ماذا عن المطالبة بنقد ديني لطيف ومهادن؟

15 أبريل 2014 14:40
ماذا عن المطالبة بنقد ديني لطيف ومهادن؟

ماذا عن المطالبة بنقد ديني لطيف ومهادن؟

د. محمد وراضي   

هوية بريس – الثلاثاء 15 أبريل 2014         

يأخذ علي بعض القراء تشددي في كشف عوار من أصفهم بالضلاليين مرة. وبالظلاميين مرة. وبالزنادقة أخرى! وكأن الموصوفين بهذه الصفات قبلي لا يعدون من الجناة على الدين! أو لا يعتبرون من ضمن المجرمين الذين يجب اعتقالهم متلبسين بالجرم المشهود. داخل الزوايا وباحات قبور الأولياء أو الصالحين المفترضين! حيث إنهم قد تجاوزوا حدود الله وحدود سنة نبيه صلى الله عليه وسلم!

وحتى أبرز موقفي الواضح من الابتداع وأهله، ألجأ إلى العلماء العاملين المخلصين، وأستحضر سؤالا وجه إلى الإمام أحمد بن حنبل هذا نصه: “الرجل يصوم ويصلي ويعتكف. أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع”؟ فكانت إجابته: “إذا قام وصلى واعتكف، فإنما هو لنفسه! وإذا تكلم في أهل البدع، فإنما هو للمسلمين وهذا أفضل!”.

وعن الإمام أحمد بن تيمية: “أن هذا -الذي قاله ابن حنبل- نفع للمسلمين في دينهم. إنه من جنس الجهاد في سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته. ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين. ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب (على أرض الإسلام) فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا (= حال فرنسا مع مستعمراتها الإسلامية). وأما أولئك (يعني المبتدعة) فهم يفسدون القلوب ابتداء”.

والإمام أحمد، وابن تيمية وغيرهما من العلماء العاملين، لا يهرفون بما لا يعلمون. قال عز وجل: “وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها. فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره. إنكم إذن مثلهم. إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا“.

وبخصوص هذه الآية قال الإمام القرطبي ما محصله: “فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر. لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم. والرضى بالكفر كفر. قال سبحانه: “إنهم إذن مثلهم” فكل من جلس في مجلس معصية (وفيهم حتى الحكام)، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء (…) وإذا ثبت تجنب المعاصي كما بينا، فتجنب أهل البدع والأهواء أولى”!

وروى جويبر عن الضحاك قوله: “دخل في هذه الآية كل محدث في الدين مبتدع إلى يوم القيامة”.

وقال تعالى: “ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار. وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون“. وقال القرطبي بخصوصها: “الصحيح في معنى هذه الآية، أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع. فإن صحبتهم كفر أو معصية. إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة” (= الحب في الله).

ولما كانت هجرة الكفار والمنافقين والمبتدعين واجبة بأكثر من نص قرآني، فإنها كذلك واجبة بأكثر من نص حديثي. ففي صحيح الإمام البخاري نجد “باب الهجرة وقول رسول الله ص: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث“. و”باب ما يجوز من الهجران لمن عصى”. و”باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا، ولم يرد سلامه حتى تتبين توبته”. وفي سنن أبي داود نجد “باب مجانبة أهل الأهواء وبغضهم”. و”باب ترك السلام على أهل الأهواء”. بينما نجد في “رياض الصالحين” للنووي: “باب تحريم الهجر بين المسلمين إلا لبدعة في المهجور أو تظاهر بالفسق”. وفي “شرح السنة” للبغوي نجد: “باب مجانبة أهل الأهواء”. وفي “الترغيب والترهيب” للمنذري نجد: “الترهيب من حب الأشرار وأهل البدع لأن المرء مع من أحب”.

وعند مسلم في مقدمة صحيحه قوله ص: “سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم“. وقال البغوي بعد تقديمه لهذا الحديث: “قد أخبر النبي ص عن افتراق هذه الأمة وظهور الأهواء والبدع فيهم، وحكم بالنجاة لمن اتبع سنته وسنة أصحابه رضي الله عنهم. فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع معتقدا، أو يتهاون بشيء من السنة أن يهجره وأن يتبرأ منه، ويتركه حيا فلا يسلم عليه إذا لقيه ولا يجيبه إذا ابتدأه (بالكلام) إلى أن يترك بدعته ويرجع إلى الحق”.

