خيّم القلق والترقب على الأسواق العالمية، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وإعادة فرض العقوبات عليها.
ووفق عربي 21 قال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، اليوم الأربعاء إنه من “غير المقبول” أن تضع الولايات المتحدة نفسها في مكانة “شرطي اقتصادي للعالم”، لافتا إلى أن “القرار الأميركي يمنح الشركات الأجنبية مهلة قصيرة جدا للخروج من إيران، ومن شأن ذلك أن يطرح مشاكل على كل الشركات الأوروبية”.
وأضاف لومير لإذاعة “فرانس كولتور” وفقا لوكالة “فرانس برس”: “انسحاب الولايات المتحدة “خطأ” في مجال الأمن الدولي وأيضا من وجهة نظر اقتصادية إذ ستترتب عليه “تبعات” على شركات فرنسية على غرار “توتال” و”سانوفي” و”رينو” و”بيجو”.
وقال خبراء اقتصاد ومحللون ماليون ومتخصصون في مجال النفط والطاقة، إن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني بمثابة زلزال اقتصادي عالمي سيختلف تأثيره وتداعياته وفقا لشبكة المصالح الاقتصادية والعلاقات التجارية بين الدول والشركات المتعاونة مع إيران من ناحية، ومدى قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على إجبار تلك الدول والشركات على تطبيق قرار العقوبات.
وأضافوا في تصريحات لـ “عربي21”: “هذا الزلزال الاقتصادي متفاوت التأثير، لن يقتصر تأثيره على صادرات النفطية والنمو الاقتصادي الإيراني فقط، بل سيمتد آثاره إلى الأسواق العالمية أيضا، وربما العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول المستفيدة من الاتفاق النووي مع إيران”.
صفقات في دائرة الخطر
ومنذ تخفيف العقوبات ضد إيران بعد توقيع الاتفاق النووي في يناير 2016 الماضي، وقعت شركات أوروبية وأمريكية صفقات كبرى مع إيران في مجالي النفط والطيران، وسط توقعات بوجود تأثير سلبي على هذه الشركات بعد القرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
وكانت الخطوط الجوية الإيرانية “إيران إير” قد طلبت 200 طائرة ركاب بقيمة 38.3 مليار دولار بالسعر المعلن، من بينها 100 من ايرباص و80 من بوينغ و20 من إيه.تي.آر. وجميع الصفقات رهن بتراخيص أمريكية نظرا للاستخدام الكثيف لمكونات أمريكية في الطائرات التجارية.
وفي أول تعليق لها على قرار ترامب، قالت شركة إيرباص إنها ستدرس قرار الرئيس الأمريكي قبل أن تتحرك مضيفة أن هذا سيحتاج وقتا.
وقالت شركة بيجو سيتروين الفرنسية لصناعة السيارات اليوم الأربعاء إنها تأمل أن يتبنى الاتحاد الأوروبي موقفا مشتركا بشأن إيران بعد قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران.
وقال متحدث باسم الشركة “شأننا شأن الأطراف الاقتصادية الأخرى، نتابع تطورات الوضع، ونتابع أيضا الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي في هذه القضية” مضيفا أن بيجو تأمل في أن يكون موقف الاتحاد الأوروبي بخصوص إيران “موحدا”.
وتأمل شركة النفط الفرنسية العملاقة “توتال”، في الحفاظ على صفقة بقيمة 8.4 مليار يورو مع إيران لتطوير حقل للغاز البحري، وقال الرئيس التنفيذي للشركة، في وقت سابق، إن الشركة تسعى للحصول على تنازل يسمح لها بمواصلة العمل في إيران.
ووقعت عملاق الطيران “بوينغ” خلال عامي (2016- 2017) صفقة لبيع 80 طائرة لشركة الخطوط الجوية الإيرانية بقيمة 16.6 مليار دولار، وبيع 30 طائرة من طراز بوينغ 737 ماكس بقيمة ثلاثة مليارات دولار لشركة طيران آسمان مع حقوق شراء 30 أخرى.
وحصلت فروع شركة جنرال إلكتريك خارج الولايات المتحدة منذ 2017 على عقود تبلغ قيمة مجموعها عشرات ملايين الدولارات لمعدات لمشاريع إنتاج الغاز ومصانع الغاز والمواد البتروكيماوية، وفق سندات مالية بتاريخ 1 أيار.
وفي 2017 أعلنت شركة فولكسفاغن أنها استأنفت بيع السيارات في إيران للمرة الأولى منذ 17 عاما. وتستحوذ شركة صناعة السيارات الفرنسية “بي أس إيه” على حصة قوية في السوق الإيراني تبلغ 30 بالمئة.
وتواجه سلسلة فنادق “أكور” الفرنسية الخيار ذاته حيث كانت افتتحت فندقا في إيران في 2015. وتواجه كذلك مجموعات أخرى في قطاع الفنادق على غرار “ميليا هوتيلز إنترناشونال” الإسبانية و”روتانا” الإماراتية هذه المعضلة.
