مائة كرام من الزيت طيلة ثلاثين يوما؟ كم أكلة تكفيها هذه الكمية العظيمة من الزيت؟ هذا والمغرب بلد الزيت والزيتون وبلد الصابون عرف بذلك منذ أقدم العصور.

على أن هذه المقادير التي ذكرناها ليست مقادير فعلية توزع توزيعا حقيقيا، فنحن إنما تساهلنا في تسجيلها بناء على ما تكتبه الإدارة الفرنسية في أوراقها الرسمية لا غير، وإلا فهذه القائمة قائمة نظرية بحتة لا يدفع منها لأصحابها إلا القليل، فالجمهور المغربي لا يطلع عليها في أول كل شهر، كما يطلع الجمهور الفرنسي على قائمة تموينه الشهري بواسطة بلاغ رسمي في الإقامة العامة وبلاغ رسمي في البلدية، إذ الإقامة العامة والبلديات لا تكلف نفسها مشقة إبلاغ المغاربة بصورة رسمية واضحة حقوقهم الشهرية في التموين حتى يطالبوا بالحصول عليها كاملة، وهي تستغل حسب الظروف جهل الكثرة المغربية الساحقة لحقوقها في التموين وغفلتها عن مواعيده، وعدم معرفتها بمقاديره، فتعطي للفرد أحيانا بدلا من 400كرام من السكر 350كرام فقط، وعن ثلاثة أشهر تعطيه أحيانا مائة كرام من الصابون لا غير، والفرق بين المبالغ النظرية والمبالغ الفعلية يذهب للسوق الأسود أحيانا، ويضاف لقائمة الفرنسيين الممتازة أحيانا أخرى.

بقي علينا أن نلفت نظر المواطنين إلى قول المسيو بيو: “من المهم أن يحفظ هذا الحد الأدنى وأن يستمر الوارد من الحبوب للمغرب على نفس الأساس، وهذا ما جئت من أجله لباريس“، فهذه الفقرة تستدعي الانتباه العظيم، ولا معنى لها إلا أن الحكومة الفرنسية عازمة على التخفيض حتى من ذلك الحد الأدنى (الذي هو 300كرام من الخبز يوميا للفرد في المدن وخمسة كيلوغرام من الحبوب شهريا للفرد في القبائل) وأنها تستكثره على المغرب والمغاربة، وأنها مترددة إلى الآن وحتى الآن في جلب الحبوب اللازمة لهذه البلاد على الأساس المذكور، وكأنها غير متفقة مع المسيو بيو في خطته التدريجية، التي يتبعها لإبادة السلالة المغربية، فهي تريد عملية سريعة في هذا الباب حتى لا يبقى في المغرب أي خطر على نفوذها ومطامعها، وحتى يبقى مجالا حيويا لأبنائها إلى الأبد دون منازع، وكأنها تفضل إقفال هذا المعتقل الواسع إقفالا محكما على جميع من فيه من البؤساء والأشقياء الذين أصبحوا عبارة عن هياكل عظمية مجردة وأشباح فانية مخيفة، وإحاطته بالأسلاك الشائكة حتى يفنى من فيه ويبيد في أقصر مدة ممكنة، وإلا فالواجب لا يقضي فقط بإبقاء الجلب والتوريد على نفس الأساس السابق، وإنما يقضي باتخاذ وسائل أنجع وأقوى لجلب ما يكفي المغاربة ويخرجهم من دائرة الخطر.

ولا بد من وقفة طويلة عند قول المسيو بيو: (قد أسست منشآت خاصة في ميناء الدار البيضاء حتى يتيسر إفراغ الحبوب إفراغا سريعا، ثم توزيعها في مختلف النواحي)، فهذه الفقرة مرماها تغطية الموقف الفرنسي والستر على حقيقة مؤسفة أخرى، ألا وهي أن الإدارة الفرنسية نفسها قررت التقليل من ساعات العمل في الميناء البيضاوي المذكور وحددتها في ثمان ساعات فقط خلال النهار، ونسيت أنه إذا قام حريق في بلد من البلدان فلا بد من المبادرة إلى إطفائه دون نظر إلى ما يسجله عقرب الساعة من الأرقام ولا اعتبار بعمل الليل أو النهار، وإنما الواجب يكون هو تنظيم العمل على إطفاء الحريق بواسطة جماعات متوالية بالتناوب إلى أن تتم العملية ويزول الخطر، ومجاعة الشعب المغربي عملية أخطر وأكبر من حريق يطفأ، فكان الطبيعي والمعقول أن تنظم عملية إفراغ الحبوب من البواخر الراسية في الميناء ليلا ونهارا، ولا تعطل هذه الحركة حتى يتم الإفراغ وترسل النجدات الغذائية إلى مختلف النواحي الجائعة.

أولا لأن كثرة العمال المغاربة عاطلة دون عمل، فهم مستعدون للخدمة بالتناوب، وثانيا لأن خطر الجوع والموت خطر قائم تضيع معه كثير من النفوس كل يوم.

ولو كانت الإدارة الفرنسية حسنة النية نحو المغاربة لما اتخذت قرارها الغريب بتعطيل حركة الإفراغ، وتقليل اليد العاملة في الميناء، ولكنها كما قلنا تسير في اتجاه معين مرسوم للقضاء على المغرب والمغاربة.

