ولكن ليطمئن قلبي

12 أغسطس 2015 20:31
ولكن ليطمئن قلبي

ولكن ليطمئن قلبي

سفانة إراوي

هوية بريس – الأربعاء 12 غشت 2015

لا يزال الخطاب التقليدي في مواجهة العصر ينغص على الفكر نموه وتحرره، التحرر نحو التجديد، والإقلاع إلى مراتع العقل لفهم الأمور وتحليلها.. صدقا، إن كنا لا نزال نلمح مظاهر التدين في المجتمع فلأنه أصبح عرفا بل عادات هي أعمق من أن تثير بواعث الإلحاد بذلك الشكل الذي ينسلخ معه الفرد من كامل هويته وثقافته الدينية التي نشأ عليها..

أما الحقيقة المتوارية فتحكي قصة اهتمام سدنة الثقافة الغربية بنشر أسطورة اليونان المقدسة للشهوة، المتهمة بجريمة قتل الرب وسلخ الجسد عن روح الإنسان وآدميته، فاستغلت إعلامها المضلل ليكون ضربة لازب لثقافة فئة واسعة من الشباب المتحمس غير الواعي بآفات ما تعلق به لعدم وجود خطاب مقنع وإعلام مكافئ مدافع يكون بديلا عن كل تلك الصور والممارسات والأفكار الملونة المزوقة التي استطاعت استدراجه إلى ما لا طاقة له برده، إذ لا يجد في الساحة خطابا عقائديا يتماشى و محور النقض الذي تبنى عليه العقلانية ومراجعها..

لقد كنت وأنا في بداية المرحلة الثانوية ساخطة على مظاهر التسيب والانسلاخ عن الهوية الإسلامية في صفوف الشباب حولي -بحكم تربية الالتزام الدينية التي تلقيتها منذ صغري- ولم أكن واعية بعد بأن ما يتسبب في تلك المظاهر هي تلك التربية الدينية السطحية التي تعتمد إيراث العقيدة لتغدو عادات فعرفا لا يلقي المربي على عاتقه معها الإرشاد والتثبيت والتصحيح والتفسير..

ومضيت بعد ذلك في دربي الدراسي وأنا أصطدم بأساتذة الفلسفة وقناعاتهم، كان يحز في نفسي أن أجد من يسير في خطهم من التلاميذ، وحز في نفسي أكثر أن أسمع أحد زملائي في الفصل يقاطعني بعد أن ضاق ذرعا بتدخلاتي أمام الأستاذة: “هايا جبدات الدين عوتاني”، عندما كنت أقحم بعض الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية ضمن ما أتفوه به أثناء محاججتي لهم… فأصبحت مقتنعة تماما بأن الشباب اليوم بحاجة إلى قاعدة متينة تعيد للعقيدة سطوتها في النفس حتى تنطبع على القيم والأخلاق ويسمو بذلك الخلف عن التبرك بأعتاب الثقافة الدخيلة في ظل إرهاصات الاستلاب بعقدة الأجنبي والعقلانية الفارغة ما يولد رفضا وتهكما واستهتارا..

حينها وفقط آمنت بالمقصد من تلك الحكمة المعتزلية التي تنص على أن “إيمان المقلد باطل” ولا أراهم وضعوها اعتباطا، وإنما للسبب ذاته الذي ذكرت، فربّ أفكار فلسفية بسيطة قابلة لبعث الشك في المؤمن المقلد وبالتالي تهافته وراء معتقدات وتصورات أخرى قد لا تأخذه للإلحاد، لكنها حتما ستؤصل للعلمانية وأهدافها.. لا يعني هذا صحة ادعاء المعتزلة وإنما لنجيب عن تساؤل واضح وهو لماذا يا ترى جعلوه نصا قاطعا في دستورهم إن لم يكن هذا هو السبب وراء ذلك؟

لن تخالوني متوهمة إذن إن قلت لكم بأن إحساسي الداخلي بعد اقتحامي رحلة البحث عن مقاصد عقيدتي -ولا أزال ماضية فيها- كان الطمأنينة والارتياح..

بدأت أتساءل، ليس تشكيكا، ولكن ليطمئن قلبي.. لماذا أحتاج إلى الله؟

وحاشى لله أن يكون تساؤلي كفرا، فهو يقود إلى التأمل والبحث في براهين وجود الخالق وتعظيم ملكوته ما يولد إيمانا ويقينا خالصين.. ما الحكمة من وجودي؟

أأكون أحقر من حذائي بأن وجد لحكمة ووجدت عبثا وأنا الإنسان صاحب العقل والتدبير؟..

ثم أنتقل لموضوعات تقع عليها الشبهات من المغرضين: لماذا اخترت الإسلام بين آلاف الديانات؟

هل اقتنعت به أم ورثته؟

هل هو دين ثيوقراطي كهنوتي أم نظام حكم عادل؟

لماذا الحجاب؟

كيف يكون تحرير المرأة في الإسلام وهو الذي فرض عليها الحجاب؟

لماذا الجهاد؟

وهل صحيح أن الإسلام انتشر بالسيف؟

لماذا يكون القرآن وحيا لا كلام إنسان؟

وما وجه الإعجاز فيه؟

تساءلت كما يتساءل شخص يبحث عن الحقيقة ورددت طويلا قصيدة الطلاسم للشاعر إيليا أبو ماضي التي يصف فيها عمق حيرته واضطرابه في فهم حقيقة العالم من حوله، وتدرجت في البحث معتمدة التأمل أولا من خلال علم الفيزياء وبراهينه وإعجازه ثم استعنت ببعض الكتب التي وجهني إليها والدي الكريم، ألفيت فيها ضالتي وعزائي عن كل ما تلقيته في صغري دون فهم واستيعاب..

رسالتي إذن من هذه التجربة، هي الدعوة إلى توجيه الأنظار صوب العقيدة من خلال إعلام واسع تمثله الشبكة العنكبوتية لا نحتاج في تأصيلها لفلاسفة اللاهوت بقدر ما نحتاج إلى الفن، فالثقافة الدخيلة اليوم لا تعتمد الكتب لضخ دم العبثية في عروقنا وهي التي تستهزئ بنا كأمة لا تقرأ، بل لا تجد أنجع من الفن لتسخيره في ذلك بكل أصوله وفروعه ومكوناته فهو كما يصف مينكونيكولوف في دراسته “ثورة الفن والرواية”: “يشغل مكانة حيوية في مسيرة إرباك الأدمغة، وتقع عليه، كتعبير بديل عن يومنا هذا، مهمة كشف سر وجود الإنسان الجديد، وتبيان اهتزاز جميع الثوابت، وإعادة تقييم كل القيم، وإخضاع كل الحقائق للشك..”، فهل نستطيع صد تأثير الفن بالاكتفاء بالخطاب الوعظي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وآذان الشباب مغيبة عنه أصلا؟!! أم أن السبيل مقارعة الحجة بالحجة، والفن بالفن؟!!

لا نريد لأبنائنا أن يبرروا انتماءهم للدين بما اصطرخ به المشركون قبلهم: “إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون“، فاحتقرهم القرآن ووصمهم بقلة العقل والاستكبار عن الرضوخ للحق، وهو الذي حوت آياته من الكلمات الدالة على إعمال العقل والتفكر ما يطول حصره.. فكيف لا نهتدي به؟ فلنتفكر.. ولنمض في درب البحث حتى اليقين، ولنرب أجيالنا عليه، شعارنا في ذلك: مؤمن، ولكن ليطمئن قلبي..

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M