وروى الترمذي قوله ص: “سيكون بعدي أمراء (= حكام). فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه. وليس بوارد علي الحوض“. والظلم هنا يعني الاعتداء على العباد وتحريف الدين بممارسة البدع والترويج لها والسكوت عن أصحابها!!!

وعند مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قوله ص: “ما من نبي بعثه الله تعالى في أمة قبلي إلا كان له في أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره (هل القبوريون والطرقيون عندنا مقتدون به ص؟). ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون (كحال عامة المبتدعين!). ويفعلون ما لا يؤمرون (ذكر مصاحب للرقص). فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن (نحن لا نستطيع ذلك). ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن (جهاد القلب يرافقه جهاد القلم ما أمكن). وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خرذل“!

وقد اقتفى كبار العلماء والأئمة والفقهاء والمحدثين، أثر الصحابة والتابعين في التشديد على المبتدعين وفضحهم أمام عامة المسلمين وكافتهم، حتى لا يعتبر الناس بما هم عليه، فيصدقون الضلالات التي يمارسونها ويروجون لها. فعن الفضيل بن عياض قوله: “من أتاه رجل فشاوره فدله على مبتدع فقد غش الإسلام، واحذروا الدخول على أصحاب البدع فإنهم يصدون عن الحق“. وفي “البدع والنهي عنها” لمحمد بن وضاح الأندلسي (توفي 286 هجرية) أن عبد الله بن مسعود “مر بامرأة معها تسبيح تسبح به، فقطعه وألقاه! ثم مر برجل يسبح بحصى فضربه برجله ثم قال: “لقد سبقتم. ركبتم بدعة ظلما، أو لقد غلبتم أصحاب محمد ص علما”! ووقف كذلك على رجل وهو يقول لأصحابه: “سبحوا كذا. وكبروا كذا. وهللوا كذا”. فقال لهم: “على الله تعدون؟ أو على الله تسمعون؟ فقد كفيتم الإحصاء والعدة”! يعني أن ابن مسعود يعتبر اعتماد السبحة لعد الأذكار بدعة ضلالة، وأنها لم تكن من فعله ص. مثلها مثل الذكر الجماعي الذي استنكره كما اتضح لنا على التو!

وعن سفيان الثوري قوله: “من أصغى بأذنه إلى صاحب بدعة، خرج من عصمة الله ووكل إليها. يعني إلى البدع”.

وفي “عدة المريد الصادق” لأحمد زروق -الذي ينظر إليه كمجدد للشاذلية- وقفنا على قوله: “ولقد تتبعت الطرق الموجودة بأيدي الناس في هذه الأزمنة، فلم أجد لأهلها فتحا، ولا نورا، ولا حقيقة، ولا علما، ولا ذوقا، ولا فهما، بل ولا لذة نفسانية غير لذة الرياسة والامتياز بالتخصص بالنسبة ونحوها! هذا ما وجدته في صادقهم، فأما غيره، فلم أر منهم إلا لعبا ولهوا وفخرا، وكبرا وتعصبا”!

وقال أيضا: “وهذا حال الكثير من الناس في الوقت (أي في عصره. أما بعد عصره فالظلام الصوفي أدرك ذروته!). اتخذوا علم الرقائق والحقائق سلما لأمور: لاستهواء قلوب العامة! وأخذ أموال الظلمة (=الحكام المستبدون!)، واحتقار المساكين! والتمكن من محرمات بينة، وبدع ظاهرة! حتى إن بعضهم خرج من الملة! وقبل منه الجهال ذلك! بادعاء الإرث والاختصاص في الفن”!

