مؤرخ إسرائيلي بارز: نحن نشهد نهاية المشروع الصهيوني

25 فبراير 2024 12:25
عاجل في خطوة غير متوقعة انسحاب كامل لجيش الاحتلال

هوية بريس- متابعات

تحدث البروفيسور إيلان بابيه في اليوم السنوي لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية الذي تنظمه اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لندن، المملكة المتحدة، في 21 يناير 2024 ، حول الحاجة إلى فهم أن الإبادة الجماعية للفلسطينيين التي نشهدها حاليا، فهي بقدر وحشيتها ، فإنها أيضا زوال لما يسمى بالدولة اليهودية. وفي ها المقال يقول بابيه “يجب أن نكون مستعدين لتخيل عالم جديد.. فالظلام الدامس يحل قبل الفجر”.

وفي ما يلي نص المقال:

إن فكرة أن الصهيونية هي استعمار استيطاني ليست جديدة. كان الباحثون الفلسطينيون في ستينيات القرن العشرين الذين يعملون في بيروت في مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية قد فهموا بالفعل أن ما يواجهونه في فلسطين لم يكن مشروعا استعماريا كلاسيكيا. لم ينظروا إلى إسرائيل على أنها مجرد مستعمرة بريطانية أو أمريكية ، لكنهم رأوا أنها ظاهرة موجودة في أجزاء أخرى من العالم، تعرف بأنها استعمار استيطاني. من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه لمدة 20 إلى 30 عاما، اختفت فكرة الصهيونية كاستعمار استيطاني من الخطاب السياسي والأكاديمي. عاد هذا عندما اقتنع علماء وباحثون من أجزاء أخرى من العالم ، بما في ذلك جنوب إفريقيا وأستراليا وأمريكا الشمالية ، على أن الصهيونية ظاهرة مشابهة لحركة الأوروبيين الذين أنشأوا الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا.

أعتقد أن هذه الفكرة الخاصة من تسعينيات القرن العشرين ، والتي ربطت بوضوح تصرفات المستوطنين الأوروبيين ، وخاصة في أماكن مثل أمريكا الشمالية وأستراليا، بأفعال المستوطنين الذين جاءوا إلى فلسطين في أواخر القرن 19 ، توضّحت بوضوح نوايا المستوطنين.

لقد اتبع المستوطنون أهم منطق اعتمدته الحركات الاستعمارية: لإنشاء مجتمع استعماري مزدهر خارج أوروبا ، كان من الضروري القضاء على السكان الأصليين للبلد الذي استقر فيه المستوطنون .

وهذا يعني أن مقاومة السكان الأصليين لهذا المنطق كانت نضالا ضد الإقصاء، وليس مجرد التحرير. هذا مهم عندما يفكر المرء في عمليات “حماس” وعمليات المقاومة الفلسطينية الأخرى منذ عام 1948. كان المستوطنون أنفسهم ، مثل معظم الأوروبيين الذين جاءوا إلى أمريكا الشمالية أو أمريكا الوسطى أو أستراليا ، لاجئين وضحايا للاضطهاد. كان بعضهم أقل تعاسة وكانوا يبحثون ببساطة عن حياة وفرص أفضل. لكن معظمهم كانوا منبوذين في أوروبا وسعوا إلى إنشاء “أوروبا بديلة ” في مكان آخر، أوروبا جديدة، بدلا من أوروبا التي لا تريدهم. في معظم الحالات ، اختاروا مكانا يعيش فيه سكان آخرون، السكان الأصليون. وهكذا ، كانت النواة الأولى منهم تتكون من قادتهم ومنظريهم الذين قدموا مبررات دينية وثقافية لاستعمار أرض شعوب أخرى…

ويمكن أن يضاف إلى ذلك ضرورة الاعتماد على إمبراطورية قديمة لبدء الاستعمار والحفاظ عليه، رغم أن المستعمرين تمردوا في ذلك الوقت على الإمبراطورية ( البريطانية) التي ساعدتهم وطالبوا بالاستقلال وحصلوا عليه، ثم جددوا تحالفهم مع الإمبراطورية. إن العلاقة الأنجلو – صهيونية التي تحولت إلى التحالف الأنجلو – إسرائيلي هي مثال جيد على ذلك. إن فكرة أنه يمكنك طرد سكان البلد الذي تريده بالقوة ربما تكون أكثر قابلية للفهم – وهي تظل غير مبررة – في سياق القرون 16 و 17 و 18 – لأنها كانت مصحوبة بدعم كامل من طرف الإمبريالية والاستعمار. وقد غذاها الحرص على تجريد الشعوب الأخرى غير الغربية وغير الأوروبية من إنسانيتها. إذا جردت الناس من إنسانيتهم فستتمكن من ترحيلهم وطردهم بسهولة أكبر. ما كان فريدا جدا في الصهيونية كحركة استعمارية هو أنها ظهرت على المسرح الدولي في وقت بدأ فيه الناس في جميع أنحاء العالم في إعادة النظر في الحق في طرد الشعوب الأصلية والقضاء عليها ، وهكذا يمكننا أن نفهم الجهد والطاقة التي استثمرتها الحركة الصهيونية ولاحقا دولة إسرائيل في محاولة إخفاء الهدف الحقيقي لحركة استعمارية استيطانية مثل الصهيونية، وهو القضاء التام على السكان الأصليين.

