استراتيجية الإسلام (14).. الأخلاق-أخلاق الإسلام

20 أبريل 2023 15:49

هوية بريس- محمد زاوي

– الأخلاق في الإسلام

الأخلاق في الإسلام دعوة مثالية واعتبار نفسي وضرورة تاريخية، يراعيها الخطاب القرآني-النبوي جميعا، حسب سياق كل منها. تتهيأ الأنفس بتحبيب الفضائل، ويُكشَف عن خبايها بالتحليل النفسي، وتُحدِّد إطارها العام الضرورة التاريخية. جاء أكثر الخطاب القرآني متحدثا في الإطار الأول، إلا أنه لم يُغفل علاقة الظاهرة الأخلاقية بقضايا النفس والتاريخ، بل نبه إلى نفسانيتها واجتماعيتها. فكان المثال غاية لدربة فيهما، وكان الوصول إليه لا يحصل إلا بهما ومعرفة قواعدهما.

* الدعوة المثالية:

وما أكثر المثُل التي حث عليها الإسلام في صيغ مختلفة؛ منها الواضح الصريح بأحكام الأمر والنهي المفيدة لما تُحمَل عليه من وجوب أو حرمة أو ندب أو كراهة، ومنها المتضمّنة في القصص القرآني كانت خلقا للأنبياء والرسل فأنجاهم الله بها من “مكر التاريخ” (“جنود الأرض”)، ومنها التي يدعو إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بسيرته وحاله (“والتربية بالحال أفضل من التربية بالمقال”، كما يقول علال الفاسي في “مهمة علماء الإسلام”).. ما دخل من الفضائل في هذه الصيغ فهو من أمر الإسلام بها، وما لم يدخل فيها صراحة دخل فيها من باب المقاصد، فلا تخرج مقاصد الشريعة عن عدل وفضيلة.

ومن نماذج الإسلام الواضحة في الحث على فضائل الأخلاق، نذكر النصوص التالية:

يقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون” (سورة آل عمران، الآية 200). وهنا ربط للصبر والمصابرة والمرابطة بالإيمان كأساس، ثم بالفلاح كغاية. فكان الإيمان أساسا لا بد منه لتيسير سبل الصبر في حياة الأقدار والطوارئ والانفعالات الدائمة، وكان الفلاح غاية لمن قاده إيمانه إلى التحلي بخلق الصبر.

ويقول تعالى: “والموفون بعهدهم إذا عاهدوا” (سورة القرة، الآية 177)؛ فهؤلاء كالذين آمنوا بالله والملائكة والكتاب والنبيئين، وآتوا المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وصبروا في البأساء والضراء وحين البأس.. جزاؤهم جميعا أنهم صدقوا وأنهم متقون (“أولئك الذين صدقوا، وأولئك هم المتقون”).

ويقول عز وجل: “خذ العفو وآمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين” (سورة الأعراف، الآية 199). من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وجد من الابتلاء على قدر عمله، وذلك كان الأمر بالعفو والإعراض عن الجاهلين. فمن لم يعرض عن الجاهلين أرهقته مقالاتهم، ومن لم يعفُ عن المسيئين أرهقته مشاعر الحقد والكره تجاههم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة” (حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، متفق عليه). فالصدق خلق غايته الجنة، وهو ثمرة الخلق كله، فمن صدق لم تضطرب نفسه لكذب أو اتكال أو إخفاء صنيع سيء أو فجور أو خوف في حق.. ولذلك “لا يكذب المؤمن” ولو سقط في منكرات أخرى كالسرقة أو الزنا، فإذا كذب عرّض نفسه لصنوف المنكرات الأخرى، وهيأها لصنوف الرذائل ومساوئ الأخلاق.

ويقول عز وجل: “إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا” (سورة الأحزاب، الآية 72). والأمانة أمانات كل يحمل منها ما استطاع، و”لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”. ولا بد للعيش من أمانة مهما صغرت، وإلا كان ضربا من عيش البهائم، وهذه أمانتها في نفسها لا تعيها ولا تعرفها. فلما تميز عنها الإنسان ب”كرامة” العقل، تميز عنها بمعرفة الأمانة والقدرة على تقديرها وتدبير حفظها. وهكذا، فالأمانة في حفظ أسرار الناس وأغراضهم جزء من هذه الأمانة الكبرى، وهي مقياس لمدى قدرة الإنسان على تحمل الأمانة. فمن أعيته وأثقلت كاهله الأمانات الصغرى، كيف له بتحمل الكبرى؟!

* الاعتبار النفسي:

ولما كانت النفس أساسا وجدانيا وذاتيا لكل خلق وسلوك، كان اعتبارها من الحقيقة القرآنية. من زكاها أفلح، ومن دساها خاب. أحوال الناس، علاقاتهم، قيمهم وأعمالهم؛ لا يغيرها الله إذا غيروا ما بأنفسهم. فإذا ساءت نفوسهم واضطربت، فإن الله يغير نعمتهم نقمة، ويبدل أمنهم خوفا.

يقول تعالى: “ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها” (سورة الشمس، الآيات 7 و8 و9 و10).

ويقول عز وجل: “ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (سورة الأنفال، الآية 53).

وقال تعالى: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” (سورة الرعد، الآية 11).

* الضرورة التاريخية:

يقول تعالى: “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا” (سورة الإسراء، الآية 16).

المترفون ذوو سيطرة، وإذا سيطروا نشروا قيمهم وأفكارهم وأخلاقهم وفلسفاتهم وعقائدهم، وما تتحقق به مصالحهم المنكرة. فتنتج بنية “الاستغلال” أخلاقها، وهذا مصدر هلاكها. فكان هلاكها من سوء صنيعها سنة من سنن التاريخ، وكان جزاء الله أمرا مقضيا من صنف تلك السنن. لقد “حق عليها القول”، بعد أن حق عليها القانون الساري في التاريخ. فكل سيادة بباطل تحمل أسباب سقوطها في أحشائها، وكل باطل يحمل تناقضه معه في انتظار اشتداده واقتراب ولادة جديدة في التاريخ.

(يتبع)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M