ماذا بعد قضية الأستاذ و”الشيخة”.. هل انتهت القضية؟؟

28 أبريل 2022 22:57

هوية بريس – إبراهيم الطالب

غطت قضية “وكالين رمضان” على قضية “الشيخة”، ويبدو لي أن الكلام حول القضية الثانية أهم لأن مثيلاتها من الموضوعات التي تتناولها الدراما والتلفزة المغربية وما ينشر في المنابر العلمانية هو الذي أنتج ولا يزال ينتج لنا مثل “وكالين رمضان”.

فقضية مسلسل “الشيخة” وما تعلق به من ردود فعل يجب أن يدرس وتستخلص منه العبر، وتستل منه الحقائق الواقعية لمعرفة الحالة التي وصلها المزاج الجمعي للمجتمع المغربي.

فالكل يدعي الحديث باسم المغاربة ويلفق لهم ما شاء من القناعات أو ينزعها من ضميرهم الجمعي كما يشاء.

أكيد ينبغي علينا أن نعترف دون ارتياب أن مغرب القرن العشرين والربع الأول من القرن الذي نعيشه، ليس هو مغرب القرن التاسع عشر وما قبله، فكثيرة هي الثوابت التي تمت زعزعتها، وكثيرة هي القيم التي تم استيرادها واستنباتها بالقوة الناعمة والخشنة -على السواء- في بنيات المجتمع المغربي المسلم. الأمر الذي صارت معه الشريعة الإسلامية تحتل موضع خبر كان في الجملة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

فالمغرب لم يكن يعرف إنتاجا وبيعا للخمور من طرف الدولة ولا الأفراد، ولم تكن به كباريهات القمار والرقص ولا دور سينما تعرض الأفلام الماجنة، ولا مؤسسات ربوية؛ ولم يكن يعرف تنظيما للقمار من طرف الدولة، ولا شواطئ تتعرى فيها المرأة بالكامل إلا من قطعتين صغيرتين لا تفيان بستر العورة المغلظة، ولا الفلل المفروشة المخصصة لليالي الحمراء، ولا هذا التهتك والاستهتار الذي ينتج عنه معضلات اجتماعية مثل الرضع الذين يرمون يوميا في مطارح النفايات ووسط الحدائق العامة وبجانب أبواب المساجد.

ورغم كل الآثار السلبية بل القاتلة والمدمرة للموبقات المذكورة، يعرف هذا التطور المنحرف حماية منقطعة النظير وحراسة من طرف التيار الليبرالي العلماني النافذ في مراكز القوة والسلطة في البلاد.

وبالمقابل يعيش الفاعل الديني، سواء في ذلكالفقيه والعالم والداعية، حالة من الحجر والتضييق، تجعله عاجزا عن ممارسة وظيفته في الإصلاح، فهو لا يستطيع حتى التصريح بحكم مثل تلك الموبقات بشكل علني لينذر المغاربة من مغبة اقترافهم أو معاقرتهم لتلك الموبقات، وبيان أسبابها والإنكار عمن يشيد بها ويحرسها، وفضح من يشجعها ويغتني منها.

فهل فشو الموبقات والمخالفات الشرعية يفرض أن يستسلم المغاربة لسلطة الثقافة الليبرالية العلمانية الغالبة؟؟

وهل يعني هذا أن يكسر حراس الفضيلة والدين والهوية أقلامهم ويبلعوا ألسنتهم، حتى لا يغضب سدنة المعبد العلماني في مغرب العلويين؟؟

إن المجتمع المغربي حتى قبيل دخول الاحتلال كان فيه المنكر وأهله مقموعين، من طرف السلطة المخزنية، نظرا لسطوة العلماء وقوة المجتمع المسلم، فلم يكن الدعاة محتاجين في ممارسة إنكارهم للمنكر سوى إلى بيان الحكم أو الفتوى أو التغيير باليد من طرف رجالات الحسبة الذين أصبحوا اليوم أشبه بالمومياءات الفرعونية المحنطة في إدارات العمالات والأقاليم لا دور لهم بل لا يعلم بوجودهم أحد، فقد كان العالم هو المحتسب وهو القاضي وكان هو المرجع المؤطر لسلوكيات الشعب وتصرفات أفراده، بل كان أهل الحل والعقد أغلبهم من العلماء والفقهاء، بل كان بعض ملوك المغاربة وأمرائهم من العلماء.

