اليوم العالمي للتضامن الإنساني

26 ديسمبر 2016 21:03
سلسلة أنواع القلوب (28) القلب الوَرِع (2)

هوية بريس – د. محمد ويلالي

يوافق اليوم العشرون من شهر دجنبر من كل عام، ومنذ سنة 2006م، ما يعرف ب”اليوم العالمي للتضامن الإنساني”، الذي أنشئ في سبيله صندوق للتضامن العالمي، سمي بـ”الصندوق الاستئماني” التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الهادف إلى القضاء على الفقر، وتعزيز التنمية البشرية والرخاء الاجتماعي في البلدان النامية. وهو يوم يضاف إلى “اليوم العالمي للغذاء” في 16 أكتوبر، و”اليوم العالمي للقضاء على الفقر” في 17 أكتوبر، و”اليوم العالمي للعمل الإنساني” في 19 غشت، وغيرها من المناسبات الدولية، التي تنم عن الحالة المزرية التي يعيشها كثير من الناس على كوكب الأرض، مما يؤرق ذوي الضمائر الحية، ويقض مضاجع أصحاب النفوس المتيقظة.

إن ما حل بالعالم من تزايد نسب الفقر المهولة، والخصاصة المستفحلة، ليس مرجعه إلى شح في الأرض، ولا قلة في الرزق، ولا عقم في الموارد. وليس مرجعه – أيضا – إلى النظرة المتشائمة التي ضيق الأرض عن إطعام الملايين من البشر الذين يزدادون كل عام، فالله تعالى خالق كل شيء، وهو المقدر رزق كل شيء. قال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ”. وقال تعالى: “وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا“. وقال تعالى: “وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ“.

إن السر يكمن في البعد عن التعاليم الربانية، والتوجيهات النبوية، التي تحث على التضامن الحقيقي، والتعاون الفعال، الذي يرى التسبب في البؤس نقمة، و الإسهام في توسيع دائرة الفقر جريمة.

إن التضامن البشري الحقيقي يمكن تقسيمه إلى ثلاثة مستويات، يرتبط بعضها ببعض:

ـ المستوى الأول: أن تضامن مع نفسك، بأن توجهها نحو ما خلقت له من العبادة، والتنزه عن التنافس حول الدنيا الفانية، لتحصيل فضل الآخرة الباقية. قال رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِيُّ -رضي الله عنه-: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لي: “سَلْ“. فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: “أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ؟“. قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: “فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ” مسلم.

ـ المستوى الثاني: أن تجعل الله تعالى ضامنك، بأن تنصره، وتحقق سلامة عبادته. قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ“. وأجمع المفسرون على أن نصرة الله تكون بنصرة دينه ورسوله – صلى الله عليه وسلم ـ. ومثله قوله تعالى: “وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ“. قال قتادة: “لأنه حقّ على الله أن يعطي من سأله، وينصر من نصره”.

 – المستوى الثالث: تضامنك مع الغير. والمسلم في هذا المجال مبادر إلى كل خير يعين به أخاه.

* فهو له ردء ووقاية. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ” صحيح سنن أبي داود.

* وهو قسيمه في ماله وممتلكاته عند حاجته. فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالاً (أي: يريد أن يتفطن له أحد ليسد حاجته)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ“. قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ” مسلم. قال الإمام النووي: “في هذا الحديث الحث على الصدقة، والجود، والمواساة، والإحسان إلى الرفقة والأصحاب، والاعتناء بمصالحهم”.

* وهو فطن إلى حاجته، سباق إلى مد يد المساعدة له في تحقيق أيسر سبل عيشه. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لاَ تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الْكَلإِ” متفق عليه.

* وهو مهتم بأمر أخيه، يسره ما يسره، ويحزنه ما يحزنه، يتفقد أحواله، وينظر في حاجاته. قال عطاء: “تفقدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، أو مشاغيل فأعينوهم، أو كانوا نسوا فذكروهم”.

وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: “صَدِيقٌ مُسَاعِدٌ، عَضُدٌ وَسَاعِدٌ”.

* وهو -إن أقرضه مالا- متجاوز عنه عند إعساره وفقره. فقد حث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عدم التضييق على المعسرين، وإلجائهم إلى بيع حاجاتهم الضرورية من أجل تسديد ما عليهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ الله فِي ظِلِّهِ” مسلم.

وكان هذا محط تنفيذ عند سلفنا. فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، وَكَانَ يَأْتِيِهِ يَتَقَاضَاهُ فَيَخْتَبِئُ مِنْهُ. فَجَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَخَرَجَ صَبِيٌّ فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَقَالَ: نَعَمْ هُوَ فِي الْبَيْتِ يَأْكُلُ خَزِيرَةً (قطع صغيرة من اللحم مع الدقيق)، فَنَادَاهُ: يَا فُلاَنُ، اخْرُجْ، فَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ هَا هُنَا. فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا يُغَيِّبُكَ عَنِّي؟ قَالَ: إِنِّي مُعْسِرٌ، وَلَيْسَ عِنْدِي. قَالَ: آلله إِنَّكَ مُعْسِرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَبَكَى أَبُو قَتَادَةَ ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: “مَنْ نَفَّسَ عَنْ غَرِيمِهِ أَوْ مَحَا عَنْهُ، كَانَ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” أحمد، وفي لفظ مسلم: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ“.

