اطلعت على مقالين على بعض المواقع الإعلامية لرسام الكاريكاتير المغربي العربي الصبان الذي ختم المقالين بوصفه عقيدة المغاربة المسلمينفي علامات الساعة، وفتنة القبر، ومعجزات الأنبياء، وخروج يأجوج ومأجوج، ومنكر ونكير، وخروج المهدي، والمسيح الدجال، بأنها “تخاريف الدجل الوهمي الكئيب المغرق في ظلام ميتافيزيقيا دامس“.
تكلم فيهما عن موقفه الشخصي الضعيف من فتاوى بعض أهل العلم بطريق الاستهزاء والتنقيص والسخرية قديما وحديثا، وبعد الكشف عن المقالين ظهر لي أنهما مريضان بسرطان الوسائط… وهو مرض يفسد المقالات ويسقطها… وقد ظهرت عليهما أعراضه، وظهر أصله في الكاشف العلمي.
اعتمد الصبان في المقالين على الوسائط لا الأصول والمصادر الأصلية، وهذا كاف في تعريض المقالين للمساءلة العلمية ووضعهما تحت نظر التشكيك المنهجي، فتجده إذا نقل أحال على الوسائط بقوله “كما حكى ذلك فلان… على حد ما جاء في كتاب فلان… كما يذكر ذلك كتاب كذا“.
وهذا دليل على أنه نوعية رديئة من المثقفين المغاربة الذين يبنون فكرهم بالقش في يوم عاصف، وقد أوقعه هذا في الكذب أيضا، فـ”كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع“، فقد أحال نصا في العهد القديم إحالة فاسدة وناقصة، ونسب إلى الشيخ ابن باز كتابا لم يؤلفه، وزعم أنه كفر من يعتقد دوران الأرض وهو كذب عليه، ونسب إلى ابن رشد كلاما لم يقله، وعرض فتاوى استهجنها خارجة عن سياقها التاريخي مفصولة عن عللها الحقيقية، ونسب إلى ابن الزبير قوله في ابن عباس إنه كان “يفتي في القملة والنملة“، وهي رواية غير صحيحة، رواها البلاذري في الأنساب بإسناد فيه رواة متهمون ومجهولون ومبهمات، ومن ذلك أنه جعل ابن عباس رضي الله عنه تلميذا لكعب الأحبار وهذه كارثة، وزعم أن علماء المسلمين أخذوا تحريم رسم ذوات الأرواح من اليهود الذين أسلموا وهذه مصيبة، فما أخذ العلماء ذلك إلا من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الكثيرة والصحيحة.
هذه نتيجة من لا يشمر عن ساعد الجد ويرجع إلى تحصيل المعلومة من مصادرها الأصلية مستعملا التركيز والصبر مع استنزاف وقت كثير وجهد ظاهر لأجل استخلاصها من مظانها دون تشويهها، وبدونها سيكون ما يفعله المثقف ركونا إلى الخمول والكسل المفضيين إلى ضعف المعلومة وفساد الفهم، ومثل هؤلاء يضيعون وقتهم في كتابة المقالات ذات النكهة العلمية النقدية، ويضيعون أوقات الناس في قراءتها.
لم يقف الصبان عند هذا، بل تجاوزه إلى اتهام علماء المسلمين بتحريم إعمال العقل وأنهم كانوا السبب في تأخر المسلمين، وهذا مرض قديم، فيبدو أن الصبان كان محكوما في كتابته بنفسية مريضة، وبأيديولوجية موجهة، حاله كحال كثيرين مثله، نسأل الله لي وله المراجعة الصادقة لنفسه ومواقفه، كما أنصحه أن يراجع دائما المصادر ويستوثق لنفسه قبل غيره، وأن يضع النقل مع سياقه بالطرق المعروفة عند الباحثين.
وبالمناسبة، ما ينشره الصبان من كاريكاتير انعكاس لنفسية مريضة تحتاج إلى معالجة جادة، وليس تعبيرا عن فكر حر وسليم، بله أن تكون وكالة عن العقل الجمعي للشعب المغربي، لأنها أولا مليئة بالكذب والتشويه الذي حرمه أرسطو على رسامي الكاريكاتير في كتابه “La Poétique” وفق ترجمة “Ch-Émile Ruelle”، وثانيا لأن طبيعة الرسومات تعكس غالبا الطريقة التي ينظر بها رسام الكاريكاتير إلى نفسه، والحمد لله رب العلمين.
وفقك الله لتبيان أكاذيب العلمانيين الضلاليين