تقرير مؤسس الوداد 1958م (ج2)

17 يوليو 2013 19:24

ذ. إدريس كرم

هوية بريس – الأربعاء 17 يوليوز 2013م

أحقا إن الفصل السادس الذي ممزق عقد الحماية، هو سبب هذه الحملة وأشياء أخرى وراءه لا نقدر على تحديدها؟ كنا نتلمسها في كتب بعض الحالمين من الفرنسيين أو الجادين منهم.

 لقد كانت مفاجأة قدوم عبد اللطيف الصبيحي إلي موفدا من المقيم العام “لوسين سان” متعهدا بإلغاء الفصل السادس سبب هذه الحملة، ومنعما علينا بحرية الصحف والاجتماع لنعبر عما نريد من إصلاح للبلاد، إني أوافق على ذلك.

لقد عاد الصبيحي بموافقتي، لنجتمع بالرباط بعد أسبوع، وها هي تمضي شهور ويأتي رسول من عضو جمعيتنا “الهاشمي الفيلالي” ومعه كتاب يفصل الأخبار الحماسية، ويقدم إلي رسالة السيد “علال الفاسي” الذي لم يسبق لي الاجتماع به من قبل، وهو في ذلك الكتاب زهدني فيما أتاني به الصبيحي، ويخبرني بعودته إلى المنفى مع ذلك.

وعندما أصبحت عضوا في “كتلة العمل الوطني” علمت أن السيد علال الفاسي، تولى تجربة الصحافة التي أنعمت بها علينا الإقامة العامة، مع السيد”ميسة” في “مجلة المغرب” -أثناء مقامنا في المنفى- فكفانا هو هذه التجربة مع الإقامة العامة.

أيها السادة: إلى هنا أستطيع أن أعبر لكم عن المعنى القائم في نفسي منذ البداية، فقد كنت أحب أن أكون مقاوما من طراز أعمق.

إنني في “كتلة العمل الوطني” لم أتخل عن “جمعية الوداد”، ولا عن جريدة “الوداد” فقد بقينا على عهدنا داخل الكتلة، وأخذنا ننفذ مشروعاتنا في الجهات التي أمكننا ذلك، فكم أسسنا من جمعيات للمحافظة على القرآن الكريم، وأسسنا من مدارس وغيرها، وكانت ” الكتلة” متعلقة بمشروعات في باريس، تنشر انتقادات على السياسة الفرنسية بالمغرب، جعلت الإقامة العامة تطالب بتحديد برنامج موضح يمكن تطبيقه.

 كنت ركزت نظريتي في نقط كان الكتاب الخياليون والواقعيون من الفرنسيين أشد اهتماما به، وهي تتلخص في صرف البربر عن التعاليم الإسلامية واللغة العربية، وحتى قراءة القرآن وما في حكمهم من الأشراف وأصحاب الزوايا، كانت الإدارة تشدد في تجولهم.

وكان دفتر “مطالب الشعب المغربي” قد فرغ من تنسيق ما فيه من نقط حررتها، وكنت من بين الذين تقررت أسماءهم لتقديمه، وفي الطبعتين باللغة العربية والفرنسية، جاء “دفتر المطالب” خاليا من النقط التي اهتممت بها، وبوضع اسم السيد”أبو بكر القادري” بدل إسمي.

حقا إن مدة اجتماعنا في “كتلة العمل الوطني” عرفتني على وجوب انقسام حركتنا السياسية إلى مقاومة سلبية، وأخرى إيجابية، وكنت مع عضوي جمعيتنا “الوداد” -داخل الكتلة- كثير التعرض لهذا المعنى.


 إنني أختار المقاومة الإيجابية، فلقد عددت مقامي ودخولي إلى “كتلة العمل الوطني” ضياعا على أمتي أمام زحمة المقاومة الشعبية التي تتململ من تحت مجالسنا الرخية.

إن تحديد المقاومة الإيجابية يبدو لي في الحصول على مشاريع نستخلصها من يد السلطة لتجهيز البلاد، وتكوينها تكوينا سريعا.

إن كل توقف نتسبب فيه يمد فينا طبيعة الخمول والانعزال من جهة، ويزيد في عمر الاستعمار من جهة أخرى، وليس قصدي أن يقضى على المقاومة السلبية، بل أريد أن تتعاون المقاومتان بقصد أو بغير قصد.

