تميز الرجاء.. ورجاؤنا الحقيقي

24 ديسمبر 2013 11:42
تميز الرجاء.. ورجاؤنا الحقيقي

 تميز الرجاء.. ورجاؤنا الحقيقي

إكرام الفاسي

الثلاثاء 24 دجنبر 2013م

اتجهت أنظار الجماهير المغربية ليلة نهائيات كأس العالم للأندية صوب الملعب الكبير بمراكش، راجية فوز فريق الرجاء البيضاوي ضد نظيره الألماني  نادي “بايرن ميونيخ”، إلا أن الفريق الأخضر أخفق في نيل لقب هذه البطولة، وخيب آمال ورجاء المغاربة، بقدر ما أفرحهم هذا الإنجاز التاريخي.

كان عشاق السمر الرياضي على موعد مع فرجة ممتعة آملين فيها انتصار الفريق المغربي الذي شرف جماهير العرب بكونه أول فريق عربي في التاريخ يصل إلى نهائي بطولة كأس العالم للأندية، وأظهر جدارته في منافسته كبار الأندية العالمية، إلا أن هزيمته أمام نظيره الألماني تجعلنا نفكر ما إذا كان فوز الرجاء هو الرجاء الحقيقي للمغاربة!!…

في ظل الضغط اليومي الذي يعيشه الفرد، لا يجد البعض بدا من التنفيس عن همومه وضغوطه والتسلية عن نفسه بمتابعة مباريات كرة القدم، والاستمتاع بفرجة يجد من خلالها سعادته بانتصار فريقه المفضل ومشاركة فرحته مع أصدقائه وأقاربه، إلا أنه سرعان ما يعود إلى همومه ومشاكله…

بعض من تكبد عناء السفر للحضور للمباراة من مدن أخرى، تجده يفكر في سداد ما اقترضه من مال للتنقل للمركب واقتناء التذكرة، في حين أن البعض الآخر ينتظره عناء سفر على طريق سيار مكتظ، وآخرون ينتظرهم طريق مليء بالمنعرجات الخطيرة، أو الرجوع على متن مقصورة قطار يجد فيها بالكاد مكانا للوقوف، بدل المبيت في أحد فنادق المدينة الحمراء الباهظة الثمن، وحتى إن فكر في المبيت فلا غرابة أن يفاجأ بأن غرف الفنادق محجوزة بأكملها في تلك الليلة…

أما من فضل متابعة المباراة عبر شاشات تلفزات المقاهي، فأول ما ينتظره هو سداد ثمن كوب القهوة أو الشاي، ليخرج من جيبه بضع دراهم يقتطعها من راتبه الشهري الهزيل المثقل بالديون، أو يضطر أحيانا لتسديد الفاتورة بدلا عن أصدقائه للحفاظ على طابعه الاجتماعي وطمعا في أن يُسَدّدَ عنه في مرات قادمة…

ومن جلس في بيته أمام تلفازه، فلن يفلت من سداد فاتورة الكهرباء آخر الشهر المنضافة لفواتير الماء والكراء والهاتف والأنترنت..، كما لا يسلم من عتاب زوجته التي ربما فضلت حينَ المباراة متابعة مسلسلها المفضل…

في حين أن من تتبع مجريات المباراة عبر حاسوبه أو لوحته الذكية، قد ارتفع ضغطه بتقطع الصوت والصورة، بسبب ضعف خدمات الأنترنت…

تجد الصغار أيضا شغوفين بمتابعة المباريات ولو على حساب دراستهم، فيكون هذا التعلق الزائد بالكرة من بين أسباب انحطاط المستويات الدراسية، بل بعضهم مشغول بتفاصيل حياة اللاعبين وأخبار البطولات والأندية لدرجة لامبالاته -في أغلب الأحيان- بواجباته الدراسية.

أما بعض الناس فيفضلون أيام المباريات الحاسمة الاحتماء في مساكنهم خوفا من أعمال الشغب التي تهدد سلامتهم، وحتى إذا خرجوا إلى الشارع فلا يستبعد أن لا يجدوا وسيلة نقل عمومية تقلهم إلى وجهتهم، فالحركة متوقفة بسبب المباراة وموعدها التاريخي!!

