الصحراء المغربية الهوية والسياسة قراءة في “معلمة الصحراء” 

25 فبراير 2022 11:03

هوية بريس – قراءة وانتقاء وتعليق طارق الحمودي

أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عام 1976 م “”معلمة الصحراء“، وهو جزء من “الموسوعة المغربية للأعلام البشرية والحضارية“، بقلم الأستاذ عبد العزيز بنعبد الله رحمه، وهو جزء ممتاز، طالعته، وقيدت منه فوائد كثيرة، وقد اعتمد على مراجع مغربية وأجنبية كثيرة جدا، فأغنى الجزء بالمعلومات المهمة والغريبة، وقد أحببت أن يكون لي مشاركة أخرى في ما تمر به البلاد في أزمتها، وهي مشاركة توعية وتنبيه فقط، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وقد لاحظت أن الكتاب مركب من مكونات مختلفة، منها المكون الطبيعي والسياسي، والاجتماعي والتاريخي، والجغرافي والفكري، وسأختار “قطعا” منتقاة، من كل هذه المكونات، ولن أجعل لعرضي ترتيبا خاصا، وهذا الجزء الأول من المقال إن شاء الله.

من المكون الفكري والتاريخي

أنبياء المغرب

من أعجب العجب في هذا المكون، هو النص على وجود قبور ثلاثة أنبياء في المغرب، قبر دانييل ببلاد “تكمت“، وقبر سيدي ولكناس، برأس جبل بين “تزغت“، و”وادي إسافن“، و”شناول“، ببلاد “تمدلت” ناحية الصحراء، وقيل أنهم هربوا من “بَخْتْنَصَّر” في العراق، إلى ناحية “رباط ماسة[1]. ومثل هذا، الأصل فيه الرد، فلا يشتغل به.

الصحابة في المغرب 

ومما يلحق بهذا أن بعض المؤرخين المغاربة والعلماء يزعمون ان سبعة من المغاربة خرجوا إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم،فلقوه،ثم عادوا إلى المغرب، وبه دفنوا، وهم المشهورون بـ”رجال ركراكة السبعة[2]. وهذه أيضا مما ليس له دليل موثوق به، فهي “زعم تاريخي” إلى أن يثبت العكس، وهيهات.

دولة يهودية في الصحراء

ذكر الرحالة المغربي “أحمد بن هاشم” في رحلته إلى توات، أن اليهود حكموا الواحات الصحراوية وبنوا دولة تواتية عام 260 هـ زمن الأدارسة، وشكك عبد العزيز بنعبد الله في ذلك، مع التنبيه على أن بعض المؤرخين اليهود ذكر أنهم أقاموا أول دولة لهم بالريف المغربي[3].

قلت: وهناك إمارة يهودية أخرى ثبت قيامها في زمن العلويين في الجهة الشرقية جهة “تازة“، وأسقطتها يد الدولة العلوية حينها كما في مجلة دعوة الحق في مقال للأستاذ عبد الهادي التازي رحمه الله.

من مكر الاحتلال “دعوى غيب”!

من طرائف الأخبار، أنه في عام 1905 م، أظهر أحد أعوان المستعمر الفرنسي “جفرية” أي كتاب تنبؤات ودعوى غيبيات، فيه إشارة إلى أن عدد ملوك المغرب لن يتجاوز سبعة ملوك أو ستة، في إشارة إلى مشروعية الاستعمار الفرنسي، وأنه قضاء محتوم وبلاء مكتوب يجب الإذعان له والقبول به[4].وهذه خرافة كيدية ماكرة، لم تفلح، لأن سيف المقاومة قطع أوراقها، وماء الوطنية مَحا مِدادها.

المدارس الإسلامية في الصحراء     

من أهم ما ميز الصحراء المغربية، أنها كانت أرضا للمدارس العلمية الإسلامية، وكانت ترصد لها الأوقاف باعتبارها “أساسا” من “أسس” الحضور الثقافي والاجتماعي والسياسي للعلم والمعرفة عند الصحروايين المغاربة، وفي “المعسول” للشيخ محمد المختار السوسي توثيق لتاريخ التعليم الإسلامي في الصحراء المغربية[5]، كانت “المدارس العلمية الإسلامية” أساسا للفتح الإسلامي، بدءا من عهد الخليقة عمر بن عبد العزيز، وكانت تقوم بدور البناء الثقافي وصناعة الإنسان المسلم، والذب عن ثوابت الأمة الإسلامية وكان لهذه المدارس العلمية الصحراوية اليد البيضاء على الصحراء بل على المغرب كله، فقد كانت جزءا من “النظام التعليمي المغربي“، وكانت صلات الوصل بينها وبين مدارس المناطق الشمالية والشرقية والغربي والوسطى في المغرب صلات عروق دم بين أعضاء الجسد الواحد.

اللغة العربية في الصحراء    

تعد اللغة العربية جزءا من مقومات الثقافة الصحراوية المغربية، بل إن “الحسانية” فرع محلي عنها، ودخولها المغرب وصحرائه كان مصاحبا للفتح في كل مراحله، وهي مكون لنظام التعليم السابق الذكر، وقد كانت “الأمازيغة” أو “البربرية” تكتب بحروف عربية لفائق قدرتها على صناعة اللفظ من المعنى، وقد استوطن المغرب وصحراء قائل عربية كثيرة، وألف فيه ذلك “رفع الحجاب الأقصى، عن بعض عرب المغرب الأقصى” للكبير بن هاشم الكتاني[6].

