من يمثل الصحراويين؟
هوية بريس – عادل بنحزة
ينتظر تعيين مبعوث شخصي جديد في قضية الصحراء المغربية، يمثل ذلك فرصة مهمة لإعادة وضع النزاع حول الصحراء المغربية في سياق جديد، يأخذ في الاعتبار مجمل التحولات التي عرفها العالم منذ انهيار جدار برلين، والذي انهارت معه مقولات كثيرة ومفاهيم متعددة كانت إحدى تجليات الحرب بين المعسكرين الشرقي والغربي، بالطبع هذا لا يعني أن العالم لا يعيش اليوم صراع نفوذ بين القوى الكبرى، لكن الحمولة الإيديولوجية للحرب الباردة توارت إلى الخلف ولو إلى حين.
التحولات التي تعرفها قضية الصحراء المغربية، تمثل فرصة بالنسبة للمغرب للقيام بنقد ذاتي في أحد وجوه أدائه في هذه القضية، وفرصة لإعادة قراءة جزء من المراجع التي تؤطر هذا النزاع الذي قاوم فيه المغرب تموجات العلاقات الدولية على مدى عقود، كما أنه استطاع أن يقدم مفاهيم جديدة وأدوات تحليل مختلفة أممياً لفهم الواقع في الصحراء المغربية.
هناك حقيقة يجب الإقرار بها، وبخاصة المسؤولين الديبلوماسيين والسياسيين والباحثين والإعلاميين المغاربة، هي أن قرارات وتوصيات الأمم المتحدة بخصوص قضية الصحراء لم يتم التعريف اليها كما يجب، وأعتقد أنه من باب المسؤولية الوطنية، أن يعرف الجميع مسار تعاطي المنتظم الدولي مع هذه القضية، بغض النظر عن كونها في صالح المغرب أو ضده، وقد تكون لي فرصة قريباً لعرض ومناقشة العديد من تلك القرارات والتوصيات.
المهم اليوم، والذي يتخذ طابع الاستعجال هو تحديد من يمثل الصحراويين، بخاصة أن السيد غوتيريش ومعه الأمم المتحدة، مصران على مبدأ المفاوضات المباشرة، فتعامل المغرب مع جبهة “البوليساريو” واستحضار الجبهة في العديد من قرارات مجلس الأمن وتوصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كممثل للصحراويين، أصبح اليوم بحاجة إلى مراجعة جذرية.
الحقيقة التي يعلمها الجميع، لكنها لا تجد طريقاً إلى المنتظم الدولي، هي أن “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”، ليست سوى فئة صغيرة من الصحراويين، لها وجهة نظر بخصوص الوضع القانوني للصحراء المغربية، وهي لا تخفي منذ البداية أنها تسعى للاستقلال عن المغرب، بينما الطيف الواسع من الصحراويين المستقرين على تراب الصحراء، يعلنون ويمارسون إنتمائهم الوطني للمغرب بشكل يومي وفي جميع أوجه الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكان من حسنات دستور 2011 هو الاعتراف الدستوري بالمكون الحساني في الثقافة المغربية، وشكلت مختلف الاستحقاقات الانتخابية، استفتاءً حقيقياً حول أصالة الانتماء المغربي للمكون الصحراوي في الهوية الوطنية الجامعة، يتجلى ذلك في نسب المشاركة المرتفعة التي تعرفها المحافظات الصحراوية في المنطقة الجنوبية، وهو ما يعزز مشروعية وشرعية المؤسسات المنتخبة وكذا النخب التي تدير تلك المؤسسات.
السؤال اليوم، والذي يحتاج إلى جواب وإجراء واضح، هو موقع الصحراويين الوحدويين من مجمل النزاع في الصحراء؟ كيف قبل المغرب بحصر تمثيلية الصحراويين في جبهة “البوليساريو”؟ وكيف يتجاهل المنتظم الدولي الأغلبية في الصحراء، ويطارد الحل عند الجبهة التي لا تملك سلطة القرار خارج ما تقبله الجزائر.
شيوخ وأعيان القبائل وممثلو المجتمع المدني في الصحراء، قدموا رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي قبل سنوات بخصوص التصريحات الشهيرة للسيد بان كي مون الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وقد أكدت تلك الرسالة أن “البوليساريو” لم يحصل على أي اعتراف من طرف المنتظم الدولي كممثل وحيد وشرعي للساكنة المتأصلة من الصحراء، ولا يملك بذلك أي أساس قانوني أو أي شرعية ديموقراطية ليتسنى له تمثيلية السكان الذين يعيشون رغماً عن أنفهم بمخيمات تندوف بالجزائر وبالأحرى الأغلبية الساحقة التي تعيش بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية.
شيوخ القبائل الصحراوية، نبهوا رئاسة مجلس الآن إلى أن إدارة “البوليساريو” غير منتخبة في إطار انتخابات ديموقراطية وشفافة وليست لها أي شرعية لتنصب نفسها متحدثاً باسم السكان الصحراويين. فـ”البوليساريو” لا يمكن أن يحل محل الممثلين الشرعيين للصحراوين والذين تم انتخابهم بطريقة ديموقراطية إثر عمليات انتخابية شهد لها كل الملاحظين الأجانب بالشفافية واحترام القانون. فالانتخابات الجماعية والجهوية التي تم تنظيمها في 4 أيلول (سبتمبر) 2015، وهو ما تأكد مع انتخابات 8 أيلول (سبتمبر) لهذه السنة، تبرهن كما سابقاتها من العمليات بانخراط جميع ساكني الصحراء في المسلسل الديموقراطي والذي تعكسه نسبة المشاركة المسجلة بهذه الجهة من المغرب.
مذكرين بأن إدارة “البوليساريو” مرفوضة من طرف سكان المخيمات بتندوف بسبب أوضاع العيش غير المحتملة والتي تفرضها على ساكنين محرومين من حقوقهم البسيطة، كما تشهد على ذلك مجموعة من الوثائق الصادرة عن هيئات دولية كالاتحاد الأوروبي من خلال التقرير الأخير لمكتب محاربة الغش للاتحاد الأوروبي عام 2015.
فهل كان كافياً ضم رئيسي جهتي كل من “العيون الساقية الحمراء” السيد حمدي ولد الرشيد والسيد الخطاط ينجا رئيس “جهة الداخلة وادي الذهب” إلى الوفد الرسمي الذي شارك في اللقاءات التي قادها المبعوث السيد كوهلر المبعوث الشخصي السابق للسيد الأمين العام للأمم المتحدة، لإحداث تحول جوهري في تعاطي المغرب مع مسألة تمثيل الصحراويين؟ أم أن حكم محكمة العدل الأوروبية الأخير بخصوص اتفاقية الصيد البحري والاتفاقية الفلاحية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، تؤكد مرة أخرى أن هناك عملاً كبيراً ينتظر المغرب لرفع لبس تمثيلية الصحراويين، وأساساً منع الكيانات والدول المعادية للرباط من استثمار هذا الغموض المفتعل للمس بالمصالح المغربية…