التليدي: “بنموسى نجح في توحيد رجال التعليم في معركة مصيرية في الشارع”

10 يناير 2024 11:51
التليدي: تدوينة الرد على الدكتور عبد الصمد بلكبير والرميد (بخصوص بنكيران)

هوية بريس- بلال التليدي (محلل سياسي)

منذ أكثر من ثلاثة أشهر وقطاع التعليم يعيش احتقانا اجتماعيا غير مسبوق، أخرج هيئات التدريس إلى الشارع ووحد بين مطالبهم الفئوية، وأفقد القطاع الوصي وكذا حكومة أخنوش على إنتاج سياسة عمومية كفيلة برد الأساتذة إلى أقسامهم.

وزير التربية الوطنية السيد شكيب بن موسى، الرجل التكنوقراطي، الذي لم تكن له خبرة سابقة بقطاع التعليم، تصور بأن بإمكانه أن يحل مشكلة التعليم عبر إصدار مرسوم بمثابة نظام أساسي يوحد هيئات التدريس، ويحفزها لتحقيق ما أسماه بـ«مدرسة الريادة» لكنه في الواقع، نجح في أن يوحد فئات القطاع في معركة مصيرية في الشارع، أفرغت المؤسسات التعليمية بالكامل من كل فعل تربوي، فلم تنجح النقابات لا الأكثر تمثيلية ولا الأقل تمثيلية، في أن تقنع الأساتذة بالرجوع إلى القسم، فأنتجت الحكومة مع شركائها الاجتماعيين عددا من الاتفاقات، بما في ذلك اتفاقا 10 ديسمبر/كانون الثاني و26 ديسمبر/كانون الثاني اللذين قدما عرضا ماليا مغريا، لكن دون النجاح في استعادة ثقة الأطر التربوية، وبالتالي امتصاص الاحتقان التعليمي الذي لا يزال إلى الآن ينتظر صدور مرسوم جديد يكشف جدية الحكومة في عروضها السابقة.

تقييم مضمون هذه الاتفاقات يبين بالملموس، بأنه لم يتبق شيء من المرسوم السابق للسيد الوزير، بما في ذلك مشروع «المؤسسة المندمج» أو ما يسمى بـ«مدرسة الريادة» وأنه نجح فقط في أن يعود إلى ما قبل 6 أكتوبر، أي إلى وضعية ما قبل صدور المرسوم الذي يصفه الأساتذة بـ«المشؤوم» وأن الحكومة، أدت ثمنا باهظا مقابل عودة الأساتذة إلى الأقسام يتجاوز 20 مليار درهم، مع سحب المرسوم السابق.

البعض يتساءل عن سبب عدم إقالة وزير التربية الوطنية التي تسبب في هذا الاحتقان الذي لم يعرف المغرب مثيلا له لا من حيث الدرجة ولا من حيث الامتداد الزمني، لاسيما وأن إقالته كانت ستوفر مساحة أكبر من الزمن، وتضمن خيارات أخرى لإقناع الأساتذة بالعودة إلى أقسامهم، لكن، ثمة جوانب أخرى، تعقد مثل هذا الاختيار، فالرجل، كان يشغل مهمة رئيس اللجنة التي كلفها الملك بصياغة النموذج التنموي، وأن إقالته، تعني في أبسط معانيها فشل مشروع برمته، ما دام عمق هذا المشروع (التربية والتعليم) تعرض لأكبر نكسة في تاريخه مع هذا الوزير.

في الواقع، ثمة كلفة أكبر من كلفة تحمل استمرار وزير، وبالتالي إنقاذ سمعة «نموذج تنموي» فالقطاعات الأخرى، التي كانت تراقب عن كثب دينامية الحراك الاجتماعي الذي يشكله الأساتذة، التقطت الرسالة بشكل جيد، فتحقيق المطالب في شقها المادي والمهني والاعتباري، يتطلب وجود كتلة صلبة، مستعدة للتضحية بكل شيء، ولا تأبه بتعطيل الخدمات الحيوية في البلاد من أجل تحقيق المطالب، بل ويتطلب إبعاد النقابات عن الوساطة، واتخاذ آلية «التنسيقيات» وسيلة للضغط، فالنقابات، كما بينت تجربة الاحتقان التعليمي، تملك التمثيل المؤسساتي، لكنها لا تملك التمثيل على الميدان، وسقفها النضالي، إصلاحي، يتيح هوامش كبيرة للحكومة، ويبدد قوة كبيرة في الضغط عليها لتحقيق مكاسب للشغيلة، ثم إن تجربة الاحتقان التعليمي، أثبت لكل هذه القطاعات، أن حجة «إكراهات الميزانية» سقطت، وأن الحكومة في سبيل عودة الخدمات الحيوية، تعبئ موارد مالية مهمة كما فعلت مع الأساتذة عندما عبأت أكثر من 20 مليار درهم لإقناعهم بالرجوع إلى اقسامهم، ولا يزالون يفاوضون من أجل رفع المبلغ، حتى يتم تحقيق بعض المطالب الفئوية التي لم تنصف بعد.

