ماذا عن هذه المقولة السائدة «مبروك عوايشركم»؟

30 يونيو 2015 13:56
ماذا عن هذه المقولة السائدة «مبروك عوايشركم»؟

ماذا عن هذه المقولة السائدة «مبروك عوايشركم»؟

د. محمد وراضي

هوية بريس – الثلاثاء 30 يونيو 2015

عبارة تطلق على لسان الخاصة والعامة! يقابلنا بها كلما اقترب عيد من الأعياد، الأميون والمثقفون من صحفيين، ومعلمين، وأساتذة، ومهندسين، ودكاترة، وعلماء، ورجال ونساء في الحواضر وفي البوادي!

“مبروك عوايشركم”، كلما اقترب عيد الأضحى! أو عيد المولد! وكلما اقترب شهر رمضان قبل عيد الفطر بالتأكيد! وكلما تم توديع كافة الأعياد الدينية الثلاث! بحيث تطول “العوايشر” ليجري تكرارها وكأن الناس لم يعد لهم في هذا الباب -كما يقال- لا شغل ولا مشغلة! يباركون “العوايشر” قبل وأثناء وبعد الأعياد المذكورة قبله! دون أن تدرك الأغلبية الساحقة منهم مدلول العبارة التي تدور على الألسنة! إذ لو تم لهذه الأغلبية إدراك ما تعنيه منذ أزمان لدى المغاربة، لكفت عن التفوه بها في المناسبات المشار إليها للتو!

ويبدو أنه كلما نسي الناس أصل عبارة ما، أو مثل ما، أو دعاء ما -مثل صلاة الفاتح لما أغلق- كلما ابتعدوا عن الصواب وانغمسوا في الأخطاء انغماس (أبي جعران) في الزيت المسال المهمل! ولم لا في أخطاء يجري العمل بها حتى على المستوى الرسمي، في وسائل الإعلام، وعلى لسان من يفترض أنهم علماء الأمة! فلزم أن لا يستمر السكوت عن خطأ فادح لا بد من تصحيحه. وإن كان المثل المغربي يقول: “حيد عادة تعادى”!

وهذا المثل الشائع، ينطبق علينا كلما وجهنا سهامنا -ومعنا أدلتنا النقلية والعقلية- إلى بدع أصبحت لدينا شائعة، كتقديم القرابين إلى هالكين على اعتبار أنهم أولياء الله! بحيث يكون لزاما علينا أن نكرر مضطرين تهجمنا العنيف على البدع والمبتدعين! عسى التكرار يفعل مفعوله فيقوي الشكوك أو الارتيابات! هذه التي يليها الاختبار والتمحيص، وبعدها التخلي بعد التحلي والاقتناع الذي هو مجرد تقليد غاية في السوء عند نهاية التحقيق!

لنفتح “موطأ” الإمام مالك بن أنس الأصبحي المدني، لنفتحه من منطلق ادعائنا القوي بأننا على مذهبه في الجملة، لا على أصول فقهه وفروعه! ومتى فتحناه وجدنا فصلا أو مبحثا عنوانه “كتاب الاعتكاف” الذي خصص له مجموعة من الأحاديث النبوية. هذه التي نسوق بعضا منها، كي يقف المغاربة على أصل ما زالوا يرددونه “مبروك عوايشركم”! على الأقل ليعرفوه، وليصححوا ما وقعوا فيه من خطأ. حتى إذا ما هنأ بعضهم بعضا بمناسبة دينية، لم يكن صلى الله عليه وسلم يتخلى عنها إلى حين وفاته، أصبحوا مصيبين لا مخطئين!

نقول: حتى إذا ما هنأ بعضهم بعضا بالمناسبة تلك، لم يعمم، ولم يخلط، ولم يرسل الكلام على عواهنه ويطلقه، مما يعني أن التهنئة لا تقدم إلى أي كان، وإنما إلى من يستحقها من عباد الله الصالحين.

