التمويل التعاوني ودوره في التمكين الاقتصادي

30 أغسطس 2021 19:11

هوية بريس – خديجة بوخبزة (باحثة في الاقتصاد الاجتماعي)

ما هو التمويل التعاوني؟

التمويل التعاوني هو الاسم الذي اختاره المشرع المغربي لما يسمى بCrowdfunding وهو ما يمكن ترجمته حرفيا إلى التمويل الجماهيري، ويسمى في معظم الدول العربية بالتمويل التشاركي أو التمويل الجماعي، وقد تجنب المغرب إطلاق اسم التمويل التشاركي لكيلا يحدث خلط مع التمويلات التشاركية (التمويلات الإسلامية).

يقوم التمويل التعاوني على مبدأ جمع مبالغ بسيطة من عدد كبير من الناس (الجمهور) لتمويل مشاريع تنموية، أو مشاريع  مبتكرة، أو حملات إنسانية. وهو آلية تمويل سريعة باستخدام المواقع الاكترونية لفائدة حاملي المشاريع بدون بيروقراطية وعراقيل، سواء كانت مشاريع لأشخاص ذاتيين أو مقاولات ناشئة، أو مقاولات صغيرة ومتنهاية في الصغر أو مؤسسات غير ربحية. الفكرة ببساطة تقوم على أنك كصاحب مشروع لتجمع على سبيل المثال مبلغ 10000 درهم لمشروع معين، من السهل أن تجمع 100 درهم من مائة شخص، بدل أن تجد شخصا واحدا يعطيك 10000 درهم كلها. كما أن هذا النوع من التمويل يتم تطبيقه بشكل عفوي في مجتمعنا منذ القديم، حيث يدعم الأهل والأصدقاء صاحب المشروع.

برز هذا النوع من التمويل بهذا الشكل المنظم والمرقمن في السنوات الأخيرة وخصوصا بعد أعقاب الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، لكنه في الحقيقة كان موجودا قبل ذلك بكثير، حيث أن تمثال الحرية في نيويورك تم تمويل بناءه سنة 1875 عن طريق جمع تبرعات صغيرة من أعداد كبيرة من الناس، حيث قدر عدد المتبرعين ب100000 شخص. كما أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما مول حملته الانتخابية سنة 2008، عن طريق جمع التبرعات بالأنترنت.

منصات التمويل التعاوني

توجد أربعة أشكال أساسية في التمويل التعاوني وهي إما تبرع يقدمه الشخص لفائدة مشروع إنساني مقتنع به أو تبرع مقابل مكافأة رمزية، أو استشمار عن طريق الأسهم، أو إقراض النظراء بفائدة أو بدون فائدة. وتلعب المنصة الالكرتونية دور الوسيط الذي يجمع بين أصحاب المشاريع و المستثمرين أو المتبرعين الذين يختارون المشروع الذي يلبي توقعاتهم.

وما يعزز من بروز ظاهرة التمويل التعاوني حاليا هو استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، حيث تلعب دورا أساسيا في انتشار ونجاح هذه الحملات. وتجدر الإشارة أن المساهمين في حملات التمويل التعاوني سواء كانت استثمارية أو خيرية، ليس بالضرورة أن تكون لهم علاقة مباشرة بصاحب المشروع، ولكن جاذبية وسمعة المشروع تبنى من خلال جماعة أولى دعمت المشروع وساهمت في نشره إلى دائرة أوسع (أصدقاء، ثم أصدقاء الأصدقاء ثم العموم).

يفوق عدد منصات التمويل الجماهيري العالمية 400 منصة، ويرتكز أغلبها في الولايات المتحدة الأمريكية والصين، لكن تبقى kiva, Kickstarter, Indiegogo، GoFundMe من أشهر المنصات. ولا يقتصر دور هذه المنصات على الوساطة في الحصول على التمويل فقط مقابل عمولات تترواح بين 5% و %15 وإنما تقدم أيضا توجيهات وخدمات  مهمة في التسويق الرقمي لنجاح المشروع.

في المغرب، بدأت منصات التمويل التعاوني منذ سنة 2014، لكنها تشتغل مع الجمعيات ذات النفع العام فقط، وهي جمعيات معدودة على رؤوس الأصابع. كما أن هذه المنصات كانت تابعة لشركات تم تأسيسها في فرنسا، بحكم غياب قانون ينظم عمل هذا النوع من التمويل في بلادنا. لكن، في فبراير2021، تم صدور قانون 18-15 الخاص بالتمويل التعاوني. وبصدور هذا القانون، سيفتح المجال لتأسيس منصات للتمويل التعاوني عن طريق شركات خاصة لهذا الغرض لا يقل رأسمالها عن 300000 درهم، تأخذ ترخيصها من بنك المغرب في حالة تخصص المنصة في القروض والتبرعات. أو من الهيئة المغربية للاستثمار في حالة تخصص المنصة في الاستثمار.

التمويل التعاوني وأهداف التنمية المستدامة

التمويل التعاوني بصفته وسيلة مبتكرة تسهل وصول رؤوس الأموال إلى أصحاب المشاريع الصغيرة، بغض النظر عن مستواهم المعيشي، من شأنه أن يساهم في التمكين الاقتصادي للفئات الهشة في مجتمعنا. ولا يتحقق التمكين الاقتصادي الشامل إلا بتطوير قدرات هذه الفئات إلى جانب توفير التمويل اللازم لتمويل المشاريع المنتجة والمبتكرة. وقد أثبتت التجربة في دول مختلفة، أن تمكين أصحاب المشاريع المنتجة من هذا النوع من التمويل يؤدي إلى اندماجهم في محيطهم الاجتماعي والاقتصادي، حيث يتم الانتقال من مقاربة الإغاثة والمساعدة إلى مقاربة الدعم والتنمية. ويعول على التمويل التعاوني مساهمته في ملئ فجوة التمويل المقدرة عالميا ب 2,5 ترليون دولار لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 17، التي أطلقها المجتمع الدولي منذ 2015 وجعل 2030 كحيز زمني لبلوغها.

رغم التحديات التي يمكن أن يواجهها التمويل التعاوني وهو في بداية نشأته في بلادنا والمتمثلة خصوصا في قلة تعامل المغاربة مع طرق الدفع الالكترونية، إلا أنه مع انتشار استخدام الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي يوفر آفاقا واعدة وتغييرا جذريا في كيفية تمويل المشاريع حيث سيقل الاعتماد على الأبناك والمؤسسات المالية، لصالح الاعتماد على الإمكانيات المجتمعية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M