وقفة مع منتقدي الوالد الشيخ محمد زحل رحمه الله

04 نوفمبر 2019 02:17
رثاء العلامة زحل رحمه الله

هوية بريس – عبد الرحمن زحل

نحكم على الأشخاص في أحيان كثيرة من خلال ما نسمع عنهم من منتقديهم أو مادحيهم، فلا نقف على سِيَرهم ومناهجهم التي اختاروا لأنفسهم بذل جهودهم بحسبها خدمةً لأمتهم. وأحيانا يجعلنا الغالب الأعم نصرف النظر عن النادر الأخص، وإن كان النظر والتدقيق هو ما يوصل إلى التحقيق، فلولا ندرته ما اعتبر اللؤلؤ ولا الزمرد بقيمتيهما الحالية العالية. وسأعطي مثالا لمعرفتي الكبيرة به، فمثلا الوالد الشيخ محمد زحل رحمه الله كان جمّاعا غير مُفرِّق، ومطلعا على واقعه غائصا فيه إلى أعماقه، فهو مع الناس في منتدياتهم ونوازلهم، دون أن يعادي أو يداهن ولكن ينصح ويوازن… لكنني كثيرا ما كنت أواجَه من بعض المحسوبين على الإسلاميين بل والأكاديميين منهم بتعنت في الحكم عليه، غالبا بالتلميح وأحيانا بالتصريح. فذا يظنه سلفيا ظاهريا متشددا لمجرد سماعه أن سلفيا في المظهر احتج به فيما يماري بشأنه من ظواهر السنن، وذاك يدعي أنه حركي حتى النخاع لكونه حضر ملتقيات علمية أو دعوية للحركات الإسلامية؛ ولأن كثيرا من أقطابها يعتبرونه شيخا وأستاذا لهم، وآخر يعتبره معاديا للنظام وللتدين الرسمي لكونه صدح بالحق مخالفا في قضية بخطبة أو مقالة أو جواب عن فتوى…
وغالب هؤلاء، إما غِرّ لم يعرف إلا موقفا فبنى عليه رأيه فيه فهذا لا يؤخذ بقوله حتى تكتمل مراحل تكوينه؛ والتي سيكتشف فيها بنفسه تسرعه في كثير من قراراته وآرائه. وإما غيور حاقد يظن أنه أفقه وأعلم، وأن الصيت الطيب للرجل إنما اكتسبه من “شعبويته” لا من فقهه في الدعوة إلى الله وجهاده في سبيل ذلك؛ وهذا قوله مردود بقاعدة: “كلام الأقران يطوى ولا يروى” إن سَلَّمْنا أنه له قرين، وإلا فكثير من هؤلاء منفوخ بمنصب رسمي أو لقب أكاديمي يظن به أنه بلغ به الثريا وهو حقيقةً لا يزال ملتصقا بالثرى.
لكن المنصفين من أهل العلم والورع والمعرفة والعدل، شهدوا له بالسبق والإخلاص في العلم والدعوة، وتلامذته والحمد لله هم منتشرون اليوم في الوطن وخارجه، ويُعدّون منارات يهتدى بهم في مجالات عدة: فذا داعية وخطيب مفوٌه، وذاك أكاديمي بأبحاثه مُنَوَّه، وثالث ناشر للسنة بالحكمة غير مُسَفَّه، وآخر مُرَبٍّ خبير بالنفوس بتصنُّعها غير مُمَوَّه، ومنهم عابد زاهد مُزَكَّى غير مُرَفَّه… ولعل جنازته المشهودة وما جمعته من صنوف توجهات الناس خير دليل على ذلك، وهذا منهج قويم اختاره رحمه الله لنفسه فقد سئل في حوار أجرته معه مجلة البيان عن مؤلفاته، فقال: (شغلني تأليف الرجال عن تأليف الكتب). ومقالاته العلمية الرصينة في مجلة الفرقان وغيرها طيلة سنوات كانت دالة على بديع كتاباته ولكن الله اختار له أن يُبث علمُه على أفواه الرجال وجوارحهم. وصدق الله تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين).
ولست هنا أبالغ مفاخرة بأبي وإن كان رمزا للفخر، فهو من حفظني خلال دروس الألفية:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا
يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان أبي
وهو من علمني أن “من بطّأ به عملُه لم يُسرع به نسبُه”.
ولكن أحكي واقعا للذكرى والتذكر، عرفه معي الآلاف الذين سيُقرونني عليه إن لم يزيدوا على ما قلت، فما ذكرت هو فقط واقع ما عشت معه خلال ثلاثين سنة من عمري بعد التمييز، لعلها لا تُذكر أمام خمسين سنة قضاها في الدعوة إلى الله من خلال منابر متعددة، فنسأل الله له القَبول فيما أحسن، والتجاوز والمغفرة فيما سوى ذلك، ولنا الهداية والرشاد والتوفيق بانتهاج منهجه والسير على خطاه في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.

آخر اﻷخبار
4 تعليقات
  1. رحم الله شيخنا وأسكنه فسيح جناته،
    ووالله ما رأيت منه إلا خيرا، وأفضاله علينا لايجزيه عنها إلا الله،
    وقد كنت معه يوما ، وذكر لي أن أحدا جاءه فبدأ يذكر انتقاد بعض الناس له، فقال له الشيخ رحمه الله:
    لاتخبرني بمثل هذا فمن قال عني شيئا فقد سامحته.

  2. رحم الله سيخنا ومربِّينا سيدي محمد زحل فضله علينا كبير نسأل الله تعالى أن يرزقه جوار الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم

  3. عرفته رحمة الله عليه منذ 5 سنين حين كان يلقي درس الاربعاء في مسجد اليوسفي بالاحباس وكان الناس يأتونه من كل حدب وصوب ختى اوقفوه عن الخطابة مثله الشيخ الزبير القاضي فنشأ جيل جديد من الشباب لا يعرف للدين مكانا وكانت النتيجة الذي ترون الآن فلو قدر الله ان تركوهم يربون الاجيال لما وصلت الامور الى ما وصلت اليه.
    كان أحد الإخوة في. الأحباس يضيف علماء البيضاء كلها وكنت مرة مع ابي في هذه الدار التي أصبحت دارنا فيما بعد .
    لماذا أصبحت دارنا لعل صاحبها أراد أن يطبق ما يسمع من هؤلاء العلماء فقال لأبي اريد ان أترك هذه لرجل يعبد فيها الله وكان الوالد أحمد الخروبي قواما داعية في الشوارع ينصح كل من رءاه واين ما حل وارتحل متبعا قول الرسول صلى ألله عليه وسلم @بلغوا عني ولو آية@
    فرحم الله عالمنا وود أبينا وجعله في أعلى عليين آمين والحمد لله رب العالمين

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M