إن الحديث الأول عند مالك، يرويه مرسلا عن السيدة عائشة أم المؤمنين حيث تقول: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف، يدني إلي رأسه فأرجله (= أبلل شعره ثم أمشطه). وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان”.

ومدة الاعتكاف في شهر رمضان الأبرك بالتحديد كم هي؟

في كتاب السنن لأبي داود عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده”، اقتداء به كاقتداء الأئمة والعلماء وكافة المخلصين الصادقين به، عملا بقوله عز وجل: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة“.

وأين يكون الاعتكاف؟ في المسكن؟ أو في المسجد؟ أو في خلوة خارج هذين المكانين؟

عند أبي داود في نفس كتابه عن ابن عمر مسندا “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان. قال نافع: وقد أراني عبد الله المكان الذي يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد“.

مما يعني أن الاعتكاف يكون في المسجد، لا في المنازل والخلوات خارجهما كالمغارات أو كالكهوف! وحتى يكون عامة القراء على بينة مما رغبنا في توضيحه، نحيطهم علما بأن المعنى اللغوي للاعتكاف هو ملازمة مكان محدد كالبيت وغيره. أما المعنى الاصطلاحي له، فهو التزام مسجد ما، والانقطاع فيه للعبادة. ونرى أن المسجد -كمقتدين بسيد الناس- هو الأفضل للمكوث فيه مدة معينة.

إنما ما الذي على المسلمين فعله إن هم وجدوا المساجد في زمن من الأزمان مغلقة في وجوههم لأسباب سياسية، لا لأسباب دينية محضة؟ تساؤل عودتنا إليه بحثا عن الإجابة، نؤجله إلى نهاية المقال!

ولتأكيد المعلومات التي سقناها عن الاعتكاف موجزين -وهي معلومات موجودة في كتب السنن جميعها- نسوق الحديث رقم 694 لدى مالك في “الموطأ”، رواية يحيى بن يحيى الليثي (طبعة رابعة 1400هـ/ 1980م) هكذا:

ـ عن مالك: أنه سأل ابن شهاب  (الزهري وهو من أساتذته أو من شيوخه) عن الرجل يعتكف، هل يدخل لحاجته تحت سقف؟ فقال: نعم، لا بأس بذلك.

قال مالك: الأمر عندنا (يقصد عند أهل المدينة) الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع فيه (تصلى فيه صلاة الجمعة). ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها (بضم الياء وفتح الميم المشددة)، إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة أو يدعها. فإن كان مسجدا لا يجمع فيه الجمعة، ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه، فإني لا أرى بأسا بالاعتكاف فيه، لأن الله تبارك وتعالى قال: “وأنتم عاكفون في المساجد” فعم المساجد كلها ولم يخص شيئا منها.

قال مالك: فمن هنالك جاز له أن يعتكف في المساجد التي لا تجمع فيها الجمعة، إذا كان لا يجب عليه أن يخرج منه إلى المسجد الذي تجمع فيه الجمعة.

قال مالك: ولا يبيت المعتكف إلا في المسجد الذي اعتكف فيه، إلا أن يكون خباؤه في رحبة من رحاب المسجد. ولم أسمع أن المعتكف يضرب بناء يبيت فيه، إلا في المسجد أو رحبة من رحاب المسجد. ومما يدل على أنه لا يبيت إلا في المسجد قول عائشة: كان رسول صلى الله عليه وسلم، إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، ولا يعتكف فوق ظهر المسجد، ولا في المنار، يعني الصومعة.

وقال مالك: يدخل المعتكف المكان الذي يريد أن يعتكف فيه قبل غروب الشمس من الليلة التي يريد أن يعتكف فيها، حتى يستقبل باعتكافه أول الليلة التي يريد أن يعتكف فيها. والمعتكف مشتغل باعتكافه لا يعرض لغيره، مما يشتغل به من التجارات أو غيرها، ولا بأس بأن يأمر المعتكف بضيعته ومصلحة أهله، وأن يأمر ببيع ماله أو شيء لا يشغله في نفسه، فلا بأس بذلك إذا كان خفيفا أن يأمر بذلك من يكفيه إياه.