ومن جانبه قال وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي، خلال مقابلة مع شبكة “سي.إن.إن” أمس الثلاثاء، إن بلاده ستمضي قدما في تجارتها مع إيران بقدر المستطاع ولن تكون خاضعة لمحاسبة أي طرف آخر، مضيفا: “من الآن فصاعدا، سنتعامل في تجارتنا مع إيران في الإطار الممكن حتى النهاية ولن نقدم كشف حساب لأحد عن هذا”.
خريطة العقوبات
وأعلن وزير الخزانة الأمريكي ستيفن مونشن، استئناف كامل العقوبات المعلقة على إيران بعد مدة تتراوح بين 90 إلى 180 يوما، من القرار الذي وقعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء أمس الثلاثاء، بانسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران.
وأوضح مونشن أن هذا الأمر يسري أيضا على ما يسمى بالعقوبات الثانوية، والتي تنطبق بالأساس، على الأفراد والشركات، مشيرا إلى أن هذه الفترة الانتقالية ستتيح للجميع، وقف أنشطتهم مع إيران.
ووفقا للموقع الإليكتروني لوزارة الخزانة الأمريكية، ستدخل العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ على مرحلتين.. وتبدأ المرحلة الأولى بعد انقضاء 90 يوما، سيتم فيها فرض قيود على التعاملات التالية: “(بيع العملة الأمريكية لإيران، شراء الذهب والمعادن النفيسة الأخرى من إيران، شراء الصلب والألومنيوم، الاستثمار في السندات الإيرانية، قطاع السيارات الإيراني وصفقات شركات صناعة السيارات الإيرانية، التعاملات الكبيرة بالعملة الإيرانية “الريال”، تجارة السجاد والمواد الغذائية الإيرانية)، كما سيتم أيضا سحب تراخيص التصدير من شركات الطيران المدني، بما فيها “بوينغ” و”إيرباص”.
وتبدأ المرحلة الثانية من العقوبات، بعد انقضاء 180 يوما، سيتم خلالها توسيع فرض القيود على كل من (الموانئ الإيرانية وسفنها ومصانع السفن، والتحويلات المالية بين المؤسسات المالية الأجنبية والبنك المركزي الإيراني، وخدمات الاكتتاب والتأمين وإعادة التأمين، والتعاملات المتعلقة بالأنشطة النفطية).
وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، إنه “من المحتمل تماما” أن تكون هناك عقوبات إضافية ضد إيران، مطالبا الشركات التي توجد بينها وبين طهران عقود تجارية في الوقت الراهن بأن توفق أوضاعها بحسب التطورات الأخيرة في هذا الصدد.
الأسواق العالمية
وفي أول رد فعل سلبي لقرار الرئيس الأمريكي مساء الثلاثاء بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، على الأسواق العالمية، ارتفعت أسعار النفط أكثر من اثنين بالمئة في بداية تعاملات اليوم الأربعاء، وبلغت العقود الآجلة لخام برنت 76.52 دولار للبرميل في الساعة 0628 بتوقيت غرينتش مرتفعا 1.67 دولار بما يعادل 2.2 بالمئة عن الإغلاق السابق، فيما ارتفعت عقود الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط 1.43 دولار للبرميل أو 2.1 بالمئة إلى 70.49 دولار مقتربة من مرتفعات لم تبلغها منذ أواخر 2014.
وفي الصين، أكبر مشتر منفرد للنفط الإيراني، سجلت العقود الآجلة للخام في شنغهاي أعلى مستوياتها بالدولار منذ إطلاقها في أواخر مارس آذار متجاوزة 73.20 دولار للبرميل.
الاقتصاد الإيراني
ويواجه الاقتصاد الإيراني تحديا جديدا بعد قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات على طهران.
وفي مقابل الموقف الرسمي الإيراني الذي يقلل من حجم التداعيات والتأثير السلبي لقرار ترامب على وضع الاقتصاد الداخلي، كشف مسؤول في بنك ملي، أكبر بنك إيراني مملوك للدولة، إن تراجع حجم المدخرات الإيرانية بالجهاز المصرفي. المصرفي الذي يعاني بالفعل من القروض المتعثرة وسنوات العزلة.
وقال في تصريحات لرويترز إن المدخرات انخفضت بمقدار لم يحدده، لكنه أضاف أن هذه ظاهرة مؤقتة وإنها ستنتعش مجددا فور انقشاع الضبابية المرتبطة بقرار ترامب.
وأضاف المسؤول الإيراني: “الأوضاع داخل النظام المصرفي تدهورت في السنة الأخيرة لكننا لم نتجاوز مرحلة الخطر بعد، وسنتخذ كافة الإجراءات لمنع حدوث أي أزمة”.
وفقد الريال الإيراني ما يقرب من نصف قيمته خلال ستة شهور حتى أبريل نيسان ترقبا لتبني الولايات المتحدة موقفا أكثر صرامة، مما اضطر طهران لفرض حظر على تداول العملات الأجنبية محليا وفرض سقف لحيازات العملة الأجنبية عند 12 ألف دولار.