في دولة يحكمها الانقلاب.. الكُلُّ تحت مقصلة الجَوْر والإجرام

16 يناير 2014 23:52
في دولة يحكمها الانقلاب.. الكُلُّ تحت مقصلة الجَوْر والإجرام

في دولة يحكمها الانقلاب.. الكُلُّ تحت مقصلة الجَوْر والإجرام

عبد الله النملي

هوية بريس – الخميس 16 يناير 2014م

جاء الربيع العربي ليُطيح بعدد من الأنظمة الاستبدادية وصعود القوى الإسلامية، حيث فاز الإسلاميون في مصر بنتائج الانتخابات الرئاسية و مجلس الشعب والشورى، الأمر الذي خَلّف هزيمة مدوية للتيار العلماني الذي اندحر في كل المراحل الانتخابية.

وعندما أعلنت الرئاسة المصرية إحالة بعض كبار القادة العسكريين إلى التقاعد، اعتقد البعض أن الرئيس محمد مرسي بات ممسكاً بزمام الحكم، وبعد سنة فقط، انتهى المشهد بإعادة السيناريو الجزائري، بانقلاب عسكري دموي على رئيس شرعي منتخب، وارتكاب مذابح في حق المتظاهرين السلميين.

فمنذ اللحظة التي بدأ فيها السيسي قراءة بيانه الانقلابي الأول أدركنا أننا أمام انقلاب كامل للعسكر ضد صندوق الانتخابات، وهو انقلاب اجتمعت من أجله كل مطابخ ومصانع الخديعة للإجهاز على الدولة المصرية المدنية الديمقراطية، التي ولدت من رحم الثورة وإرادة الجماهير. وحتى يضمن الانقلابيون إمساكهم بكل مؤسسات الدولة بمصر، جمعوا لدميتهم الرئيس الطرطور، كل سلطات الدولة التنفيذية، بصفته رئيس الجمهورية المزيف، والسلطة التشريعية بعد أن حل الانقلاب مجلس الشورى، والسلطة القضائية بصفته رئيس المحكمة الدستورية..

في دولة يحكمها العسكر، الكل بات يعيش تحت مقصلة الجور والإجرام وتلفيق الاتهامات، ولا استثناءات ولا خطوط حمراء، ولا رادع من ضمير أو قانون، لا أحد في مصر الآن يشعر بأنه في طمأنينة وطن. مصر اليوم تعيش فترة استثنائية، تعاظمت فيها خيلاء الخيانة وشرذمة الانقلاب، وتساندت فيها عصابات السوء، وبلغت درجات الوقاحة حدا غير مسبوق، فلا القضاء ينتفض للعدل، ولا شرطة ترتعد من عواقب الإجرام، ولا جيش يتأثر بآلام شعبه، ولا إعلام يفوق من غفلته وعمالته ويقول كلمة حق يرضي بها الله.

لقد أسال الانقلاب العسكري بمصر الدماء انهارا في ميادين مصر، وملأ السجون والمعتقلات، وحرق الجثث ومَثّل بها، وبَطَشَ بكل من يقول لا للانقلاب، وأفلت زبانيته المسعورة في جهاز القضاء ليُصْدر الأحكام الجائرة على عظماء مصر، ممن وضع الشعب ثقته بهم قبل أشهر، وحل مجلس الشعب والشورى الذي انتخبه الشعب، وألغى الدستور الذي صادق عليه الشعب، وعزل الرئيس المنتخب ديمقراطيا لأول مرة في تاريخ مصر، وأغلق الفضائيات والصحف المعارضة، وأطلق البلطجية والمسجلين خطر ليعيثوا في الأرض فسادا، حرقا وتخريبا للممتلكات الخاصة والعامة، وسَحْلا للأبرياء في الشوارع.

في دولة يحكمها الانقلاب، اللعب ببالونة صفراء عقوبته تتراوح من السجن 5 سنوات إلى الأشغال الشاقة المؤبدة! ومثلها عقوبة رفع اليد بأربعة أصابع (علامة رابعة) فهي تتراوح من السجن 5 سنوات إلى الأشغال الشاقة المؤبدة وربما إلى الأبد! وفي دولة يستولي فيها الانقلاب على الحكم، المَشْيُ خطوات في مظاهرة يعني الاستضافة لسنوات في سجن الداخلية، في دولة يتحكم فيها الانقلاب، حَمْلُ مسطرة رابعة، أو دبوس رابعة، أو ارتداء (تي شيرت) أصفر، الحد الأدنى لعقابه 5 سنوات، وقد تكون الإقامة هناك مؤبدة!!

في دولة يحكمها الانقلاب، ما عاد الانقلابيون يفرقون بين إخواني وليبرالي، ما دام أنه مناهض لسياستهم الظالمة، وفي دولة الاستبداد العسكري، أصبحت الأرواح بلا ثمن والمجازر ترتكب بدم بارد، من خلال إطلاق جيوش البلطجية والشرطة المسعورة لإحراق المحال والبيوت، والفتك بكل معارض للانقلاب، في ظل تحريض إعلامي اجرامي محموم لطمس بصائر عامة الشعب، وإقناعهم بضرورة ذبح كل المطالبين بعودة الشرعية لمكافحة الإرهاب، فهم في سبيل بقائهم على استعداد أن يفجروا وأن يحرقوا، حتى يظلوا جاثمين على صدور هذا الشعب.

