د.بنكيران يكتب عن “مسألة تفرد المرأة الأرملة بالسكن الرئيسي دون باقي الورثة في ميزان الشرع؟”

12 نوفمبر 2022 23:59

هوية بريس – د. رشيد بنكيران

استمعت إلى كلمة توضيحية ألقاها الأستاذ عبد الله ابن طاهر السوسي مدير مدرسة الإمام البخاري العتيقة بأكادير نشرها على حسابه في الفايس، يبين فيها صواب رأيه الذي يتعلق بالسكن الرئيسي للمرأة المتوفى عنها زوجها، فذكر أن للمرأة الأرملة حقا ولديها حظا في السكن الرئيسي الذي أسهمت في بنائه في إطار ما يعرف بحق الكد والسعاية الذي جرى به العمل لدى فقهاء سوس.

ومن جملة ما ذكر أيضا أن أولادها قد يخرجونها من هذا السكن طالبين حقهم في الإرث، ولا يهتمون بحال أمهم، فمن الأولاد من جعل لها بيتا في السطح، ومنهم من رماها في “البلاد” أي في البادية.. ، بينما تلك المرأة الأرملة لها حق في ذلك السكن الرئيسي…

وما بينه الأستاذ عبد الله ابن الطاهر في خصوص أحقية المرأة في السكن الرئيسي لا يخرج عما نسبت له جريدة هسبريس في ندوة شارك فيها بمحاضرة سابقة، ومن جملة ذلك:
((ابن الطاهر دعا كذلك إلى الاجتهاد من أجل تجاوز الخلاف القائم حول حق المرأة الأرملة التي لها بنات فقط، وليس لها ولد ذكر في أن تحتفظ بالسكن الرئيسي بعد وفاة زوجها، وسد الباب أمام منازعتها من طرف أقارب الزوج المتوفى. وقال المتحدث ـ أي ابن الطاهر ـ : “الإسلام ليس ظالما وقد أعطى لكل ذي حق حقه، فكيف عندما يتوفى الزوج يأتي أخوه أو أحد أقاربه من الورثة، الذي ربما لم يُزر الأسرة أبدا عندما كان الزوج المتوفى حيا، ليأخذ نصيبه من البيت الذي أسهمت الزوجة في بنائه، فتضع المحكمة البيت في المزاد العلني لبيعه قصد منح أقارب الزوج المتوفى حقهم من الإرث؟”)). انتهى
ولعل المتأمل لكلمة الأستاذ ابن الطاهر التوضيحية ولما نشرته هسبريس لا يجد اختلافا جوهريا بينهما، بل بعضه يكمل بعض ولا يلغيه. ولنا على مجموع كلامه ملاحظات، أهمها:

1 ـ صاغ الأستاذ موقفه بأسلوب عاطفي بدلا من أن يعضده بالحجة الشرعية التي أمرنا الشرع بالاحتكام إليها عند كل نزاع أو اختلاف، فمرة يقول: ” فمن الأولاد من جعل لها ـ أي لأمه ـ بيتا في السطح” ، “ومنهم من رماها في البلاد”، ومرة يقول: “يأتي أخوه أو أحد أقاربه من الورثة، الذي ربما لم يزر الأسرة أبدا”، فكأنه بهذا الأسلوب يستدرّ عاطفة المشاهدين، ويخاطب مشاعرهم بدل عقولهم التي هي مناط التكليف؛ فما علاقة كون الوريث لم يزر الأسرة أبدا بالأحكام الشرعية؟ وما قيمة هذا الكلام شرعا؟ ثم هب أن هذا الوريث كان زوارا للأسرة، فهل ذلك مدعاة إلى تغيير الحكم؟ فهل الأحكام الشرعية تبنى على ما لم يجعل الشرع له اعتبارا ؟؟؟؟ أوَ ليس هذا استخفافا بشرع الله؟؟

وبكل صراحة، فهذا الأسلوب يذكّر بمكر الحداثيين حينما تعوزهم الحجة فيفزعون إلى عرض بضع حالات حقيقية أو مفترضة اضطرت فيها زوجة الهالك أو بناته إلى الخروج من السكن الذي كن يعشن فيه في حياته من يعيلهن، فيتباكون في مشهد مؤثر جدير بفيلم سينمائي لتحريك العاطفة وتمرير السم في العسل لمحاربة الإسلام، وكأن ما شرعه الله لا شفقة فيه ولا رحمة.