لكنهم اليوم، في غزة، يقضون على السكان الأصليين أمام أعين العالم كله، فكيف يتخلون عن 75 عاما تقريبا من المحاولات لإخفاء سياستهم الإقصائية؟ لفهم هذا، نحتاج إلى النظر إلى التحول الذي طرأ على طبيعة الصهيونية في فلسطين على مر السنين. في المراحل الأولى من مشروع الاستيطان الاستعماري الصهيوني، نفذ قادته سياسة القضاء بمحاولة حقيقية للتمسك بالادعاء أنه من الممكن بناء ديمقراطية وفي الوقت نفسه القضاء على السكان الأصليين. كانت لديهم رغبة قوية في الانتماء إلى مجتمع الأمم “المتحضرة” وكان القادة الصهاينة آنذاك مقتنعين، خاصة بعد المحرقة النازية، بأن سياسات الإبادة لن تستبعد إسرائيل من هذا الانتماء. ومن الدفاع عن سياستهم، أصرّ القادة على أن ممارساتهم الإقصائية ضد الفلسطينيين هي “انتقام” أو “رد فعل ” على أفعال المقاومة الفلسطينية. لكن بسرعة كبيرة عندما أراد هؤلاء القادة الشروع في تدابير إقصاء أكثر عنفا، تخلوا عن ذلك الانتماء المنشود إلى “العالم المتحضر” وعن مبررات رد الفعل والدفاع عن النفس لتبرير سياستهم العنيفة جدا.

وفي هذا الصدد، هناك علاقة بين الطريقة التي تطورت بها الإبادة العرقية في عام 1948 والعمليات التي يقوم بها الإسرائيليون اليوم في غزة. في عام 1948، برر الحكام كل مجزرة ارتكبت، بما في ذلك مذبحة “دير ياسين” سيئة السمعة في 9 أبريل 1948، كرد فعل على عمل فلسطيني: كان بإمكانهم إلقاء الحجارة على حافلة أو مهاجمة مستوطنة يهودية، ولكن كان لا بد من تقديم الحادثة، محليا وخارجيا، على أنها شيء لم يأت من الفراغ بل كدفاع عن النفس. هذا هو السبب في أن الجيش الإسرائيلي يسمى نفسه “جيش الدفاع الإسرائيلي”. ولكن بما أنه مشروع استعماري، فإنه لا يستطيع دائما الاعتماد على مبرر “العمل الانتقامي”. بدأت القوات الصهيونية التطهير العرقي خلال النكبة في فبراير 1948. لمدة شهر ، تم الترويج لكل هذه العمليات على أنها انتقام من المعارضة الفلسطينية لخطة تقسيم فلسطين التي أصدرتها الأمم المتحدة في شهر نونبر 1947.

في 10 مارس 1948، توقفت القيادة الصهيونية عن الحديث عن الانتقام واعتمدت خطة رئيسية للتطهير العرقي الصريح لأرض فلسطين. من مارس 1948 إلى نهاية عام 1948، تم التطهير العرقي لفلسطين، الذي أدى إلى طرد نصف السكان الفلسطينيين، وتدمير نصف قراهم، ونزع الطابع العربي عن معظم المدن، كجزء من حملة منهجية وخطة رئيسية متعمدة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية. وبنفس الطريقة، بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في يونيو 1967، كلما رغبت إسرائيل في تغيير الواقع تغييرا جذريا أو الانخراط في تطهير عرقي واسع النطاق، فإنها تستغني عن الحاجة إلى التبرير. ونحن نشهد الآن اتجاها مماثلا. في البداية ، تم تقديم هذه الأعمال على أنها انتقام لعملية “طوفان الأقصى” ، لكنها الآن حرب تسمى “سيف الحرب”، تهدف إلى إعادة غزة إلى السيطرة الإسرائيلية المباشرة مع الاعتماد على القضاء على سكانها عرقيا من خلال حملة الإبادة الجماعية.