قال مالك: لم أسمع أحدا من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطا، وإنما الاعتكاف من الأعمال مثل الصلاة والصيام والحج، وما أشبه ذلك من الأعمال، ما كان من ذلك فريضة أو نافلة، فمن دخل في شيء من ذلك، فإنما يعمل بما مضى من السنة، وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون، لا من شرط يشترطه، ولا يبتدعه، وقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف المسلمون سنة الاعتكاف.

قال مالك: والاعتكاف والجوار سواء، والاعتكاف القروي والبدوي سواء.

ومع ذلك يستدرك مالك ويتحدث عن شرط واحد في الاعتكاف هو الصيام، فقد بلغه أن القاسم بن محمد، ونافعا مولى عبد الله بن عمر قالا: لا اعتكاف إلا بصيام، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه: “وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. ثم أتموا الصيام إلى الليل. ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد“. فإنما ذكر الله الاعتكاف مع الصيام. قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا، أنه لا اعتكاف إلا بصيام“. فنفهم من هذا الكلام أن الاعتكاف ممكن في غير رمضان، إنما بشرط الصيام. وما فهمناه آت من كونه صلى الله عليه وسلم، انصرف ذات مرة عن الاعتكاف في رمضان، ليعتكف عشرا من شهر شوال.

والحال أن الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان هو الأفضل، وهو السنة النبوية التي نجد مبررا لها في قوله صلى الله عليه وسلم: “من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر. وقد أريت في هذه الليلة، ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبحها في ماء وطين، فالتمسوها (يقصد ليلة القدر) في كل وتر”.

والحاصل أو المحصول المستخلص، هو أن الاعتكاف سنة، من شروطها الصيام، ومكانه كل المساجد، كانت صلاة الجمعة تقام بها أم لا، وأن الاعتكاف في رمضان، متقدم على الاعتكاف في بقية شهور السنة، خاصة وأن مراقبة ليلة القدر في رمضان مطلب ديني مارسه قدوتنا الذي علينا اتباعه.

وبما أن علماء الأمة تحديدا، متقدمون على غيرهم في العلم بالدين، من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وجدناهم حريصين أشد ما يكون الحرص على التمسك بالاعتكاف، تحديدا في رمضان. فقد أخبرنا القاضي عياض في كتابه القيم “ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك” عن سحنون صاحب المدونة الكبرى، وعن أصحابه الذين يتواعدون كل سنة في رمضان لقضاء العشر الأواخر في العبادة، بعيدا عن أهاليهم ببلدة تسمى: قصر زياد. فأصبح من عادة العلماء وأكابر العباد من المسلمين، أن يتبادلوا التبريك والدعاء، كلما دخلت العشر الأواخر من رمضان قيد العد، فيقول بعضهم لبعض: “بارك الله لكم العشر الأواخر”. أما الآن، وبعد قرون، تحولت العبارة الفصيحة المأثورة، إلى عبارة لكناء ملحونة جوفاء! ترددها الخاصة والعامة، كلما اقترب عيد الضحى وعيد الفطر، وعيد المولد النبوي المبتدع الذي لا يمت في الحقيقة إلى الأعياد الدينية الواجبة بأية صلة!

فليكف المغاربة إذن عن اللحون، والذهاب بعيدا في الإضلال أو في التضليل، وليبارك بعضهم بعضا بمناسبة حلول العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم. عساهم يستحضرون دلالات التبريك، فيقبلون على الاعتكاف، ولو أن مساجد الله في العقود الأخيرة، أخذت تغلق في وجوه المقبلين عليه! مخافة أن يتحول المعتكفون إلى جهاديين! كما تم الخوف -للأسف الشديد- من تحويل طلبة دور القرآن إلى إرهابيين!!!   

البريد الإلكتروني: [email protected]

ouradimohamed.wordpress.com

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M