من تاريخ الاستعمار الفرنسي بالمغرب.. معطيات للذكرى (4)

19 فبراير 2023 12:56

هوية بريس- محمد زاوي

4-استغلال الأرض واليد العاملة

كان الرأسمال الفرنسي، قبل استعمار المغرب، في حاجة إلى قوى إنتاج للاستثمار، وتصدير الرأسمال المالي إلى المغرب. تتكون قوى الإنتاج من قوة عمل ووسائل للإنتاج، وهذه لم يكن الرأسمال الفرنسي يملك منها إلا الرأسمال المالي. ما الحل إذن؟ السطو على الأرض والخامات الطبيعية كجزء من وسائل الإنتاج، ثم تحويل المغاربة إلى نموذج للعمل غير معتاد لديهم. تسمى العملية الأولى: تركيم الرأسمال الأولي، فيما تؤدي الثانية إلى: الاستغلال ونهب فائض قيمة العمال.

كيف تمت العملية الأولى؟

تمت بنفس الطريقة التي تسربت بها الرأسمالية الفرنسية إلى بلدان أخرى، كتونس (راجع كتابات رضا الزواري في الموضوع)؛ حيث تم نزع الأرض من أصحابها، الفلاحين الصغار، لتصبح جزءا من ملكيات عقارية كبرى في يد الرأسمال الزراعي الفرنسي.

ومن عادة التركيم الأولي، كما حدث في أوروبا زمن صعود بورجوازيتها؛ من عادته أن يخلف الضحايا والخسائر الفظيعة. في هذا الإطار تدخل الأحداث الدامية التي فرضها الاستعمار الفرنسي في القرى المغربية، وفي هذا الإطار تدخل المقاومة القبلية التي قاومت السطو على أراضيها.

وكيف تمت العملية الثانية؟

تم تحويل جزء كبير من المغاربة إلى عمال، على مستويين؛ بخصوص الفلاحين الصغار الذين نزعت منهم أراضيهم بعد انهزام المقاومة القبلية، فقد اضطروا إما للعمل في حقول الرأسمال الزراعي الاستعماري، وإما إلى الهجرة نحو المدن حيث يضطرون للعمل في مصانع الفرنسيس (الرأسمال الصناعي الاستعماري)، بشكل مباشر أو غير مباشر بعد دخول السجن (ارتكاب سرقات بسبب الفقر، أو الدخول في مناوشات مع القوات الاستعمارية)، حيث يقاد السجناء إلى أمكنة العمل بالإكراه، تحاصرهم البنادق وسياط السجانين.

وبخصوص سكان المدن، من الحرفيين والكداح، فقد أفقدهم المنتوج الصناعي الفرنسي، ذو الجودة والسعر المتاح والوفرة في السوق (نتيجة ما يوفره الرأسمال الصناعي من ظروف)، القدرة على الاستمرار في حرفهم؛ ولم يعد لديهم خيار، فإما أن يتحولوا إلى عمال، وإما أن يصبحوا فقراء.

هذا، وليس استغلال الأرض ما استفاد منه الرأسمال الفرنسي فقط، بل كل الخامات الطبيعية المتاحة، من معادن وثروة سمكية (بناء مصانع تصبير السمك)، إلخ؛ وكله كان يتم بالموازاة مع نمط “إنتاج قايدي” (بول باسكون)، يشرف عليه عملاء فرنسا، خدمة لمصالحهم ومصالح فرنسا أيضا، بتكريس هجونة واختلاط أنماط الإنتاج في البلد الواحد، حتى لا ينتج الرأسمال الفرنسي نقيضه بيديه (كل “رأسمال كامل” يحمل “نقيضه الكامل” في أحشائه).

أما العمال المغاربة، في المزارع والمصانع أساسا، فقد كان يتم استغلالهم على الطريقة المعروفة في بنية الرأسمال، ك”مجموعة أفراد يقومون بنفس الوظيفة في بنية الإنتاج”؛ وهي في هذه الحالة “إنتاج فائض القيمة لمصلحة الرأسمال الفرنسي”، وهو فائض أكبر بكثير مما ينتجه عمال الرأسمال الفرنسي في عقر داره (فرنسا)، نظرا لانخفاض أجور العمال، بل وانعدامها (السجناء كما رأينا)، ونظرا لانخفاض تكاليف النقل وأسعار المواد الخام وغيرها.

في مغرب الاستعمار، كان العامل يغترب مرتين لا مرة واحدة، كما كان يحدث للعامل الفرنسي. كان العامل المغربي يغترب أولا عن المادة التي أنتجها، وكان يغترب ثانيا كون الرأسمال الذي يستفيد من فائض قيمته رأسمال استعماري أجنبي، لا وطني. وهذا استغلال مضاعف، جوهره في الاقتصاد السياسي هو علاقات الإنتاج الرأسمالية الكولونيالية.

(يتبع)

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M