وإني وإن كنت أنزّه مدير مدرسة الإمام البخاري عن أن يكون منهم، لا بل أن يكون هذا المكر قد دار بخلده، فإني لا أرضى لفقيه يدعي أنه ينشد مدونة للأسرة موافقة للشريعة الإسلامية أن يسلك مسلك العوام، أو المكرة الفجرة. نعم، لو قرر الرأي الشرعي في المسألة أولا، ثم فزع إلى التمثيل لبيان البون بين الشرع والواقع، لقبلت معاذيره.

2ـ مما استند عليه الأستاذ لتحديد مفهوم السكن الرئيسي الذي أسهمت الزوجة في بنائه، حق الكد والسعاية، وهذا سند آخر جانب فيه الصواب لأنه خصص هذا الحق فقط بالسكن الرئيسي دون غيره من الأموال، وهذا لا وجه له ولا أحد يقول به. ولتقريب معنى هذا الحق لعموم الناس كما جرى به العمل لدى فقهاء سوس وغيرهم، يمكن أن نعرفه ب “ما تستحقه الزوجة في مال زوجها الذي أسهمت في تنميته بعملها غير العمل المنزلي”. فإن من أعمل مبدأ حق الكد والسعاية لا ينبغي أن يفرق بين ما أسهمت المرأة في نمائه في مال زوجها سواء كان سكنا رئيسا أو ثانويا أو كان تجارة أو فلاحة أو تربية للمواشي.. فكل تفريق بينهما يجانب الشرع والعقل، فإما أن نأخذ بمبدأ حق الكد والسعاية ونعممه على جميع الأموال التي أسهمت الزوجة في نمائها مع زوجها، وهو الصواب، وإما ألا نأخذ به، سواء تعلق الإسهام في السكن الرئيسي أو في غيره من الأموال، فالتفريق بين المتماثلات كالجمع بين المتناقضات، وهذا لا تستسيغه العقول الراجحة.

3ـ تحدث الأستاذ عبد الله ابن الطاهر عن إسهام الزوجة في بناء السكن الرئيسي، وبموجبه استحقت -حسب رأيه- هذا السكن بعد وفاة زوجها. لكنه لم يشر إلى قيمة إسهامها، ولا إلى كونها استوفت ما بقي من ثمن ذلك السكن أم لم تستوف. فالسكن الرئيسي شرعا هو من مال الورثة، وحقوق الورثة أو العباد مبنية على المشاحة لا على المسامحة. وأولاد الهالك من جملة الورثة الذين حرمهم الأستاذ من السكن الرئيسي بناء على إسهام الزوجة في بنائه، فإن كانوا قد أسهموا بدورهم في بناء ذلك السكن، فكيف يكون الوضع حينئذ؟ وما المصيبة التي ستحل بالأولاد لو أن زوجة الهالك أرادت الاستفراد بالبيت أو الزواج فيه من جديد أو بيعه.

وختاما أقول: من القصور في العلم أن يتصور الفقيه حالة معينة أو خاصة فيبني عليها حكما عاما يشمل حالات كثيرة لا تندرج ضمن ما تصوره ولا يلقي لها بالا، كما أنه من الغفلة أن يتبنى قولا شاذا لن يستفيد منه إلا أعداء الدين لكي يصلوا به إلى العبث في منظومة أحكام الإرث أو غيرها من الأحكام الشرعية.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M