واليوم تغير الواقع وصارت القوانين الوضعية البشرية هي الحاكمة في المغرب مؤطرة بمرجعية علمانية، وصارت تحتل المكان الذي كانت تحتله الشريعة الإسلامية والمذهب المالكي في الدولة والمجتمع.

فطبيعي بعد هذا التغيير والتبديل للشريعة، وبعد هذا التطوير القسري للمجتمع أن تختلف كثير من الأمور عما كانت عليه، فتصبح الثوابت متغيرات ويصبح المنكر معروفًا والباطل حقا، ويصير العالِم متأخرًا في رتبته الاجتماعية والرسمية عن الشيخة والممثلة.

فهل يعتبر السكوت عن هذا الواقع حكمة؟؟

وهل من يرفض هذا الواقع من الدعاة والعلماء ويشجبه، يُترك للعلمانيين مفردا ينهشوه بالسب والحط والاحتقار بدعوى عدم تقسيم المجتمع واجتناب الفتنة؟؟

للأسف، لقد تجاوز تطرف العلمانيين كل الحدود، وهيمنتهم على الإعلام الرسمي البصري صارت غير مقبولة في بلاد المغرب المسلم، فقناة “دوزيم” التي يفترض فيها أن تخدم هوية المغاربة ودينهم؛ أصبحت حزبا له أيديولوجية مناقضة للهوية المخبرية ولدين الدولة والشعب، هذا الحزب الإعلامي يسخر مال المواطنين المغاربة المسلمين من دافعي الضرائب، ليمكّن لتلك الأيديولوجية العلمانية من خلال ما تنتجه القناة الثانية وما تقدمه لأبنائنا وبناتنا، فالدراما التي أثارت الجدل وتم تهريب موضوعها، هي أشد فتكا وتأثيرا من المخدرات والحبوب المهلوسة في عقول النشء.

فعن أي هوية أو إسلام يمكن للدولة أن تحدث المغاربة عن حمايته، والقنوات الرسمية التلفزية والجرائد والمواقع الإلكترونية التي تستفيد من دعم الوزارة تنشر الإلحاد والاستهزاء بالدين وشعائر الإسلام، وتشجع اللواط والزنا والخيانة الزوجية.

فأين الرقابة وما هو دورالهاكا، والنيابة العامة، وغيرهما. فهناك ما لا يحصى من المخالفات للقانون والهوية والدين خصوصا ما فيه تحريض على الزنا ونشر للصور الفاضحة وتزيين للإلحاد والزندقة.

لقد تم تهريب موضوع “الدراما” وخطرها، و”دوزيم” ووظيفتها الإفسادية، عندما أثيرت قضية الأستاذ والشيخة؛ ليصبح الموضوع هو الأستاذ “ياسين العمري”، ففضل العلمانيون بدل النقاش الفكري أن يشنوا الهجوم عليه وعلى جامعة الأخوين التي استقبلته، لصرف الأنظار عن وظيفة القناة الثانية الإفسادية، فانخرطت الـ”دوزيم” والجرائد والمواقع العلمانية المناقضة لدين الدولة وهويتها في التشهير بالأستاذ وهو رجل تعليم، ومحاولة شيطنته حتى يضعف تأثيره في فئة الشباب التي يشتغلون عليها لجعلها ضحية للإلحاد وفريسة لقطاع اللذة والفسق والمجون والاستهتار بالقيم والأخلاق.

