المدونــة التي كشـفـت كل شـيء بالمغرب!!

02 أبريل 2024 11:09

هوية بريس – نبيل غزال

لايزال النقاش حول تعديل مدونة الأسرة بالمغرب يكشف عن مستجدات وأمور ربما قد لا تظهر للرأي العام بجلاء في غير هذه المحطة.

اليوم؛ يحاول البعض أن يصور أن الصراع حول هذا الورش محصور بين الحداثيين والإسلاميين، في حين أن الحقيقة بخلاف ذلك تماما، إذ الصراع يحتدم بين المجتمع بكل مكوناته وطائفة نافذة بأفكارها وقناعاتها في مجالات السياسة والإعلام والفن…

فقبل أيام وقف الوزير المثير للجدل، والذي أكاد أجزم أنه لم يمر على تاريخ المغرب وزير للعدل مثله، فقام كأنه منذر جيش، مناديا المعسكر الحداثي داخل قبة البرلمان بالنفير العام، مخاطبا إياهم بقوله “ستأتيكم مدونة الأسرة حسب التقرير الذي أحيل على جلالة الملك، وإذا لم نسرعها نحن الذين لدينا توجه حداثي واش حتى تجي شي جهة أخرى وترجعنا للوراء؟”، مضيفا “خاصنا ندوزوه دابا وبسرعة، ولا ننتظر، لأنه لا تعرف ماذا يمكن أن يكون غدا”.

طبعا معروف مقصود وهبي من قوله “ترجعنا للوراء“، فالهوية والدين والمذهب والعرف كله تخلف ووراء بالنسبة له ولأمثاله، حتى وإن كانت المرجعية التي يصدر عنها ورفاقه موغلة في الرجعية والوراء و”الخلف”، لكن ما عسانا نفعل إن كان من يتقلد مناصب المسؤولية، ومن هو منوط به أن يحافظ على وحدة هذا البلد ولحمته، ويعمل على استتباب أمنه واستقراره، يسعى لحتفه بظلفه..

ما عسانا نفعل إن كان وزير في المملكة الشريفة لم يدرك إلى اللحظة أن الأحكام والأفكار والقناعات لا تقاس بمعيار الزمن، وإنما بصوابها من خطئها..

ما عسانا نفعل مع وزير لم يدرك إلى اللحظة أن هذه الدولة قامت بالدين وتستمر وستستمر بالدين..

وقريبا من وهبي، وفي المجال السياسي دوما، فقد أصدر رفاقه بكل من حزب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بيانا مشتركا حول المدونة طالبا من خلاله بـ”منع وتجريم تزويج الطفلات دون سن 18، وإقرار المسؤولية المشتركة بين الزوجين في الولاية القانونية على الأبناء.. ومنع تعدد الزوجات، والتدبير العادل والمساواتي للممتلكات المكتسبة من قِبل الزوجين أثناء فترة الزواج، واعتماد الخبرة الجينية في إثبات النسب، وإلغاء التعصيب والسماح للورثة بالحق في الوصية، والاعتداد حصراً بعقد الزواج الموثَّق في حينه، وإلغاء التمييز على أساس الجنس أو المعتقد في الزواج، وإلغاء المادة 400 من المدونة الحالية للأسرة”.

بما يفيد إلغاء الدين بالمرة في المدونة والسماح بزواج الشواذ جنسيا والمسلمة بالكافر، وهلم جرّا..

وفي مجال حقوق الإنسان رفعت الرفيقة أمينة بوعياش مذكرة للجنة المكلفة بمراجعة المدونة، تضمنت مجموعة من المطالب المثيرة، أكتفي بذكر مفهومها للأسرة فقط، حتى يدرك المغاربة حجم الخطورة الذي يمكن أن يشكله، والذي جاء كالآتي: (الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع، وتتكون من أشخاص تجمع بينهم علاقة الزوجية أو القرابة أو الالتزام).

ما يبيح وفق الرفيقة إمكانية “العيش تحت سقف واحد” بين شخصين دون عقد زواج!! ليتأكد بذلك أن المقترحات التي تقدمت بها ما هي إلا “نسخ لصق” لقوانين غربية، تسعى لتنزيلها داخل مجتمع وبيئة مخالفة تماما، ما يطرح بقوة سؤال: هل تستشعر أمينة أنها تعيش في المغرب؛ أم تظن نفسها لازالت بالسويد، التي قضت بها سنوات كسفيرة للمملكة..؟!

وفي نفس السياق، طالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بذات المطالب التي رفعتها الأحزاب السياسية المذكورة، بل بأفظع منها بكثير، حيث صرح رئيسها عزيز غالي في ندوة صحفية أنه “لا يمكن للمرجعية الدينية أن تكون بديلا للمرجعية الكونية، مادامت لا تنسجم مع وقائع الحياة الخاصة بالعصر“، مضيفا بأن “الشريعة عقبة أمام مدونة مدنية“، نعم اعتبرها “عقبة”..

وبعيدا عن السياسة والحقوق، وإذا انتقلنا إلى الإعلام فالأمر مقرف فعلا، فالإعلام الخاص يكاد يكون حكرا عليهم، للترويج لأفكارهم، خاصة الإعلام الفرنكوفوني، أما الإعلام العمومي فلا يكاد يسوِّق، هو الآخر، سوى لرواية واحدة فقط، وهي رواية من سبق ذكرهم، أما العلماء والمفكرون والأكاديميون والمثقفون الذين يخالفون هذا التوجه، فلا تكاد ترى مرورهم بالمرة، ويكفي أن نعلم أن قامة علمية مثل د.مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي الجهوي لجهة الشرق وعضو المجلس العلمي الأعلى، صرح بأنه مقصي من الإعلام العمومي بسبب مواقفه من المدونة!!

ديكتاتورية وواقع بئيسة فعلا، لخصها بعض المواطنين وهم يلعقون على مقاطع وبرامج ومقالات لمن يسعى لتنزيل مدونة مدنية، تقطع مع الدين، بقولهم: “هادو قطّعو وخرْجو لها نيشان“..

العبارة على اختصارها تشخص المشهد ككل، وتؤكد أن هذا التيار فقد السيطرة تماما، لا من جهة التعامل مع الدين والهوية والمذهب فقط، بل من جهة احترام مؤسسة إمارة المومنين والمرجعية الوطنية والدستور وهلم جرا..

إنها فعلا: المدونة التي كشفت كل شيء بالمغرب.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M