المغرب.. قبلة صائدي الكنوز النيزكية

02 مايو 2024 09:18
المغرب أحرز تقدما كبيرا في مجال البحث العلمي حول النيازك

هوية بريس-متابعات

قد تمطر السماء نيازك تفوق قيمتها أحيانا قيمة الذهب، وهذا يمكن أن يحدث في كل مناطق العالم، لكن العلماء والباحثين احتاروا في تفسير سبب سقوط النيازك في مناطق معينة أكثر من أخرى، مثل القارة الأفريقية حيث يمثل عدد النيازك الملتقطة فيها أكثر من سدس مجموع النيازك المكتشفة في العالم بأسره.

وتعتبر أفريقيا موطن ثاني أكبر تجمع نيزكي بعد القارة القطبية الجنوبية، وهذا ما يجعلها قبلة للعلماء وجامعي النيازك وتجارها، خصوصا مناطقها الشمالية الغربية، إذ تستقطب النسبة الأكبر من هذه الأحجار القادمة من الفضاء منذ أمد بعيد.

الأقصى و"البقرات الحمراء".. المدونة وعدوان "الجهلوت".. قدوات الراب و"المواعدة العمياء" - ملفات وآراء

ويعتبر المغرب بحكم موقعه الجغرافي في شمال غرب القارة الأفريقية موطنا للنيازك، وتحول في السنوات الأخيرة إلى قبلة مفضلة لصائدي الصخور النيزكية التي يضاهي ثمن بيعها المعادن النفيسة، نظرا للطلب الكبير عليها من قبل المتاحف والمراكز البحثية في أوروبا وأمريكا الشمالية.

ويحكي الفيلم الوثائقي “الباحثون عن النيازك” الذي عرضته الجزيرة الوثائقية، قصص جامعي هذه الأحجار الثمينة في جنوب المغرب، الذين تحولوا إلى راصدين للشهب والنيازك، ويعتمد عليهم الباحثون الأكاديميون في تتبع الظاهرة ومعرفة مكان سقوط النيازك. كما يكشف الفيلم أيضا جزءا من حياة هؤلاء الرحّل الباحثين بدون كلل عن القطع النيزكية في الصحراء، بالإضافة إلى الجهود العلمية المبذولة من قبل علماء وباحثين محليين، همهم الأساسي إبقاء هذا الكنز في متاحف وطنية، والاستفادة من المعلومات القيمة التي تقدمها.

فما هي إذن قصة هذه النيازك القادمة من الفضاء، التي تعبر الغلاف الجوي قبل أن تسقط على الأرض؟ وما هي أهمية هذه الأحجار من الناحية العلمية؟ ولماذا تباع بأثمان باهظة للمتاحف ومراكز البحث؟ وما هو الجانب المظلم لسقوط النيازك على الأرض؟ وما الأضرار المحتملة التي قد تخلفها على الإنسان والطبيعة؟

أيتام الكويكبات التائهة.. أمطار النيازك تخترق الغلاف الجوي
قبل وصولها إلى الأرض تكون النيازك قد مرت باختبار عسير في الغلاف الجوي الذي يحمي كوكب الأرض من أشعة الشمس الضارة، ومن الأجسام الفضائية الخارجية، وهذا ما يفسر الوهج الكبير الذي تسببه قبل أن تسقط على سطح الكوكب، وهو ناتج عن احتكاكها بالجزيئات الهوائية الموجودة في طبقات الغلاف الجوي، ابتداء من مسافة 96 كيلومترا عن الأرض، مخلفة وراءها ألسنة من الغازات والجزيئات المنصهرة.

ويقدر عدد النيازك التي تصل إلى الأرض يوميا بـ230 نيزكا في المعدل، وغالبا ما تصل بحجم صغير بعد أن تكون قد فقدت جزءا مهما من حجمها خلال عملية الاختراق الملتهبة، رغم أن بعضها يصل بأحجام مهمة تسبب انفجارات ضخمة على الأرض، وهناك نظريات تربط بين سقوط نيازك أو مذنبات كبيرة الحجم على الأرض قبل ملايين السنين، وبين انقراض الديناصورات.

أصبح البحث عن النيازك الثمينة أمل الفقراء الذين يرقبون السماء كل ليلة
ورغم أن جل النيازك التي تسقط على الأرض تصنف ضمن الغبار الفضائي، ولا يتعدى حجمها حجم حبة الأرز، إلا أن هناك صخورا كبيرة انفصلت عن كويكبات وارتطمت بالأرض، ويقاس بعضها بالسنتيمترات، وبعض الأنواع النادرة منها بالأمتار، وأكبرها على الإطلاق نيزك “هوبا” الذي عثر عليه في صحراء ناميبيا عام 1920، وبلغ عرضه 2.7 متر، ويزن نحو 60 طنا.

