سياستنا وأسئلة المغزى 

18 أكتوبر 2021 10:33

هوية بريس – ابراهيم أقنسوس 

بعد أن أكملت الانتخابات في بلادنا، دورتها الشكلية، وبعد أن انتهت حلقاتها، بتشكيل ما يتم تشكيله من مجالس ومكاتب وهيئات، وبعد أن وضعت حرب المناصب والمقاعد أوزارها، أو تكاد، سيكون مفيدا جدا، العودة إلى البدايات، لطرح الأسئلة الأساس، أسئلة الغاية والمغزى، المغزى السياسي والثقافي معا، من كل الذي حدث، وبعد كل الذي حدث، فقد بات واضحا، أن مشكلتنا الأساس، ليست في المعنى الشكلي والظاهري للسياسة، ليست في موعد تنظيم الانتخابات، ولا في إعداد المراسيم والقوانين المصاحبة لها، ولا في توفير اللوائح والأوراق، وإنما مشكلتنا الأساس، تكمن رأسا، في المضمون السياسي والثقافي، الذي تريده هذه القوانين، وتقصده هذه النظم، وتحرص على صناعته وإشاعته، تلك الترتيبات والمراسيم. يسهل أن نلاحظ، بغير كبير عناء، أن معظم ما يمكن تسميته بالنجاحات، التي تحدث عنها الكثيرون، بكثير من الإطناب،  لاتكاد تتجاوز الجوانب الشكلية والتنظيمية والظاهرية، للعملية السياسية والانتخابية معا، لتبقى جل أسئلة المغزى والمعنى، بلا جواب واضح، ولا نقاش مسؤول، فقد دلتنا الانتخابات الأخيرة، على جملة من الخلاصات الدالة، يمكن أن نشير منها إلى مايلي :

_ أولا : أننا لا زلنا نمارس السياسة، بلا قواعد واضحة، ولا معالم شفافة، ولا مرجعيات ثقافية وسياسية ضابطة، يفهمها الجميع، ويطمئن الجميع إلى مساراتها ونتائجها.

_ ثانيا : أن السياسة لدى الكثيرين عندنا، والإنتخابات بالتبع، لا تستند إلى أي رهان فكري أو ثقافي، ولا تريد ذلك ، ولا يهمها، إذ الغاية بداية ونهاية، هي حيازة الأصوات والمقاعد، وبأية طريقة كانت، وربما أيضا، ذهاب أحزاب ووجوه، وحضور آخرين، وكم كان مثيرا للإنتباه، ذلك الكم الهائل من الأحاديث والشكاوى، من استعمال المال الحرام، وكم كانت مؤسفة، تلك الأساليب البدائية العنيفة، التي تم بها فظ العديد من النزاعات، بين الخصوم السياسيين ، إن كان هناك خصوم سياسيون، بالمعنى العلمي والقيمي للكلمة، والأكثر إثارة من كل هذا، ذلك الصمت المريب، الذي صاحب هذه الأحوال والمشاهد، ما يعني أن الأمر تحول إلى عادة جارية، وتطبيع مقبول.

_ ثالثا : وتدلنا الإنتخابات الأخيرة كذلك، على حدوث خلخلة وارتجاج، في معنى الحزب السياسي، من خلال التراجع القيمي الذي شهدته العديد من الهيئات السياسية، التي درجنا على تسميتها، بالتاريخية والوطنية والديمقراطية، وانحدارها إلى مستويات، أصبحت معها تستجدي الإعتراف والمواقع، من كيانات أقل ما يقال عنها، إنها بلا هوية سياسية وثقافية واضحة، وبلا تاريخ نضالي معروف.

_ رابعا : وتدلنا الإنتخابات الأخيرة أيضا، على عودة التمكين،  لما يسمى بالأعيان، بشكل أقوى وأوضح، بحيث أصبحت جل الأحزاب، على اختلاف مشاربها ومساراتها، لا تخفي دفاعها وارتهانها، إلى هذه العينة من الناس، حتى لا أقول من السياسيين، ما يعني أن سلطة المال والجاه والنفوذ، هي الغالبة، وأن الغاية المباشرة، هي كسب المواقع، وتكثير الأرقام، لا التعبير عن المواقف، والدفاع عن اختيارات ثقافية، ووجهات نظر سياسية محددة.

خامسا : ودلتنا الإنتخابات الأخيرة أيضا، أن عبارة ( ربط المسؤولية بالمحاسبة )، يكتنفها الكثير من الغموض، على مستوى الفهم والتطبيق معا، فقد أتى الذين أتوا، وغادر الذين غادروا، وعاد منهم من عادوا، عبر طرق أخرى، ولا حساب على الذين ذهبوا، ولا سؤال للذين جاؤوا، أو رجعوا.

هل يراد للمشهد السياسي أن يأخذ هذا المسار ؟؟، وهل يراد للسياسة، نظرا وتدبيرا، أن تأخذ هذا المعنى ؟؟، وهل نمارس السياسة، ونجري الإنتخابات ؟؟، أم نصنع الخرائط، ونرسم المغانم والإمتيازات ؟؟.

الإنتخابات الأخيرة، أعادت طرح الكثير من الأسئلة، التي تنتظر أجوبة ثقافية وسياسية، واضحة ومسؤولة، وأهم تلك الأسئلة، سؤال المعنى والمغزى .

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M