تسعة أشهر.. عمر الموت

10 يوليو 2024 20:14

هوية بريس – نجوان سمري

تسعة أشهر.. عمر الموت.. لقد قتلت الحرب فينا أشياء كثيرة.

ما عدت أنا نفسي كما كنت من قبل، أشعر أنني فقدت الكثير مني ومن إيماني بمسلّمات الخير ومستحيلات الخطوط الحمر وحدود جرائم البشرية.

لقد فرغت معاني حماية الإنسان والإنسانية من معانيها، تلاشت كالوهم، فالعالم مستمر دون أن يتوقف برهة، ينظر ولا يرى، يرى ولا يلتفت، يسمع ولا يأبه، يقول ولا يفعل، ويكذب ويكذب دون أن يغضب لأجسادنا المقطعة وأرواحنا المكسورة، كأننا سراب، أو أقل.

ما عدت أنا نفسي كما كنت قبل الحرب، ولا شيء يمضي في تفاصيل حياتي دون أن أربطه بغزة، لا شيء، كل حزن أو جوع أو برد أو تعب أو مرض أو غضب أو وجع شخصي أقارنه مع نزف غزة فيصمت بداخلي الشعور، كل شيء مؤجل كما لو أنني في حالة انتظار متواصلة لا تنقلني إلى أي مكان أو ظرف مختلف.

ما عدت أميز بين الأماكن، فكلها تشبه غزة، ترافقني البيوت المدمرة والخيام إلى حيث أكون، صرت أعرف أسماء ومواقع مدنها وأحيائها ومخيماتها ومستشفياتها ومدارسها أكثر.. صرت أعرف، أين كانت.

ما عدت أميز بين الأوقات والفصول والمواسم، كلها متشابهة كأنها قطعة زمن واحدة ممتدة كالأبد، هكذا منذ بداية الحرب، تسعة أشهر، تحوّل فيها الزمن بين انبعاث الحياة والولادة إلى عمر الموت، وتحول فيها الوقت إلى دم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M