* وهو لأخيه مرآة، وصيانة، ووقاية من كل مكروه. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَخُونُهُ، وَلاَ يَكْذِبُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: عِرْضُهُ، وَمَالُهُ، وَدَمُهُ. بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. إِنَّ أَحَدَكُمْ مِرْآةُ أَخِيهِ، فَإِنْ رَأَى بِهِ أَذًى فَلْيُمِطْهُ عَنْهُ. مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ، رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” كلها في صحيح سنن الترمذي.

ولقد أحسن ابن أبي الدنيا في هذا التصنيف الرباعي للناس من حيث الإعانة والاستعانة فقال: “تَنْقَسِمُ أَحْوَالُ مَنْ دَخَلَ فِي عَدَدِ الْإِخْوَانِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: مِنْهُمْ مَنْ يُعِينُ وَيَسْتَعِينُ، هُوَ مُعَاوِضٌ مُنْصِفٌ، يُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ، وَيَسْتَوْفِي مَا لَهُ. فَهَذَا أَعْدَلُ الْإِخْوَانِ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُعِينُ وَلَا يَسْتَعِينُ، فَهُوَ مُنَازِلٌ قَدْ مَنَعَ خَيْرَهُ، وَقَمَعَ شَرَّهُ. فَهُوَ لَا صَدِيقٌ يُرْجَى، وَلَا عَدُوٌّ يُخْشَى. وَقَدْ قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ – رَضِيَ الله عَنْهُ -: التَّارِكُ لِلْإِخْوَانِ مَتْرُوكٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَعِينُ وَلَا يُعِينُ، فَهُوَ لَئِيمٌ كَلٌّ، وَمَهِينٌ مُسْتَذَلٌّ، قَدْ قَطَعَ عَنْهُ الرَّغْبَةَ، وَبَسَطَ فِيهِ الرَّهْبَةَ، فَلَا خَيْرُهُ يُرْجَى، وَلَا شَرُّهُ يُؤْمَنُ. وَهُوَ مِمَّنْ جَعَلَهُ الْمَأْمُونُ مِنْ دَاءِ الْإِخْوَانِ لَا مِنْ دَوَائِهِمْ، وَمِنْ سُمِّهِمْ لَا مِنْ غِذَائِهِمْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُعِينُ وَلَا يَسْتَعِينُ، فَهُوَ كَرِيمُ الطَّبْعِ، مَشْكُورُ الصُّنْعِ. وَقَدْ حَازَ فَضِيلَتَيْ الِابْتِدَاءِ وَالِاكْتِفَاءِ، فَلَا يُرَى ثَقِيلًا فِي نَائِبَةٍ، وَلَا يَقْعُدُ عَنْ نَهْضَةٍ فِي مَعُونَةٍ. فَهَذَا أَشْرَفُ الْإِخْوَانِ نَفْسًا، وَأَكْرَمُهُمْ طَبْعًا. فَيَنْبَغِي لِمَنْ أَوْجَدَهُ الزَّمَانُ مِثْلَهُ -وَقَلَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ، لِأَنَّهُ الْبَرُّ الْكَرِيمُ، وَالدُّرُّ الْيَتِيمُ- أَنْ يَثْنِيَ عَلَيْهِ خِنْصَرَهُ، وَيَعَضَّ عَلَيْهِ نَاجِذَهُ”.

فهل استطاعت الأيام العالمية -في غياب هذه المبادئ التكافلية الحقيقية- أن ترسي التضامن المنشود بين شعوب العالم؟

ـ يقول تقرير البنك الدولي في السنة الماضية: “سيندرج الملايين من الناس حول العالم، ضمن فئة الذين يعيشون تحت خط الفقر”.

ـ وها هو رئيس وكالة الأمم المتحدة للأغذية يصرح ويقول: “18 ألف طفل يموتون جوعا كل يوم في العالم”.

ـ والدراسات تشير إلى أن نحو 2.5 مليار نسمة، يعيشون اليوم على أقل من دولارين في اليوم. وكل خامس شخص في البلدان النامية يعيش بدخل أقل من 1.25 دولار في اليوم. وأن 16% من سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعيشون على 1.25 دولارا أو أقل في اليوم، بينما يعيش 28% من سكان المنطقة ذاتها على دولارين أو أقل في اليوم. كما أظهرت الإحصائيات أن 54% من السكان في 27 دولة من أفريقيا يعيشون في فقر مدقع.

أما العالم الإسلامي، فيعيش 37% من سكانه تحت مستوى خط الفقر، أي أزيد من 500 مليون شخص، وهذا يعني أن أكثر من ثلث سكان العالم الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر يسكنون دول العالم الإسلامي.

يقع كل هذا وثلث الغذاء الذي ينتجه العالم لا يتم استهلاكه، بل يتم التخلص منه، لأنه فاض عن حاجات ما يسمى بالدول المتقدمة. فهل التضامن في القوانين البشرية النسبية، أم في شرع الله الذي أتقن كل شيء؟

آخر اﻷخبار
2 تعليقان
  1. انظر لمباديء الإسلام الحقيقية وقيمه النبيلة كالسراج المنيرفي الظلام البهيم،وانظرلافتراءات أعدائه عليه ومحاربتهم له بعصبياتهم لمسّه لأهوائهم ولحافظة نقودهم لأجل مساعدة الفقيرواليتيم والأرملة والمريض والمسكين.

  2. الله يحفظك ويكرمك ربنا العزيزالرحمان ويرحم من علمك ياالشاب والشيخ الدكتورمحمد ويلالي كيما تشرح متميزفي الدين باش ننجاو في يوم الويل والدين.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M