الفرس الإيرانيون في الصحراء

من أعجب ما وقفت عليه في الكتاب مما يتعلق بتاريخ المغرب الفكري والثقافي، خاصة بلاد سوس، أن “العرق الفارسي الإيراني“، جزء من المكون البشري “الإثنوغرافي” لمنطقة سوس “العالمة“، وقد أشار بعض المؤرخين الغربيين إلى دخول “الفرس الإيرانيين” أرض الصحراء وبلاد سوس، في عصر يوغرطة ملك نوميديا، في عام 154 قبل الميلاد، وأن مجموعات فارسية تصاهرت مع السكان، واختلطت أنسابهم بهم اختلاطا طبيعيا وشرعيا، وقيل إن “سوس” من “سوسانة” بالأهواز الإيرانية، بل واستقرت بعض الجاليات الفارسية لفاس زمن المولى إدريس.

قلت: إن اختلاط الأعراق في المغرب أمر لافت للنظر، وهو اختلاط زان الثقافة المغربية، وأعطاها قوة وانسيابية في وقت واحد، وجمع كل هؤلاء الإسلام، فشد المجموع بحبل أقوى وأمتن، ففي المغرب أصول عربية وأمازيغية بربرية، وفايكينغية ووندالية، ورومانية وفارسية، وعبرانية وسودانية، ولا زلت الدماء المغربية تتشرب دماء جديدة لعناصر جديدة.

من المكون الاقتصادي

ثروات الصحراء      

تفضل الله تعالى على الصحراء المغربية بنعم كثيرة جدا، فقد جعل الله تحت رمالها – بأسباب جيولوجية وطبيعية – ثروات معدنية هائلة، ولم يكن من الممكن “رصد” كثير من ذلك، لأنها ثروات باطنية تحتاج إلى تنقيب وبحث، ولذلك يتأخر موعد “الوقوف” عليها إلى أزمنة يسهل فيها التنقيب والحفر، ومن الثورات الطبيعية الصحراوية الظاهرة، [7]الذهب، وملح من أجود أنواع الملح، والكبريت والكحل وغير ذلك[8]، وقد كانت إسبانيا أيام احتلالها للصحراء المغربية قد بدأت في التنقيب عن البترول في عام 1970 م، وكان يباشر ذلك شركة تنقيب متعاقد منها، وبلغت مساحة البحث نحو مليون وستمائة ألف هكتار، واستمر التنقيب لمدة عامين[9]، ومما أفلح الاحتلال الإسباني في “نهبه“، فوسفاط “بوكراع“، وكان ذلك بالتعاون مع شركات أمريكية وألمانية،وقد استطاع المغرب أن “يسترد” حقه في ثروته، لعدم قبوله باستغلال خيرات أرضه[10].

وهذه من الشواهد العملية على مقاصد “السرقة” و”نهب الثورة” التي كانت تقوم عليها سياسة الاحتلال الإسباني والفرنسي معا، وهو ما ينبغي استحضاره دائما، المحتل يسعى دائما إلى “نهب الثروة“، و”محو الهوية“، فإن “نجح في الأولى“، يجب أن “لا ينجح في الثانية“.

أطماع الاحتلال الأوروبي في الصحراء     

كان المغرب إلى حدود عام 1825 من أغنى الدول الأفريقية في صناعة “الصوف“، وكانت تمتلك وفق بعض الإحصاءات الغربية نحو 48 مليون رأس غنم، وبسبب القحط، اتجه المغرب إلى فتح مسالك تجارية بينه وبين الدول الأوروبية مثل فرنسا وإسبانيا وبلجيكا والنرويج والسويد، وكان المغرب في حدود عام 1839 قد وقع جملة من التعاقدات التجارية مع هذه الدول، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في تأسيس مركز تجاري بجنوب المغرب، ثم كانت معركة إيسلي، وحرب تطوان[11]، وبانت المقاصد الحقيقية للأطماع الأوروبية في المغرب وصحرائه.

من المكون الطبيعي

الفيل الأطلسي

اشتهر المغرب بأسده الأطلسي، وقد كان لحلبات الصراع الرومانية في ليبيا وروما وغيرها الأثر الكبير في ما آل إليه أمر هذا النوع النادر، وقد كنت رأيت فردا منه بإحدى الحدائق الوطنية، لكن الطريف أنه كان في المغرب نوع من الأفيال أيضا، يصح تسميته “الفيل الصحراوي“، أو “الفيل الأفريقي” وقد كان هذا النوع يعيش في قطعان حرة بجبال الأطلس، ووجدت هياكل عظمية وأسنان لهذا الفيل، وسمي علميا باسم “Elephas Africanus”، وقد ذكر حانون في رحلته مشاهدته لفيلة أفريقية بسواحل المغرب الأطلسية بين آسفي والجديدة، ووجدت نقوش لهذه الفيلة في الأطلس الصحراوي، وهذا من العصور الغامضة في المغرب[12].

يتبع…

[1] معلمة الصحراء ص44

[2] 107

[3] ص107

[4] ص79

[5] 190

[6] ص149و150

[7] ص105

[8] ص76.

[9] ص52

[10] ص162و163.

[11] ص46و47

[12] ص163.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M