وكتعميق للوارد عن المختار الصادق المصدوق، حيث أخبر بظهور ضلاليين مفسدين للدين، وطلب منا مجاهدتهم باليد واللسان، مع إدخال مجاهدتهم بالقلم في المجاهدة الثانية، لأن ظهورهم يجسد ما حدث تاريخيا قبله، بعد رحيل أكثر من نبي وأكثر من رسول عن الفانية. فقد كذب فولتير -الذي يحمل تكذيبه الساخر- الكثير مما نسبه الكهنة إلى سيدنا عيسى عليه السلام فقال: “إن المسيح لم يقل شيئا عن كل ذلك، ليس هذا فحسب، بل إنه لم يفكر قط فيه (إن جوهري وجوهر الله واحد = وحدة الوجود لدى الصوفيين)! ولو قيض له أن يرجع بيننا فكم سيكون غضبه شديدا. وكم ستكون دهشته عظيمة”. (وما قيل عنه يقال عن نبينا الذي أخبرنا بما سيحدث بعده من تحريف في الدين).

ثم أضاف: “وماذا سيقول حينئذ في عادات أولئك الذين يصرحون بأنهم ممثلوه في الأرض (= العلماء ورثة الأنبياء). فالمسيح استنكر التفاوت في الدرجات بين الكهنة. ولكن الكنيسة تقوم على التسلسل الكهنوتي: البابا والمطارنة ورؤساء الأديرة (عندنا نحن: الأقطاب والأوتاد والنجباء، والقيمون على الأضرحة والزوايا!) يأمرون وينهون على هواهم. وصغار الكهنة لا يملكون سوى حق الارتجاف والطاعة (حال المريدين مع الشيوخ). والمسيح استنكر الغنى وأشاد بالفقر. ولكن البابا والمطارنة ورؤساء الأديرة، يرفلون في بحبوحة من العيش! باستثناء صغار الكهنة الذين يحيون حياة بائسة ويموتون جوعا! والمسيح جعل من الخشوع والندامة أم الفضائل (وواقع شيوخ الطرق عندنا يقول عكس ذلك!). ولكن البذخ والأبهة يتراءيان في عربات كبار رجال الإكليروس ولباسهم ومواقفهم (راقبوا شيخ البودشيشية وتحركاته وتحركات أفراد عائلته وكبار أتباعه!). والمسيح امتدح صفاء القلب وأطرى سلامة الفكر. ولكن كهنته يقطعون على أنفسهم عهدا بالعفة لا يستطيعون التمسك به (وهذا حال من يتظاهرون بالصلاح، يبيعون دينهم بدنيا الأثرياء والحكام!). ويتماحكون في تفننات لاهوتية مخيبة وغير مجدية” (نظير التي يمارسها القبوريون والطرقيون والمشعوذون وعلماء السلطان)!!!

ولاستمرار الفكر الكهنوتي في استرقاق جماهير الديانة المسيحية وخداعها، ولاستمراره في استغلالها إلى أقصى الحدود، يقدر فولتير عدد الأشخاص الذين ذهبوا ضحية الكنيسة بعشرة ملايين نسمة على الأقل “فأين هي الروح الإنجيلية في هذا كله؟ يا لهم من ممثلين ليسوع المسيح! هؤلاء الممثلون الذين يخالفون بكل حركة من حركاتهم ما جاء في تعاليمه ووصاياه”؟

إن ما يحدث إذن بعد وفاة كل نبي ورسول، هو ما حدث بعد وفاة عيسى عليه السلام. وبعد وفاة محمد ص. إنه الميل إلى تشويه الدين وتحريفه بدافع من عوامل داخلية وخارجية يطول بنا شرحها، يكفي أن نسجل كيف أن التصوف بدأ فرديا على طريقة “بوذا” ليتحول إلى تصوف جماعي. فمن زهاد ينقطعون في المغارات والصوامع مقدمين العزلة على المخالطة، إلى إحداث مساكن لمزاولة التعبد الجماعي هي الأديرة لدى النصارى، وهي التكايا أو الخوانق أو الزوايا لدى المسلمين!