فلقد وجدت من العسير طيلة أيام” الكتلة” وأيام “الحزب الوطني” أن أكون على وفاق تام في الطريق التي سرت فيها، مع من لم أكن أعد نفسي بعيدا عنهم، بل كنت دائما أعدهم قطعة من لحمي ودمي أسعى لخيرهم، ونجاحهم مهما أمكنني.

حقا إنني نجحت  في مهمتي الإيجابية بمساعدة موقفهم السلبي، حتى كنت قادرا على النفع أكثر لو كان معي من يحتضن المشاريع، أو لو بقي الجانب المنشق عن “الكتلة” وعن “الحزب الوطني” على عهده واتفاقه معي.

لقد أدى تضافر جهودنا نحن الذين بقينا بعيدين بعد حملة 1937 إلى وضع برنامج لو لم يتعجل “ج أحمد بلافريج” بالرد عليه قبل حضور “الأمير شكيب أرسلان”، الذي تعهد لرسول جماعتنا لبلافريج المرحوم “سعيد حجي” بالشرح والبيان، لما أجملته رسالة سعيد الذي لم يتمكن من مقابلة “بلافريج” لمرضه، أقول لو لم يتعجل لربحنا اليوم عشرين سنة.

أما نجاحي الأعظم في خطتي فقد كان  إثر مغامرتي في الحرب  العالمية، فقد كنا  جميعا تعهدنا بالوقوف بجانب فرنسا وحلفائها، وعندما سقطت  فرنسا  تحت رحمة “هتلر”، كنت أعلنت على صفحات “الوداد” عدم تخلينا عن فرنسا وحلفائها، واستطاعت جريدة “الوداد” أن تكتسب كتابا ممتازين هم -اليوم- زينة عهد الاستقلال، زيادة على اضطلاعها بالإشادة بعهد جلالة محمد الخامس، وتوجيهها لوحدة الشمال الإفريقي، تحت لواء عرش جلالته.

وقد كان جلالته قدوتنا، وقدوة عموم شعبه المكافح، سواء في ساحة القتال، أو في تقديم مختلف التضحيات، في سبيل فرض ذاتيتنا المستقلة على فرنسا وعلى حلفائها، الأمر الذي جعلنا يوما فيوما، نقترب من تحقيق وضعية جديدة، توازي ما كنا نخطه من آمال للشمال الإفريقي.

 لقد كانت صلتنا تمكنت بمختلف ممثلي فرنسا في جميع أطوارها أثناء الحرب، وكنا نعد العدة لإعلان المطالبة بالاستقلال، نحن الطرفان السلبي والإيجابي على غير اتفاق، وكانت جهودي منصرفة للجانب المنشق عن “الحزب الوطني” لإقناعه بالانضمام إلينا بعد إخفاقي معه مرتين في مرحلتين سابقتين.

وكان سبب انصرافي عن الحركة السلبية الحقيقية يرجع إلى النصائح المتكررة التي أسديت إلينا، لنتجنب الجانب الذي فيه الذين أخفقوا مع “هتلر”.

وكان من الصعب علي -بعد موت سعيد- أن أجد من يستوضح لي وللحركة السلبية حقيقة الأمر، وعلاج الحالة.

وحينما فوجئنا بوثيقة حزب الاستقلال، قصدت بنفسي دار أمينه العام “بلافريج” وكان بين رفاق أذكر منهم السادات: عبد اللطيف الصبيحي، أحمد ابا احنيني، وامحمد وغيرهم، وكنت جئت لبسط الحالة كما هي عندي فلم أتمكن.

وكنت  عرفت كيف وجد الاستعمار سبيله  إلى صفوفنا، ولكني كنت بلا معين، فجعلت أحذر الإقامة العامة من الخطة الجهنمية التي تدبرها، ولكن الاستعماريين كانوا يعرفون الطريق التي تنطلي علينا فيها دسائسهم، فنحن نفخر بالدماء والاستماتة، ونريد أن يزيد شعبنا وعيا بالصمود والمجادلة، ولكن الطريق هته شاقة وطويلة، وهي التي تمد للاستعمار في أجله، إذ بعد ما  نقوى عليه ونطرده من البلاد، نعود فنستبقيه لينساب مع احتياجاتنا للفنيين، والمدربين، ورؤوس الأموال.

 واستطاع أصحابنا النصحاء، أن يقنعوا أنفسهم بالعجز التام أمام  الرأي العام الفرنسي، الذي لا يقبل أن يتعامل مع من يضربونه من الخلف، وهكذا بإلقاء القبض على السيد “بلافريج” بتهمة التعامل مع المحور، ومن طرف الحلفاء، قامت الثورة وجرت الدماء.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M