العلمانية في المغرب والأندلس

04 يوليو 2016 19:22
إزالة الغراء الارتزاقي.. بين التفكير السلفي والتكفير الداعشي!

ذ. طارق الحمودي

هوية بريس – الإثنين 04 يوليوز 2016

كان البدء في الأندلس، حينما دخل الفاتحون المسلمون إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، واستقروا فيها بفضل من الله تعالى ومنة، فأقاموا فيها ولاية أموية تابعة لدمشق، فلما ظهر بنو العباس على الأمويين، ونقلوا عاصتهم إلى بغداد، كان عبد الرحمن الداخل أحد الناجين من المجازر العباسية يدخل الأندلس ويقيم دولة أموية جديدة مستقلة عاصمتها قرطبة.

لم تكن الأندلس فراغا من الفكر والثقافة، فقد استوطنها اليونان قديما وكان لهم فيها بيت حكمة، وأقاموا على أرضها ثقافة وثنية صابئية تمجد الكواكب وتتخذ لها التماثيل والمعابد، إلى أن اندثرت دولة اليونان فيها، وقامت الإمبراطورية الرومانية على انقاضها، وسلكت نفس مسلكها، ثم سقطت الإمبراطورية، ودخل القوط الغربيون إلى الأندلس، ثم دخلت النصرانية وانتشرت، وبقيت لليونان والرومان آثار منحوتة منتشرة على أرضها شمالا وجنوبا، وآثارا مكتوبة تولى الحفاظ عليها جملة من الرهبان النصارى مثل إيزيدورس الإشبيلي.

ثم وقعت أيدي المسلمين على طائفة مهمة منها، احتوت على ما يسميه المؤرخون بعلوم الاوائل، والتي كانت خليطا من العلوم البحتة المشوبة بالعقائد الوثنية والصابئية، مع كتب الفلاسفة العلمانية لجملة من كبار فلاسفة اليونان كإمبذوقليدس الباطني ذي النزعة الأورفية، وفيثاغورس الصابئي وأفلاطون الصوفي كما يصفه ابن خلدون وأرسطو في آخرين، ثم ما ادخله الحكم الأموي مستجلبا من المشرق مما ترجم إلى العربية، وكان مالكوها يتقون المتابعة بسترها، وقد انتبه علماء المسلمين وحراس الشريعة في الأندلس خاصة لما تحتويه هذه الكتب من معارضة صريحة للعقيدة الإسلامية وشريعتها، فقاموا في وجهها، وتتبعوها، وصدر الحكم السياسي بإحراقها والمنع من تداولها، فقامت أسواق الحرق والمتابعة زمن المنصور بن أبي عامر، واستبقى منها كتب العلوم النافعة في الطب والحساب والفلك النقية، وأعدمت كتب علوم النجوم القائمة على قراءة الغيب فيها أو الاعتقاد في تأثيرها وتدبيرها للكون باعتبارها نفوسا.

بخلاف المشرق، كان للفلسفة المغربية خصائص ميزتها عن الفلسفة المشرقية، وإن كانت تأثرت بها ووافقتها في بعض مباحثها ومعارفها ونظرياتها، وكان من ذلك الجنوح الظاهر إلى العلمانية المعرفية، على رأسهم ابن باجة الذي عد الجابري خطابه خطابا علمانيا، بفصل الدين عن السياسة المدنية والأخلاق الذين يعدان من أركان الفلسفة.

ويليه في الشهرة ابن رشد الحفيد، الذي تولى الانتصار لأرسطو وتمجيده، فلم يكن يرى ابن رشد أحدا أفضل من أرسطو، وقال فيه: «سبحان الذي خصه بالكمال الإنساني ..القوة الإلهية التي وجدت فيه» ولم ير له ما يستحق الانتقاد، فقد كان أرسطو عنده كاملا، فـ«ليس في أقاويل أرسطو شيء يحتاج إلى تتميم كما زعم أبو بكر ابن الصائغ، نعم فيها أشياء كثيرة لم يفهمها هو ولا نحن بعده…»، بل كان أرسطو بالنسبة لابن رشد متكأه للنظر إلى الفكر الحديث على حد قول الجابري.

لقد صار ابن رشد بعد هذا كهف العلمانيين في العالم الإسلامي شرقا وغربا، فمن الجابري في كتاباته، وتمجيده لابن رشد، أي للفكر اليوناني، إلى عاطف العراقي الذي كان يصرح بلا استبطان أنه لا يمكننا أخذ زمام الأمر إلا بالرجوع إلى ابن رشد.. لأنه يملك الحلول لكثير من مشاكلنا الفكرية، كل هذا يشعرك أن العلمانيين اليوم لهم سلفهم القديم، على الأقل في ابن رشد الذي أرادوا أن يجعلوا منه أمة وحده، في مقابل أمة الإسلام وعلمائها، وأما القصد من كل ذلك فيلخصه عاطف العراقي أحد كبار المتخصصين في ابن رشد بقوله: «إن هذه الدعوة من جانب فيلسوفنا العملاق تعد دعوة تنويرية في المقام الأول، وتكشف عن أغاليط وأكاذيب دعاة السلفية والأصولية»، أو كما قال الجابري: «نضال سياسي اجتماعي ثقافي ضد الحصار السني للدولة».

 واضح إذن أن بني علمان يضطرون للحفر الأركيولوجي في تراثنا القديم، ليبحثوا عن أصول لهم يرجعون إليها، فإن كان محمد أركون سعى لتوظيف الفكر الاعتزالي لانتقاد القرآن الكريم، فها هو الجابري وعاطف وغيرهما يسعون إلى الوقوف في وجه التراث الإسلامي الخالص باستحضار الماضي، والدعوة إلى أن نكون مثل ابن رشد الذي قال فيه عاطف العراقي: «فيلسوف عربي بروح غربية»، فهو إذن تراث غربي في معارضة تراث إسلامي، هذه هي العلمانية البارحة.. والعلمانية اليوم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M