نعم، تتعطل الحياة خلال ساعتين تقريبا، فتصير المدينة كأنها مدينة أموات، لا تسمع فيها صوتا للحياة إلا عندما ترتج جنبات المقاهي بصرخات المشجعين وتهتز جدران المنازل عند تفريغ بعضهم ضغط أطوار المباراة في الأثاث!

والطامة الكبرى حين تهتز الأصوات بالسباب والشتائم، فتصدم لهول الانحطاط الأخلاقي الذي صار إليه مجتمعنا، ولا غرابة حينها أن تفرق الكرة بين الأب والأبناء وبين الإخوة بعضهم البعض والأصدقاء لا لشيء سوى لاختلاف ميولاتهم وفرقهم المفضلة!

لقد استحوذت الكرة على العقول، حتى صرنا نسمع من يقول أن الكرة هي حياته وأنه مستعد للموت من أجلها، أو أن الفريق الفلاني هو حياته.. (بل وشاهدنا كيف تسابقت الأيدي على قميص وحذاء اللاعب البرازيلي المشهور “رونالدينيو” بعد مباراة النسور ضد  “أتلتيكو مينيرو” البرازيلي).

 لقد انتقلت الكرة من كونها لعبة رياضية إلى غاية في الحياة تبذل من أجلها الأوقات والأموال والعلاقات والأعمار، بل ويغير بعض الشباب أشكالهم ونمط حياتهم اقتداء بلاعبيهم المفضلين، والأعظم من ذلك كله أن تنسي الكرة الإنسان دينه وواجباته العظام، فيسب بسببها دينه وملته، ويضيع الصلوات والأعمال والواجبات تجاه نفسه وأهله وبلده وأمته، فبينما البعض مشغول بانتظار نتيجة المباراة البعض الآخر مشغول بإيجاد حطب للتدفئة وآخرون يقاسون جراء الحروب والأزمات الإنسانية..

وقد تجد البعض يقتفي أثر اللاعبين الأجانب -ولو على حساب قيمه ومبادئه- ولا يقتفي أثر المصطفى صلى الله عليه وسلم وأخبار العلماء والمثقفين!!

كما أنه من المؤسف أن تجد من يضيع أغلب ماله من أجل الكرة والمقامرة عليها وفي المقابل لا تجده ينفق درهما واحدا في مشروع خيري أو عمل دعوي!!

ولا يستبعد أن يكون مجموع ساعات مشاهدة الفرد للكرة خلال العام قد يساوي ضعف ما يمكن له أن يبذله لقراءة مجموعة من الكتب أو حفظ جزء من كتاب الله أو المساهمة في عمل تطوعي، وحتى لو طلب منه ذلك لاعتذر بضيق الوقت.

وبصفتي أنثى فلست أتحيز لرأي الانتقاص من لعبة كرة القدم إن لم ترتبط بما ذكرنا من مظاهر مؤسفة؛ وإن لم تضر بمصالحنا الفردية والجماعية، فلا إشكال من ممارستها والاهتمام بها وتبقى محمودة.

وفي الأخير أود أن أذكر أن رجاءنا نحن المغاربة ليس مقيدا بفوز فريق الرجاء البيضاوي بلقب كأس العالم للأندية فحسب، بل أملنا ورجاؤنا الحقيقي في غد مُشرق، يفوز فيه المغرب برتب عليا على مستوى الحضارة والتقدم والثقافة والتربية، وانخفاض مستوى الفقر والتهميش والبطالة، والتغلب على العجز الاقتصادي، وارتفاع القدرة الشرائية، وسيادة الأمن والاستقرار، وتحسن ظروف العيش، وقضاء شرعي ونزيه..

في غد ننعم فيه بوحدة عربية وإسلامية وسلام دولي…  ومستقبل واعد بمزيد من الازدهار والتنمية والرخاء، وفتح مزيد من الآفاق نحو إصلاح شامل ونهضة على مستوى جميع القطاعات؛ الاجتماعية منها والاقتصادية وكذا السياسية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M