وزيرة المالية كانت بصدد إخراج مرسوم جديد بمثابة نظام أساسي لأطر الوزارة، لكنه بفعل من الحراك التعليمي، أخرت هذه الخطوة حتى لا تثير حفيظة الأساتذة، بحكم العطاء السخي الذي يوجه في العادة لهذا القطاع، وقطاع الصحة تحرك مباشرة بعد اتفاق 26 ديسمبر/كانون الثاني الموجه للأساتذة، ليدخل في حوار اجتماعي، بهدف تحقيق مطالب قدرتها مصالح المالية بما يصل إلى 23 ميار درهم، وبعده قطاع الفلاحة والصيد البحري، بدأ تسخيناته من أجل رفع سقف مطالبه في الحوار الاجتماعي أيضا، لنيل حصته من سخاء الحكومة.

بعض المصالح في وزارة المالية، وتحديدا في وزارة الميزانية، بدأت تتخوف من أن يتناسل الحوار الاجتماعي على هذه الشاكلة، وتكون الحكومة مضطرة بفعل الرغبة في مواجهة الضغط إلى إبرام اتفاقات اجتماعية جديدة بمبالغ مالية جد ضخمة، قد تتجاوز في مجموعها 100 مليار درهم لتلبية مطالب كل القطاعات، وهو رقم مخيف، يصعب الوفاء به دون لجوء للاقتراض الخارجي.

المعطيات المالية الخاصة بالميزانية، وكذا المعطيات المتعلقة بالإمكانات الاقتصادية للدولة، تشير إلى أن الحوار الاجتماعي بالشكل الحالي، يسير في الاتجاه المعاكس تماما لتوازنات الدولة الماكرواقتصادية، بل ويتجاوز حتى العائدات الطموحة التي يتم في العادة ربطها بالفرص الاقتصادية التي أتيحت للمغرب، وأن الحكومة الحالية، أضحت مسكونة بفكرة إسكات الاحتقان، أكثر من فكرة تأمين التوازن المالي والاقتصادي للبلاد، وأنها بسبب ضعف تقديرها للمسألة الاجتماعية، تباطأت كثيرا، ولم تتبن أي رؤية استباقية، توفر عرضا شاملا، يعبئ الحد الأدنى المقدور عليه، قبل أن تفاجأ الحكومة بهبة اجتماعية شاملة لا تستطيع وقفها.

الاستشراف المبني على المعطيات الجارية، وتحديدا الشكل الذي يتم به الحوار الاجتماعي، يفيد بأن الحكومة في سبيل تأمين استمرارها وإسكات الاحتقان الذي يحسب مشروعيتها، ستدفع في اتجاه توسيع المديونية، وتوريط الميزانية في عجز مالي ضخم، يرهنها بالكامل، بما يستدعي تقريبا نفس الشروط التي سبقت أزمة المغرب الاقتصادية والمالية قبيل 2011، والتي دفعت الحكم في البلاد بإيعاز من الحراك الإقليمي إلى الرهان على حكومة سياسية، وحزب سياسي، متجذر من رحم الشعب، لتحقيق العافية المالية والاقتصادية والاستقرار السياسي في البلاد.

المشكلة، أن ثمة فوارق كبيرة ما بين ما قبل 2011 وما بعد حكومة أخنوش، أولها أن حزب العدالة والتنمية سنة 2011 كان جاهزا للقيام بهذه المهمة، وكان يتمتع بالمشروعية الكافية للنجاح، لكن اليوم، تبقى هذه المهمة محاطة بكثير من الشكوك، بسبب الأزمة التي لم يخرج العدالة والتنمية منها بعد، وبسبب عدم وجود حزب وطني ذي مشروعية يمكن أن يقوم بدوره لتجسير مرحلة ما بعد الربيع العربي. والثاني، أن المغرب اليوم، يعيش انهيارا كاملا لنظم الوساطة، سواء في شكلها السياسي (الأحزاب) أو الاجتماعي (النقابات) أو حتى المدني (الحقوقي والإعلامي) في حين تتطلب مهمة استعادة العافية للاقتصاد والمالية حدا أدنى من هذه الوساطة.

وأما الأمر الثالث، وهو أمر «العدالة والتنمية» نفسه، لن يكون معنيا لهذه المهمة إلا بشروط أخرى، لأن تجربة «البلوكاج الحكومي» وإعفاء رئيس الحكومة المعين عبد الإله بن كيران (2017) فضلا عن تجربة إزاحته بطريقة مذلة في انتخابات 2021، أضحت تشكل مخيالا أساسيا، ينظر الحزب من خلاله إلى أدواره المستقبلية، ويحدد من خلاله أيضا أولوياته وخياراته وشكل تعاطيه مع الحكم.

(المصدر: القدس العربي)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M