المجرمون الانقلابيون جعلوا البلاد على فوهة بركان، بعد أن أصابوا الاقتصاد المصري بحالة من الشلل التام، واليوم يدفعون البلاد دفعا إلى الحر ب الأهلية، للإفلات من حبال المشانق، ورغم التعدي الواضح من قبل حكومة الانقلاب على اختصاص السلطات القضائية بإصدار توصيفات تهم الإرهاب، إلا أن شرذمة الانقلاب سارعت بمُخاطبة سفارات العالم لاعتبار الإخوان جماعة ارهابية، في خطوة كشفت حجم السذاجة التي يحكم بها العسكر مصر، وقد جاء موقف الانقلابيين متفقا مع بقية المواقف المتطرفة التي يصر النظام العسكري في مصر على اتخاذها. ولعل اتهاما كهذا، من قبل سلطة انقلابية مُجْرمة سرقت الوطن، وسام آخر على صدور الإخوان، لم أجد فصيلا آخر أكثر سعادة بوصفه بالإرهاب منهم، ولم أجد تنظيما يزداد حب مؤيديه له وتمسكهم به وفخرا بوجوده، مثل مؤيدي الإخوان والشرعية بعد تصنيفهم كمنظمة إرهابية.

حركة الإخوان المسلمين التي تجاوز عمرها الثمانين عاما، عاشت قابضة على الجمر تقذفها الأنظمة المستبدة بحمم العذاب و الاضطهاد، وترميهم بسلميتها الهادئة والواثقة بنصر الله، كانوا التجسيد الرائع لما قاله إمامها الشهيد حسن البنا (كونوا كالشجر يرميهم الناس بالحجر وترميهم بالثمر) رحلة طويلة من الثبات على المبدأ والإصرار على مواصلة طريق وعر اختاروه طوعا، منذ عبد الناصر والسادات ونظام مبارك و انتهاء بسلطة الانقلاب العسكري، اعتقالات بالجملة، محاكمات عسكرية هزلية، محاولات ساذجة لشيطنتهم، ألوف لا تحصى من المعتقلين، وحملات إبادة لاستئصالهم..

وأكبر دليل على عدم مشروعية الانقلاب العسكري هو رفض منظمات المجتمع المدني الدولية مراقبة الاستفتاء، رافضة الحضور، لكون الدستور المزعوم مزيف، جرى التحضير له من سلطة انقلابية غاصبة للسلطة، لا يوجد له نظير في العالم أجمع، تم مناقشته في غرف مغلقة، دون أن يعرف الشعب ما تم داخل أروقة لجنة الانقلابيين المُعَيّنة، مُقارنة بدستور 2012 الذي كان يُناقش عَلَنا وعلى قناة تلفزيونية أمام الشعب كله. هذا الدستور يهدم مبادئ وأهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهو دستور يقوم على أساس عسكرة الدولة، ووضع العسكر فوق الدولة، وتحصين منصب وزير الدفاع والمجلس العسكري، وهو ما يجعلهم فوق الدولة، وخارج نطاق محاسبة الشعب، وإعادة إنتاج الدولة البوليسية، وإطلاق يد الطوارئ، ومحاكمة المدنيين عسكريا، ما يعني الانتقاص من القضاء الطبيعي، وإقصاء الهوية الإسلامية والمواد المُفَسرة لمبادئ الشريعة، وإلغاء المادة التي تحظر الإساءة للأنبياء والرسل، والترسيخ للعلمانية المتوحشة وضياع الأخلاق والآداب..

ويزداد الأمر سوءا وبشاعة حينما نعلم أنه تم التحفظ على أموال نحو 1130 جمعية أهلية، دون أن يبالي الانقلابيون بحجم المآسي التي سيعاني منها عشرات ملايين الفقراء من الشعب المصري، الذين كانت تمتد إليهم يد الإسلاميين الحانية، عبر آلاف الجمعيات والمؤسسات الخيرية، التي قرر الانقلاب المجرم إغلاقها ومصادرة أملاكها، في إجراء وحشي لم يجرؤ حتى نظام مبارك على عمله. و تشير الإحصاءات إلى أن المستفيدين من خدمات اثنين فقط من الجمعيات المتحفظ عليها، يتجاوز 10 ملايين شخص، دون احتساب المرضى الذين استعصى عليهم العلاج في المستشفيات الخاصة والعامة، نتيجة ازدحامها وعدم توفر مستلزمات العلاج فيها.

وعن مدى تأثير ذلك على المصريين أوضحت صحف مصرية أنه على سبيل المثال، في سنتي 2010-2011 فإن المرافق الطبية التابعة للإخوان عالجت ما يقرب من 1,5 مليون حالة، دون احتساب العديد من القوافل الطبية. وتقدم هذه الجمعيات التي جرى التحفظ عليها، مساعدات نقدية وعينية وطبية لمئات الآلاف من الأسر المصرية، بمئات الملايين من الجنيهات، تجمعها عن طريق التبرعات من المترددين على المساجد التابعة لها، والتي يتجاوز عددها 7750 مسجدا. 

إن ما يحصل في مصر اليوم، بعد نصف سنة من حكم الانقلابيين، هو إرهاب دولة بامتياز، دعمته ومولته دول مستاءة من الربيع العربي، لطالما ادعت بمحاربته ونبذه، وحرمة الخروج على ولي الأمر، إن ما تقوم به سلطات الانقلاب هو السير على ذات الطريق الذي يؤدي إلى ما آلت إليه الأنظمة المُسْتَبدة التي دمرت أرضها وشردت شعبها، وهو الطريق الذي فضله الطغاة في ليبيا واليمن وسوريا، بدلا من احترام إرادة الشعوب.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M