على أن نفس الشحنات البطيئة التي تخرج من ميناء الدار البيضاء إلى الجهات المختلفة عندما تصل إلى محطات السكك الحديدية، في تلك تنام نومة طويلة أخرى فتبقى مخزونة من جديد في نفس العربات، ولا تفرغ منها بالسرعة المطلوبة في مثل هذه الظروف الخطيرة الحاضرة، فما السر يا ترى في هذه التدابير الحمقاء التي لا يوجد لها تفسير معقول سوى سوء النية من جانب فرنسا وتعمد القضاء على السلالة المغربية؟

هذا وإننا نحن المغاربة لواثقون تمام الثقة أنه (لولا فرنسا لما جاع الشعب المغربي).

فرنسا شؤما على المغرب والمغاربة

ونعتقد اعتقادا راسخا أن حكومتنا السلطانية الموقرة لو لم تكن مكتوفة اليد، ولو كانت على اتصال بالدول المختلفة، بل لو تجرأت واتصلت فعلا بالدول المجاورة والصديقة على رغم فرنسا لأنقذت المغرب من أزمته الخانقة في أسرع وقت وأقصر أجل.

ولكن وجود فرنسا في الوسط وانبساط الظل الفرنسي الثقيل على بلادنا، وأنانية فرنسا وعجرفتها، ونكرانها للجميل، هو الذي جعل المغرب في هذه الوضعية الشاذة المحزنة، ونحن المغاربة المساكين دفعنا ولا نزال ندفع ثمن ذلك غاليا وعلى حسابنا الخاص.

نص تصريح المسيو بيو “لولا فرنسا لمات الشعب المغربي“، ذلك ما ختم به المقيم العام بيو تصريحه في باريس لجريدة لموند الباريسة الذي مما جاء فيه:

“مر المغرب في سنة 1945 بأكبر محنة يمكن أن تمر ببلد يعتمد اقتصاده في جوهره على الزراعة، فقد أصاب البلاد جذب شديد لم يسبق له مثيل في أنحاء الإمبراطورية الشريفة، فلم تسقط نقطة من الماء واحدة منذ يناير إلى أكتوبر، فلما جاء الربيع أدركت خطورة الحالة فنبهت الحكومة الفرنسية وطلبت إليها أن تستعد لشراء كميات كبيرة من الحبوب في الخارج، واتخذت التدابير من ذلك الوقت، حتى إذا ثبتت خطورة الحالة حقا استطعنا أن نأتي بكميات تربأ الصدع وتكفي حاجة التموين منذ أوائل الصيف.

هذا والمحصول الذي لم يبلغ أربعة ملايين قنطار كاد لا يفي حتى بما هو لازم للبذور، وكانت المحاصيل السيئة تبلغ 14 أو 15 مليون قنطار والمتوسط يتراوح بين 20 و30 مليون، فكان يجب حساب غذاء جميع السكان الذي تقدر كميته بعشرة ملايين على الأقل على أساس تقدير محدود للغاية (300كرام من الخبز يوميا للمدن وسبع كلغرام من الحبوب كل شهر في البوادي).

وقد أنشأت منشئات خاصة في ميناء الدار البيضاء حتى يتيسر إفراغ الحبوب إفراغا سريعا ثم توزيعها في مختلف النواحي، والذين يقومون بالتوزيع هم رجال السلطات الفرنسية والمراقبون المدنيون وضباط الشؤون الأهلية، وذلك بعد عمل الحساب اللازم عقب الحصاد، وهي مهمة دقيقة وصعبة، ولكنهم قاموا بها خير قيام، فأمكن تغذية القبائل دون حاجة إلى أن تغادر أماكنها بدافع الجوع نحو المدن الكبرى.

فقد جاء لمدينة فاس في الأيام الأولى من الجهات المجاورة عدد عديد ممن عضهم الجوع بنابه فتلقتهم في الحال الجمعية الخيرية الإسلامية التي أعدت لهم بمساعدة السلطات الفرنسية الفنادق وجهزت لهم الحريرة، كما قامت إدارة الصحة بتطهير ثيابهم.

وصدرت الأوامر لمنع هذا النوع من الهجرة للمدن، مع الزيادة في عدد من يوزع عليهم الطعام مجانا في القبائل.

وقد زرت في شهر نونبر مدن فاس ومكناس ومراكش ونواحيها، فشاهدت كيف كان يكافح الجوع والبؤس مكافحة فعالة بالتعاون بين الفرنسيين والمغاربة.

ولكن مما لا شك فيه أن الحالة ما زالت خطيرة ومهددة، وأن المقادير والأقساط الغذائية لا تزال ضئيلة، لأن المغرب إنما يعيش على ما يرد إليه من الخارج، نصيب كل فرد من الأغذية ضئيل ومعنى هذا أن غذاءهم أقل بكثير مما يجب أن يتناولوه، وإنهم معرضون تعرضا شديدا لشتى الأمراض الوبائية، فمن المهم أن يحفظ هذا الحد الأدنى المذكور، وأن يستمر الوارد للمغرب من الحبوب على نفس الأساس، وهذا ما جئت من أجله لباريس.

وقد قدر الشعب المغربي روح الاحتياط والعطف التي تجلت في فرنسا حتى استمعت إلى كثير من المغاربة يقولون: (لولا فرنسا لمات الشعب المغربي جوعا)” (ترجمة التصريح للشيخ المكي الناصري).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M