السؤال الكبير هو: لماذا وقع السياسيون والصحفيون والأكاديميون الغربيون في نفس الفخ الذي وقعوا فيه في عام 1948؟ كيف يمكنهم أن يصدقوا فكرة أن إسرائيل تدافع عن نفسها في قطاع غزة وأنها فقط ترد على تصرفات 7 أكتوبر؟ إنهم يعلمون أن ما تفعله إسرائيل في غزة يستخدم 7 أكتوبر كذريعة. على أي حال، حتى الآن، يتذرع الإسرائيليون بذريعة في كل مرة يهاجمون فيها الفلسطينيين، مما ساعد الدولة على الحفاظ على درع الحصانة الذي سمح لها بمواصلة سياستها الإجرامية دون خوف من أي رد فعل كبير من المجتمع الدولي. وقد ساعدت هذه الذريعة على إبراز صورة إسرائيل كجزء من العالم الديمقراطي والغربي، وبالتالي تتجاوز أي إدانة أو عقوبة، كل هذا الخطاب حول الدفاع عن النفس والانتقام ضروري للمحافظة على الحصانة الإسرائيلية التي تمنحها لها حكومات بلدان الشمال.

ولكن كما في عام 1948، حتى اليوم لا تحتاج إسرائيل إلى الذرائع في عملياتها، وفي هذه المرحلة يجد حتى أكبر مؤيديها صعوبة في الموافقة على سياساتها. إن حجم الدمار، والمذابح في غزة، والإبادة الجماعية، هي من المستوى الذي يجعل الإسرائيليين يجدون صعوبة متزايدة في إقناع أنفسهم بأن ما يفعلونه هو في الواقع دفاع عن النفس أو رد فعل. لذلك من الممكن في المستقبل أن يجد المزيد والمزيد من الناس صعوبة في قبول هذا التفسير الإسرائيلي للإبادة الجماعية في غزة. بالنسبة لمعظم الناس ، من الواضح أنه يجب أن يكون هناك سياق ، وليس عذرا. تاريخيا وأيديولوجيا، من الواضح جدا أن 7 أكتوبر يستخدم كذريعة لاستكمال ما عجزت الحركة الصهيونية عن تحقيقه في عام 1948. في عام 1948، استخدمت الحركة الاستعمارية الصهيونية مجموعة معينة من الظروف التاريخية التي وصفتها بالتفصيل في كتابي “التطهير العرقي في فلسطين”، من أجل طرد نصف السكان الفلسطينيين. وكما ذكرنا، فقد دمروا بذلك نصف القرى الفلسطينية، وهدموا معظم المدن الفلسطينية، ومع ذلك بقي نصف الفلسطينيين في فلسطين. واصل الفلسطينيون الذين أصبحوا لاجئين خارج حدود فلسطين مقاومة الإسرائيليين وبالتالي لم يتحقق المبتغى الاستعماري المتمثل في القضاء التام على السكان الأصليين، واستخدمت إسرائيل تدريجيا كل قوتها من عام 1948 حتى يومنا هذا لمواصلة القضاء على السكان الأصليين. إن القضاء على السكان الأصليين من البداية إلى النهاية لا يشمل فقط عملية عسكرية يمكن من خلالها احتلال مكان أو ذبح الناس أو طردهم. يجب أن يكون القضاء مبررا أو يصبح طبيعيا و”مقبولا” ، والطريقة الأمثل للقيام بذلك هي تجريد أولئك الذين تنوي القضاء عليهم من إنسانيتهم باستمرار. لا يمكنك قتل الناس بشكل جماعي أو الإبادة الجماعية لمجموعة بشرية إلا عبر تجريدها من إنسانيتها.

وهكذا، فإن تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم هو رسالة صريحة وضمنية تنقل إلى اليهود الإسرائيليين من خلال نظامهم التعليمي، ونظام التنشئة الاجتماعية في الجيش ووسائل الإعلام والخطاب السياسي. يجب نقل هذه الرسالة والحفاظ عليها إذا أريد الاستمرار في الإبادة.

ولذلك، فإننا نشهد محاولة أخرى شديدة العنف والقسوة لاستكمال عملية الإبادة. ومع ذلك، لا زال الأمل ممكنا. في الواقع، ومن المفارقات، أن هذا التدمير اللاإنساني لغزة يكشف فشل المشروع الاستعماري الصهيوني. قد يبدو هذا سخيفا، لأنني أصف صراعا بين حركة مقاومة صغيرة، حركة التحرير الفلسطينية، ودولة قوية ذات آلة عسكرية وترسانة أيديولوجية تركز فقط على تدمير السكان الأصليين، الشعب الفلسطيني. إن حركة التحرر هذه ليس لديها تحالف قوي يساندها، في حين أن الدولة التي تواجهها تتمتع بتحالف قوي وراءها – من الولايات المتحدة إلى الشركات متعددة الجنسيات، إلى شركات الصناعة العسكرية، إلى وسائل الإعلام الرئيسية والأوساط الأكاديمية السائدة.

