أدبيات التواصل… نحو حوار راق

06 أغسطس 2014 17:13
أدبيات التواصل... نحو حوار راق

أدبيات التواصل... نحو حوار راق

مصطفى بن محمد الدويبات (طالب باحث)

هوية بريس – الأربعاء 06 غشت 2014

تحدث.. وارتق.. وتأدب… فإن قيمتك و منزلتك عند أجمل عباراتك التي تستعملها.

هذه كلمات نحتها القلب وألقى بها إليكم من غير كثير تكلف، في قالب نصائح وتوجيهات ألزم بها نفسي، ويلتزم بها من رأى فيها صوابا وخيرا.

كثيرة هي الحوارات التي ما تفضي -غالبا- إلى ملاسنات بين أطراف الحوار، تتعدى الطروحات إلى الشخوص والذوات، فترى وابل الشتم يهطل غزيرا، والاستفزازَ والقدحَ يسمو فوق كل قول، فماذا نفعل في مثل هذا؟؟

اعلم أخي -زادك الله حرصا و رفعة- أن مجابهة الخصم بسلاح الضعفاء، وأسلوب السفهاء (شتم.. قدح.. سب) لهو من أيسر الحلول، وأبسط الأمور، فالشتم باب عريـض، و كل الورى يحسنون دخوله.

لكن -في المقابل- ما أجمل أن تواجه محاورك وتجابهه بخلاف فِعاله، ولسان حالك يخاطبه بحسن وأدب: لن أنزل إليك وإن جررتني، وإن استفززتني، وإن شتمتني، وإن نهرتني ونهشت عرضي بلسانك،… فإن أردتني فاصعد إلي، و سأفرش لك الطريق زهورا، وأعبد لك سبيل الصعود، وإن شئت ألقيت لك سلما من عذب الكلمات صيرتها لك دَرجا يفوح عبقا ونسيما، فحتى إذا وصلت، وأسمعتَ، كان لصوتك صدى جميل كجمال الريحان، يفوح بالنسائم، وتحلو لذكره الآذان.

لكن، أوَ ما تدري -يا من يسيء القول بسفه- أن من يتهيب صعود جبال التحاور والتواصل والتشارك والتفاعل، ويصنفْ نفسه بمنطق التفاضل لا بميزان التكامل، -أو ما تدري أنه- يعش أبد الدهر بين حفر السب، ووديان والشتم، وكهوف القدح… وما أدراك ما في جوف الوادي؟؟ أفاعي الكلمات، وثعالبُ العبارات، و حشرات المصطلحات، ..ناهيك عن نتن في القول لعدم إشراق شمس التأدب عليه، و سلط في اللسان لعدم وصول نسيم التخلق إليه.

ارْقَ بحديثك -يا أخي- وكن كقارئ القرآن.. منزلته في الجنة عند آخر آية قرأها، وأنت عند ارتقائك في سلم الإبلاغ، واعتمادك لأسلوب الإقناع، ممزوجا بوصفات الامتاع، في حلة كلامية مهذبة، مستساغة وعذبة، فإن قيمتك و منزلتك عند مستمعيك عند أجمل كلمة تلوتها، وعبارة ذكرتها.

أمَا وإن أبيت إلا اللعن والطعن، فلتعلم -أصلحك الله- أن الثرى والثريا وإن اشتركا في الحروف والكلمات، إلا أنهما ينطبق عليهما ما وُصِف به سيفُ العصا:

ألم ترى أن النجم يصغر قدره***إذا قلت أن النجم خير من الثرى!!

وتبقى النجوم (الثريا) شامخة في علوها، والثرى سافلة في دنوها، فهل ترى بينهما من سبيل!!؟ وأنى لك إليها وصولا!!؟ ولتعلم يا أخي:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم قوله***فكل كلام يستقيه جميل

ولتكن -دوما- في حواراتك نفسُ عِصام، تشرُف وتزكو بالاكتساب من صالح القول وجميل الذكر، لا من الانتساب إلى فحشاء الكلام مع الاعتزاز بقبيح الوزر.

إن اللَّعَان -يا من تلعن وتطعن- ما أمْرُه إلا كتارك تلاوة كتاب الله… قوله كالجوف الخرب، وحديثه كالحنظل لا ريح طيب له حتى يستنشقه المنصتون، وطعمه مر إذا هم تذوقوا معانيَه وعباراتِه، بل إنه كنافخ الكير ولكن في جوف الليل البهيم، ففضلا عن أذيته للعباد بشرارة قوله، و شِرَّةِ لَسنه، وفضول هذَره، وفضلا عن ريح خبث كلماته التي قد تزكم سمع الكثيرين… فإن شرارته تبدو لكل مبصر، تعلو فيها حمرة القدح واللعن، فيتجنبها كل عاقل لبيب… ألا فاحذر أن يرميك الناس بسهم نافخ الكير، فيفروا منك فرارهم من الأسد، واحذر أن تصير في كلامك كما الثعبانِ ينفث سما، فلا علما تريد ولا نفعا تزيد.

إن الحلال -يا أخي- صعبٌ بلوغه، عسير إتيانه، ويشتد على المرئ أمرُ المداومة عليه، فيحتاج صبرا وجلدا، وإيمانا وقوة في العزيمة، فكذلكم طيب الكلام وليونة القول، تحتاج إلى مصابرة اللسان، ومرابطة الكلمات، فما كان من حميد حُمِد، وما كان من شديد لُفِظ… وأما الحرام فما أقربه، وعلى النفس ما أسهله، حرك أطرافك تلق منه نصيبا، وفكر به تجده منك قريبا، فكذللكم سوء الكلام وفحشُه، ما إن تبدأَ به إلا واسترسلت… فصابر نفسك بحلال القول وطيب الكلام، على حرام القول في سوئه وفحشه.

وأخيرا لنجعل من كلامنا بذورا من اللين والرفق، والمحبة والتسامح، والإصغاء الحَسَن، وطيب القول… ونكْفُرُها في تربة “الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن”، ولنسقها بِرِيقِ “لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ“، ومَاءِ إن “أنكر الأصوات لصوت الحمير”… فيَخرج لنا شجرٌ من القول، أصله ثابت لدى المآلف، وفرعه مؤانس للمخالف، يؤتي أكله كلاما نديا، ثماره عظيمة يانعة، للمنصت نافعة ، ولصاحبها رافعة، فتحدث.. وارق.. وتأدب… فإن منزلتك عند أجمل عباراتك التي تستعملها.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M