ومن مكر هؤلاء أنهم يصرون على تسمية الأستاذ بالشيخ حتى يستفيدوا من حالة الحجر التي يعيشها الشيوخ والعلماء، لعلمهم ألا مكان لشيخ في الجامعات ومنابر الفكر والجدل المعرفي والاختلاف السياسي والإيديولوجي.

ثم إن هؤلاء الذين يشنون الهجمة على الأستاذ لأنه انتقد الدراما المنتجة من طرف “حزبهم”، ويعللون ذلك بانتصارهم للحداثة وبحرب المتطرفين، نسائل صدقهم:

لماذا لم يقم أعضاء حزب الـ”دوزيم” والجرائد العلمانية بنفس الحملة عندما خرجت مليكة مزان تشكو “أحمد عصيد” وهي المرأة الضعيفة، لماذا لم يساندوها؟؟

أين ذهبت كل شعارات محاربة العنف ضد النساء؟ لماذا لم ينتصروا للحداثة عندما خرجت للإعلام وثيقة عقد زواجه عليها باسم الإله ياكوش؟؟

أليس في تعتيمهم هذا وتواطئهم تشجيع على الظلامية والذكورية والعنف؟؟

لماذا لم يسائلوا “العصيد” ولو في استجواب واحد عما تتهمه به هذه المرأة من ضرب وإهانة واغتصاب وزنا المحارب؟؟

الجواب بكل بساطة لأنه مناضل ينتمي إلى حزبهم وطائفتهم، داعية مبشر بعقائدهم المحاربة للإسلام دين الشعب والدولة والهوية الإسلامية للبلاد.

لقد ظهر للجميع أن العلمانيين أصبحوا طائفة متعاونة ضد الدين، وأن ادعاء الدفاع عن المرأة ومحاربة العنف والاضطهاد هو وسيلة لحرب تشريعات الإسلام فقط، وعلى رأسها القوامة والإرث، وتفتيت مقومات الهوية الإسلامية ومؤسسات المجتمع المغربي وعلى رأسها الأسرة.

إن على العقلاء من الكتاب والأساتذة والمفكرين والعلماء والفقهاء أن يمارسوا حقهم في الدفاع عن هوية بلدهم ومقام دينهم، وذلك بالمشاركة في الميادين التي يريد العلمانيون أن تبقى حكرا عليهم.

فالعلمانيون في حزب الدوزيم والجرائد والمواقع الإلكترونية المتطرفة في لادينيتها، يعتقدون أن المغرب حكر على من هو على شاكلتهم، لذا تراهم يتكلمون في صلف وكبر وتعنت، ويقررون بكل وثوقية أن أمثال الأستاذ ياسين العمري حتى وإن كان أستاذا في الجامعة، فليس له مكان في جامعة الأخوية ليشارك في نشاط ولو بدعوة من منظمة طلابها، ويقومون بالتشهيربرئيس الجامعة ويتهمونه بالسماح للمتطرفين بولوج الجامعة والمحاضرة فيها، في محاولة انتقامية خطيرة.

هذا في الوقت الذي يشجبون فيه إقدام ذات الجامعة على إلغاء عقدة عمل مع أستاذ أجنبي شاذ يدعو إلى اللواط وينشره.

فكيف لهؤلاء أن يستمروا في إدارة المؤسسات التلفزية ويوجهون الكلام للنشء ويؤثرون على الرأي العام في البلاد، ثم يدعمون بالمال العام؟؟

من يحميهم ويوفر لهم الحصانة؟؟

صحيح أننا في حالة انفتاح على العالم وزادت حدتها بعد مرحلة ما بعد كورونا ومعاهدة التطبيع، وهذا الانفتاح يجعلنا حكاما ومحكومين في أمس الحاجة إلى حماية مقومات هويتنا وديننا وثقافتنا من الذوبان حماية لاستمرارسيادة المغاربة على بلادهم، فإلى أي حد يعي مسؤولونا الذين يشخصون مصلحة النظام خطورة التساهل مع أعداء الهوية والإسلام؟؟

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M