درس الملك حسين

27 ديسمبر 2023 20:02

هوي بريس – د.إدريس الكنبوري

هناك نوعان من الدول العربية والإسلامية المطبعة؛ النوع الأول ينبطح تماما للموقف الصهيو أمريكي دون شروط ويتخذ من التطبيع ذريعة لاستهداف القضية الفلسطينية عنوة؛ والنوع الثاني يعقد اتفاقيات مع الكيان مقابل شروط معينة رغم ظروف الاكراه؛ ويقف موقفا مشرفا من القضية الفلسطينية يوفق فيه بين الواقعية السياسية والموقف الشعبي. لا نستطيع أن نذكر دول النوع الأول لكن النوع الثاني تمثله تركيا والأردن والمغرب.

في هذا الإطار أتذكر موقفا شجاعا لملك الأردن الراحل حسين. عام 1994 عقد الملك حسين اتفاقا مع الكيان؛ ولكن عام 1997 قام الكيان الذي كان نتنياهو نفسه رئيس وزرائه بمحاولة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وقتها في العاصمة الأردنية من خلال عملية تسميم.

أرسل الكيان فريقا من أربعة أشخاص من الموساد كان بينهم آنذاك إيهود باراك؛ وكان معهم طبيب خاص معه مادة مضادة للسم الذي تم تركيبه في الكيان؛ في حالة ما إذا أصيبت أحد العملاء بتسمم؛ لأن الخطة كانت تقضي بالاقتراب من مشعل ورش السم من زجاجة كوكاكولا وقد يطير بعضه على أحد العملاء. وحصلت العملية بسرعة حين كان مشعل يغادر سيارته لدخول مكتبه؛ حيث اقترب منه إثنان ورشا السم الذي أصاب اذنه وهربا؛ لكن المواطنين تمكنوا من القبض عليهم وتسليمهم للأمن الأردني؛ أما الإثنان الآخران فبعد أن علما باعتقال رفيقيهما التجآ إلى سفارة الكيان في عمان؛ بينما كان الخامس المشرف على الخطة ينتظر في الفندق.

علم الملك حسين بالخبر فدعا على استعجال جميع أعضاء الحكومة وقال لهم إن”أحد أبنائنا” تعرض لمحاولة اغتيال؛ حسب التعبير الذي استخدمه. حصل ارتباك في حكومة الكيان بعد اعتقال العميلين؛ وأدخل مشعل المستشفى لكن الأطباء عجزوا عن إنقاذه؛ وقالوا إن أمامه اربع ساعات فقط ليموت؛ لأنه لا يوجد مضاد لذلك السم الفريد.

حاصر الملك حسين سفارة الكيان في عمان وهدد بقصفها إذا لم يرسل الكيان عاجلا المادة المضادة للسم؛ وأمر السفارة بتسليم العميلين؛ واتصل ببيل كلينتون وهدد بتمزيق الاتفاق مع الكيان؛ فاتصل كلينتون بنتنياهو الذي اضطر إلى أمر الطبيب الموجود في عمان الذي سلم مضاد السم وتم إنقاذ مشعل من الموت.

هذا الموقف البطولي للملك حسين يدل على أن التطبيع مع الكيان رغم الإكراه يمكن لبعض القيادات العربية استغلاله ضد الكيان نفسه بدل العكس؛ وأن الدولة يمكن أن تستغل الهامش وتوسعه؛ وهو ما رأيناه في مواقف أردوغان مثلا؛ ولذلك كان يمكن توظيف اتفاقيات التطبيع للضغط على الكيان لوقف عدوانها على غزة؛ وكان هذا سيكون أكثر تأثيرا من عقد قمة عربية لم يكن لها أي تأثير.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M