ربما يبدو الأمر ميؤوسا منه ومحبطا تقريبا لأن لديك هذه الحصانة الدولية لسياسة الإبادة الجماعية التي بدأت منذ المراحل الأولى للصهيونية وحتى يومنا هذا. من المحتمل أن يبدو هذا أسوأ فصل في محاولة إسرائيل لدفع سياسات الإقصاء إلى مستوى جديد في جهد أكثر تركيزا لقتل الآلاف من الناس في فترة زمنية قصيرة، كما لم يجرؤوا على القيام به من قبل.

فكيف يمكن أن تكون هذه أيضا لحظة أمل؟ أولا وقبل كل شيء، هذا النوع من الكيانات السياسية، الدولة، التي يجب أن تستمر في تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم من أجل تبرير القضاء عليهم، هو أساس هش للغاية إذا نظرنا إلى المستقبل البعيد. كان هذا الضعف الهيكلي واضحا بالفعل قبل 7 أكتوبر، وجزء من هذا الضعف هو أنه إذا وضع المرء خطة الإبادة جانبا، فلن يتبقى سوى القليل جدا الذي يوحد مجموعة الأشخاص الذين يعرفون أنفسهم على أنهم الأمة اليهودية في إسرائيل.

إذا استثنينا الحاجة إلى القتال والقضاء على الفلسطينيين، فقد بقي هناك معسكران يهوديان اثنان في حالة حرب أهلية، رأيناهما يتواجهان في شوارع تل أبيب والقدس حتى 6 أكتوبر 2023 خلال احتجاجات ضخمة بين اليهود العلمانيين، (الذين يصفون أنفسهم بأنهم يهود علمانيون و معظمهم من أصل أوروبي ، وهم يعتقدون أنه من الممكن إنشاء دولة ديمقراطية تعددية مع الحفاظ على الاحتلال والفصل العنصري تجاه الفلسطينيين داخل إسرائيل، في مواجهة نوع جديد من الصهيونية التي تنتظر قدوم المسيح المخلص والتي تطورت في الطوائف اليهودية في الغرب وهو ما أشرت إليه في كتابات أخرى بدولة يهودا، التي ظهر مناصروها فجأة بيننا، معتقدين أن لديهم الآن طريقة لتأسيس نوع من الثيوقراطية الصهيونية دون أي اعتبار للديمقراطية، والاعتقاد بأن هذه هي الرؤية الوحيدة لدولة يهودية مستقبلية. لا يوجد شيء مشترك بين هاتين الرؤيتين، باستثناء شيء واحد: كلا الجانبين لا يهتمان بالفلسطينيين، ويعتقد الجانبان أن بقاء إسرائيل يعتمد على استمرار سياسات القضاء على الفلسطينيين. كل هذا لن يصمد. سوف يتفكك هذا البنيان وينفجر من الداخل لأنه في القرن 21 ، لا يمكنك أن تجمع دولة ومجتمعا على افتراض أن إحساسهما المشترك بالانتماء هو جزء من مشروع الإبادة الجماعية للسكان الأصليين. يمكن أن يصمد بالتأكيد مع البعض، لكنه لا يمكن أن يصمد مع الجميع …

لقد رأينا بالفعل مؤشرا على ذلك قبل 7 أكتوبر: كيف أن الإسرائيليين الذين لديهم فرص في بلدان أخرى من العالم بسبب جنسيتهم المزدوجة ومهنهم وقدراتهم المالية، يفكرون بجدية في الانتقال بأموالهم وأنفسهم خارج دولة إسرائيل. ما سيتبقى بعد ذلك هو مجتمع ضعيف اقتصاديا، يديره هذا النوع من الانصهار بين الصهيونية الجديدة والعنصرية والسياسات الإقصائية تجاه الفلسطينيين. نعم، ميزان القوى سيكون في البداية إلى جانب الإقصاء، وليس إلى جانب ضحايا الإقصاء، لكن ميزان القوى ليس محليا فقط بل إن ميزان القوى إقليمي ودولي، ومعسكر الإقصاء سيصبح أكثر قمعا. إن السياسات (وهذا أمر فظيع لكنه صحيح) كلما قل تنكرها وراء ذريعة “رد الفعل” أو “الانتقام” كلما برزت على طبيعتها الحقيقية وهي أنها سياسة إبادة جماعية وحشية. لذلك من غير المرجح أن تستمر الحصانة التي تتمتع بها إسرائيل اليوم في المستقبل.