وينقسم جل النيازك إلى ثلاثة أنواع من حيث التركيبة، فهناك النيازك الحديدية، وتشكل أقدم مصادر الحديد التي استخدمها البشر، والنيازك الصخرية المسماة “الكوندريت”، بالإضافة إلى النيازك المختلطة التي تعتبر الأكثر ندرة، إذ تمثل 5% فقط من مجموع النيازك المكتشفة، وتحظى هذه النيازك الحجرية الحديدية بقيمة علمية كبيرة، وتوفر فرصة لدراسة المنطقة الكوكبية التي أتت منها.

النيازك.. هدية السماء إلى البدو الرحل
تزايد الاهتمام بالنيازك بعد أن ذاع صيتها، وتناسلت قصص الاغتناء بفضلها، فـأصبح البحث عن هذه الأحجار القادمة من الفضاء بمثابة التنقيب عن الكنز الضائع، خصوصا في بعض المناطق القاحلة في المغرب والجزائر، إذ شهدت في السنوات العشر الأخيرة سقوط نيازك وصلت شهرتها إلى العالمية.

ولعل من أشهرها نيزك تيسنت، نسبة إلى قرية صغيرة بإقليم طاطا في جهة سوس ماسة جنوب المغرب، فقد تحولت صيف 2011 إلى قبلة لصيادي وهواة جمع الأحجار النيزكية، بعد أن أكد سكان القرية سقوط شهاب ناري في مكان قريب منهم، وبعد العثور عليه من قبل أحد صيادي النيازك المحليين، بيع هذا النيزك النادر القادم من كوكب المريخ بمبلغ مالي ضخم، ويوجد حاليا في متحف التاريخ الطبيعي في لندن.

وثق سكان شمال أفريقيا سقوط النيازك في سماء صحرائهم بنقش رسومها على الصخور
وساهم نشاط هؤلاء البدو الرحل والباحثين المحليين عن النيازك، في اكتشاف أحجار نيزكية أخرى في المنطقة، خصوصا في موقع توفاسور قرب طاطا، ومواقع أخرى في الصحاري الممتدة في جنوب وجنوب شرق المملكة المغربية، وتتحدث أرقام رسمية عن مساهمة البدو والمستكشفين الخاصين في إيجاد ما يقرب من 12 ألف نيزك في صحراء شمال أفريقيا.

ويقدم فيلم “الباحثون عن النيازك” نموذجا لنشاط الرحل المنقبين عن هذه الأحجار النادرة في مناطق صحراوية شاسعة بالمغرب، وهو ما ثمنه الخبير المغربي في علم النيازك والأستاذ بكلية العلوم بجامعة ابن زهر بأغادير عبد الرحمان إبهي الذي رافق طاقم التصوير في جولة مع الرحل للبحث عن النيازك، وقال إن دور هؤلاء الرحل أساسي في إيجاد النيازك، إذ يساعدون في تحديد موقعها بدقة وسط الأحجار والرمال، كما تلقوا تدريبات من أجل التعرف مبدئيا على الأحجار النيزكية خلال عملهم اليومي في ممارسة الرعي.

نيازك المغرب.. موروث جيولوجي ضائع النسب
تطرح التسمية الجغرافية للنيازك إشكالا حقيقيا بعد ترحيلها إلى المعاهد والمتاحف العالمية الكبرى، فالأصل هو أن يسمى النيزك بمكان سقوطه، لكن ذلك لا يطبق بحسب خلاصات دراسة علمية أعدتها كلية العلوم التابعة لجامعة ابن زهر بأغادير، فقد كشفت أن 93% من النيازك المكتشفة في عدد من الدول الأفريقية ويفوق عددها 5600 نيزك، تسمى فقط نيازك شمال غرب أفريقيا (NorthWest Africa)، دون الإشارة إلى مكان سقوطها بدقة، وهو ما يمثل ضياعا لموروث جيولوجي نادر خاص ببلدان المنطقة.

وتبرر المنظمة الأمريكية المستقلة “الجمعية النيزكية” (Meteoritical Society) -التي تقوم بتسمية وتصنيف النيازك-؛ هذا الإشكال بصعوبة توفر النيازك من شمال غرب أفريقيا على معلومات كافية عن موقع اكتشافها، رغم أن 23٪ فقط من النيازك المسماة “NWA” المكتشفة في المنطقة تفتقر إلى معلومات عن بلدها الأصلي، وأما البقية فقد جرى التعرف عليها، وأظهرت نتائج دراسة جامعة ابن زهر بأغادير بأن معظمها تم اكتشافها في المغرب.

(الجزيرة الوثائقية)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M