شريف جابر يكتب عن: الصراع بين المفاهيم العلمانية والمفاهيم الإسلامية!

15 مايو 2022 22:42

هوية بريس – شريف محمد جابر (*)

تراودني مشاعر قوية هذه الأيام حول الأمة الإسلامية وعلاقتها بالدين وإقامته معيارا وسلوكًا في الواقع. بعد كل معركة فكرية يثور حولها الجدل تنكشف أزمة العقل العربي المسلم الذي يعيش صراعًا بين مفاهيم تغريبية علمانية تقوده إلى تبنّي الذوق الحضاري الغربي المعاصر ومفاهيم إسلامية ثابتة جاء بها الوحي وأجمع عليها العلماء. إنّ هذا العقل لم يستسلم بعد لقوة تأثير مفاهيم الحضارة الغربية، وهو ما يؤرّق العاملين على تغريبه.



وفي اللحظة التي يظنّ فيها بعض المفسدين أنّ حالنا يؤول إلى ما آل إليه في أوروبا بعد الصراع مع الكنيسة: من تقزيم أثر الدين في حياة الإنسان، ومن تلاشي المفاهيم المؤسسة عليه وتغييرها (تحريفها) إلى الأبد وترسيخ هذا التغيير الذي قد يعتبرونه “تجديدًا”.. في هذه اللحظة تماما أشعر بحفظ الدين واستحالة أمانيّهم لاختلاف طبيعة الدين عن الدين الكنسي المحرّف ولتولّي الله حفظ الرسالة الأخيرة للبشرية ولوجود جيل جديد من الدعاة والشباب المتابع لهم يفاجئ هؤلاء المفسدين ويرفع ضغطهم، وهو ما يرصده كل متابع لتعليقاتهم المحتقنة والمليئة بالانفعالات والبذاءات على الجدل الدائر، سواء جدل الزواج المبكّر قبل أسابيع أو جدل الترحّم على كافر ووصفه بالشهادة هذه الأيام.

كلّما ظنّ المفسدون الذين يتبنّون المعايير الليبرالية ويريدون أن نعيش تجربة الغربيين أنّ العرب المسلمين سيضعون الدين يوما ما في خانة ذاتية تختلف باختلاف المزاج ولكنها لا تؤثر في قضايا الفكر والمجتمع والسياسة والاقتصاد؛ خاب ظنّهم وأظهر هذا الجيل الجديد فهمًا أكثر تألّقًا وتمسّكًا بالدين المهيمن على كل نشاط فكري أو عملي. كلما ظنوا أنهم تخلّصوا من منظومة أفكار حسن البنا وسيد قطب وسفر الحوالي وغيرهم من أئمة الصحوة الذي كان لهم أبلغ الأثر في بناء فكر الأجيال الإسلامية، خرجت لهم منظومات أكثر تماسكًا واطلاعًا، هضمت جهود هؤلاء وتجنّبت أخطاءهم وتألّقت في الردّ على التيارات التغريبية الحديثة وكشف عوارها وبيان ضعفها وضحالتها.

هذا الجيل الجديد الذي أُبصره الآن هو جيل غير متحزّب، تعلّم من أخطاء روّاد الصحوة منذ منتصف القرن الماضي كما تعلّم روّادُ الصحوة من أخطاء روّاد الإصلاح في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وهو منفتح على الثقافة الغربية الليبرالية بشكل أكبر، وقد ساهمت مواقع التواصل التي صارت محور الخطاب الديني بلا منازع منذ عقد من الزمان في تقارب وجهات النظر والاطلاع على جهود مختلف العلماء والمفكرين والباحثين من مختلف أنحاء العالم العربي، من مغاربه إلى مشارقه. وبعد كسر الكثير من الحركات الإسلامية وضعف التحزّب الإسلامي الذي انخرط في أداء دور وظيفي في الأنظمة المستبدّة وضعف الحالة المتسلّفة المدعومة سلطويّا؛ صار الشباب مخاطَبًا على السواء بأذرع إعلامية علمانية ضخمة تبثّ أفكارها بغزارة وبأصوات لدعاة من مختلف الوجهات يتصدّون لهذه الأذرع ويقدّمون مادة بنائية من كتب وسلاسل مرئية ومنشورات ودورات وغير ذلك.

لقد صار الشباب مخاطَبًا في غرف نومه وعبر هواتفه النقالة بالعقل، لا في إطار حركي مسجدي أو إطار مؤسسي مقَوْلَب. والذين اجتازوا هيلمان الأذرع الإعلامية وسطوة الأفكار الليبرالية الشائعة واستمعوا إلى من يخاطب عقلهم بالأدلة والبراهين بخطاب شرعي ذي طابع نقدي؛ صاروا أكثر حصانة من الناحية الفكرية وأكثر قدرة على بلورة موقف متماسك فكريا. وهكذا نشأ جيل يحمل الكثير من المناعة الفكرية وإنْ كانت تنقصه التزكية التربوية التي لا تكتمل عبر هذه المنصّات، بل تحتاج إلى أطر واقعية تغذّي الشباب بالقيم الأخلاقية العالية.

وإلى جانب هذا الشعور المستبشر راودني شعور عظيم بالمسؤولية الدعوية، وتحديدًا في بيان أسس التوحيد التي يُبنى عليها الدين وشرائعه. وتذكرت أياما كنت فيها منخرطًا في هذا الباب في المساجد ومع بعض الصحبة الكريمة في فلسطين، وتذكرت كتابا في تيسير مفاهيم التوحيد شرعتُ فيه وأتممتُ بعض فصوله قبل نحو ستّة أعوام ولم يكتمل، ثم انشغلت عنه بغيره من الكتابات.

فأسأل الله أن يعظّم الشعور بالمسؤولية في قلوبنا، وأن يستخدمنا في بيان معالم دينه ويطرح البركة في جهودنا وأوقاتنا، ويوفّق هذه الأمة إلى ما يحب ويرضى، وإلى تحوّلات اجتماعية وسياسية تؤول بها إلى استعادة حضارتها السليبة وتمكينها المغيَّب.

________
(*) ‏كاتب ومترجم‏ فلسطيني مقيم في مدينة اسطنبول بتركيا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M