فإن كان الكهنوت المسيحي وراء قتل عشرة ملايين نسمة كما قال فولتير، فإن الزوايا كانت ولا تزال تقتل قلوب ملايين من المسلمين بما تبثه فيهم من ضلال مبين. فأتباع الزنديق التجاني الضال يقدرون بالملايين! والمنتسبون إلى أبي دشيش المجهول الهوية هم على غرار التجانيين ماضون في التوسع بدعم من الدولة والاستكبار الغربي الذي تتقدمه الولايات المتحدة الأمريكية! لأن أهل الزوايا والقبوريين كظلاميين، يتحركون في حدود الإسلام المطلوب تفعيله، لمواجهة السلفيين أو الأصوليين أو الرساليين أعداء البدع وخصوم حماتها والمروجين لها.

فالمواجهة بين الحق والباطل لم تتوقف قط. نقصد بالحق ما انتهى إلينا من كتاب الله ومن سنة مجتباه ومن أعمال الصحابة واجتهادات التابعين، وكبار الأئمة والفقهاء والعلماء. ونقصد بالباطل كافة المبتدعات مهما يكن مصدرها، إلى حد القول: إن العلماء الساكتين عن الحق مبتدعة ضلاليون. إذ أن سكوتهم يترجم لدى العامة ميلهم إلى الباطل مقابل حرصهم على المتاع الدنيوي الزائل!

ونحن في مواجهتنا لخصوم الدين، وللمبتدعين بإطلاق، لا نرسل الكلام على عواهنه، وإنما نتقدم ببراهين من الكتاب والسنة لإظهار زيف كل ما تم ابتداعه في الدين. لكن المتهمين من طرفنا بتشويهه، لا يملكون أدلة على ما يدعون! فلو سألناهم عن السبحة من أين جاءتهم لعجزوا عن الإجابة! وإن قلنا لهم: إنه ص لم يعقد قط حلقات للذكر الجماعي! ولا شارك في دعاء جماعي على إثر الصلوات الخمس! ولا شارك في قراءة الجمع للقرآن! لو سألناهم كل هذه الأسئلة، لما استطاعوا تقديم دليل واحد على ما يمارسونه ويتشبثون به من ضلالات منكرة! ولو سألناهم عن تعبدهم بالاسم المفرد “الله الله” و”هو هو” و”يا لطيف يا لطيف” وغيرها من مسمى الأذكار عندهم كأحزاب فلان وأدعية علان، وصلوات عدان! لما استطاعوا الزعم بأنه ص كان يتقرب بها إلى الله عز وجل! ولو سألناهم عن حضوره ص في حلقات الذكر التي يعقدونها، لما وجدوا إلى ذلك سبيلا غير الادعاءات الفارغة من كل مدلول ديني مفترض!    

ويبقى أن المجرمين القتلة تحديدا، يوضعون في زنازن منفردة! لا في غرف داخل فنادق من خمسة نجوم أو ستة! خاصة وأن الإساءة إلى دين الأمة -في نظر الإسلام- جرم خطره على الملايين لا يماثله خطر مجرم قاتل لرجل، أو لامرأة، أو لطفل! مع أن القرآن الكريم يقول: “من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”! وكان من اجتهادات عمر بن الخطاب -بعد تشاوره مع الصحابة- أن أصدر الفتوى المعروفة التي تبيح: “قتل الجماعة بالواحد”. في قضية مشاركة زوجة خائنة مع عشيقها في قتل ابن زوجها. وهو ما يعرف في القانون الجنائي بالمشاركين أو المتورطين في الجريمة! يعني أن الطرقيين والقبوريين مشاركون في جرائم تحريف الدين وتشويهه من جهة، وتضليل الناس بالملايين من جهة ثانية!

وإن نحن على بينة من هذه الحقيقة الملموسة باليد، والمنظورة بالعين، والمشمومة بالأنف، فلا يصح أن نغض أبصارنا عما نراه من فساد في الدين، منوط برعاية الدولة نفسها من خلال وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي على رأسها وزير، لا نعرف كيف نحدد هويته الحقيقية؟ هل هو مجرد مؤرخ؟ أم هو عالم من علماء المملكة؟ أم هو طرقي بودشيشي؟ أم هو سلفي؟ أم هو مالكي صادق مستقيم؟

الموقع الإلكتروني: www.islamtinking.blog.com

العنوان الإلكتروني:  [email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M