لذلك أعتقد حقا أنه في هذه اللحظة المظلمة للغاية، فإن ما نمر به – وهي لحظة مظلمة لأن القضاء على الفلسطينيين قد وصل إلى مستوى جديد – لم يسبق له مثيل. فيما يتعلق بالخطاب الذي تستخدمه إسرائيل، وكثافة سياسات الإبادة والغرض منها ، لم تكن هناك مثل هذه الفترة في التاريخ ، إنها مرحلة جديدة من الوحشية ضد الفلسطينيين. حتى النكبة، التي كانت كارثة كبرى لا يكاد يصدقها العقل، لا يمكن مقارنتها بما نراه الآن وما سنراه في الأشهر المقبلة.

ونحن، في رأيي، في الأشهر الثلاثة الأولى من فترة السنتين التي ستشهد أسوأ الفظائع التي يمكن أن تلحقها إسرائيل بالفلسطينيين. ولكن حتى في هذه اللحظة القاتمة، يجب أن نفهم أن المشاريع الاستعمارية المتفككة تستخدم دائما أسوأ الوسائل لمحاولة إنقاذ مشروعها. حدث هذا في جنوب إفريقيا وجنوب فيتنام. أنا لا أقول هذا من باب الأمنيات، ولا أقول هذا كناشط سياسي: أقول هذا كباحث في إسرائيل وفلسطين بكل ثقة في مؤهلاتي الأكاديمية. وعلى أساس الفحص المهني الرصين، أؤكد أننا نشهد نهاية المشروع الصهيوني، ولا شك في ذلك. لقد انتهى هذا المشروع التاريخي وهي نهاية عنيفة – إن مثل هذه المشاريع عادة ما تنهار بعنف وبالتالي فهو وقت خطير للغاية بالنسبة لضحايا هذا المشروع ، والضحايا هم دائما الفلسطينيون مع اليهود ، لأن اليهود هم أيضا ضحايا الصهيونية. وهكذا، فإن عملية الانهيار ليست مجرد لحظة أمل، بل هي أيضا الفجر الذي سيشرق بعد الظلام، وهو النور في نهاية النفق. غير أن مثل هذا الانهيار ينتج فراغا. يظهر الفراغ فجأة. إنه مثل جدار يتآكل ببطء بسبب الشقوق ولكنه ينهار بعد ذلك في لحظة قصيرة.

ويجب أن نكون مستعدين لمثل هذه الانهيارات، زوال دولة أو تفكك مشروع استيطاني استعماري. لقد رأينا ما حدث في العالم العربي، عندما لم تملأ فوضى الفراغ بأي مشروع بناء وبديل. في مثل هذه الحالة ، تستمر الفوضى. هناك شيء واحد واضح: أي شخص يفكر في بديل للدولة الصهيونية يجب ألا ينظر إلى أوروبا أو الغرب بحثا عن نماذج من شأنها أن تحل محل الدولة المدمرة. هناك نماذج محلية أفضل بكثير وهي إرث من الماضي القريب والبعيد للمشرق (شرق البحر الأبيض المتوسط) والعالم العربي ككل. تحمل الفترة العثمانية الطويلة نماذج وموروثات يمكن أن تساعدنا في استلهام الماضي ونحن نتصور المستقبل.
يمكن أن تساعدنا هذه النماذج في بناء نوع مختلف تماما من المجتمع يحترم الهويات الجماعية وكذلك الحقوق الفردية ، والذي يتم بناؤه من الصفر باعتباره نموذجا جديدا يعتمد على الدروس المستفادة من أخطاء إنهاء الاستعمار في أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك العالم العربي وأفريقيا.

أرجو أن يخلق هذا التطور نوعا مختلفا من الكيانات السياسية التي سيكون لها تأثير كبير وإيجابي على العالم العربي ككل. »

* إيلان بابيه أستاذ التاريخ ومدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في جامعة إكستر. وهو مؤلف العديد من الكتب، آخرها “أكبر سجن في العالم: تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين” (دار النشر وان وورلد، 2015)، و”فكرة إسرائيل” (دار النشر فيرسو، 2014)، و”الشرق الأوسط الحديث”. تاريخ اجتماعي وثقافي (دار النشر روتليدج ، 2014)

ـ المصدر: “ريفاي كومينيست”

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M