“وهبي” و”رفيقي”.. التوظيف الأيديولوجي واستهداف إمارة المومنين

20 أبريل 2023 10:58

هوية بريس – نبيل غزال

مسرحية كبيرة شهدها اللقاء الفكري الذي نظمته مؤسسة الفقيه التطواني بعنوان: “لن أحل ما حرم الله ولن أحرم ما أحل الله” بين الدلالة الشرعية والتوظيف الأيديولوجي.

فبعد الجدل الذي أثاره وزير العدل بسبب توجهه لرفع التجريم عن “العلاقات الرضائية” و“الإفطار العلني” في الفضاء العام بالقانون الجنائي، ومنع زواج الفتاة دون 18 سنة، والمس بنظام الإرث بمدونة الأسرة.. ارتفعت أصوات الشجب والاستنكار، وتلتها ردود الفعل المجتمعية والعلمائية رافضة لهذه التعديلات التي يدافع عنها وزير العدل في المملكة الشريفة.

وفي ذات السياق ذكّر نشطاء وسياسيون وإعلاميون بخطاب العرش الذي أكد من خلاله الملك أنه بصفته أميرا للمؤمنين، لن يحل ما حرم الله، ولن يحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية.

التأكيد الملكي على هذا الأمر أحدث عنتا كبيرا للتيار اللاديني الذي حاول بتعسف تحريف مضمون الخطاب، فادعى فصيل منه بأن الحلال والحرام هو العدل، في حين حاول فصيل آخر تبرير المطالب اللادينية نفسها من داخل المنظومة الفقهية.

اللقاء الذي عقد بفندق “دوليز بورقراق” بسلا، والذي شارك فيه وزير العدل عبد اللطيف وهبي وعبد السلام الطويل ومحمد عبد الوهاب رفيقي كان مليئا بالمغالطات، دعونا نتوقف مع بعضها باختصار.

– أولها أن الندوة عقدت مرة أخرى بطلب من وزير العدل، وذلك بشهادة بوبكر الفقيه التطواني رئيس المؤسسة، الذي كشف في كلمته الافتتاحية أن اللقاء عقد بطلب من وهبي.

ليتكرر بذلك نفس الأمر من وزير العدل الذي خرج قبل أسبوع واحد في لقاء فكري بالمكتبة الوطنية، من تنظيم مركز يدعى “مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة”، وقد كشفت “هوية بريس” أن المركز تم إنشاؤه من طرف “البام” شهر مارس، وذلك كي يصرف من خلاله الأمين العام لحزب الجرار قناعاته، ويدافع عن مطالبه المثيرة حول الحريات الفردية وإجراء تعديلات على القانون الجنائي ومدونة الأسرة.

توسل وهبي من مؤسسة الفقيه التطواني استضافته في لقاء فكري جاء نتيجة الحرج الذي شعر به والضغط المجتمعي الكبير الرافض لمطالبه، وإن حاول سائق الجرار إخفاء الأمر ابتداء فقد صرح بأن العلماء والفقهاء والنصوص القطعية لا تسعفه لتنزيل المطالب التي يرفعها، وقال: “وإذا مقدرتش اعذروني”.

– وهبي في ذات اللقاء تعمد إحراج الجهات العليا، ذلك أنه يستحضر جيدا أن إلغاء تجريم ما يسمى بـ”العلاقات الرضائية” يسبب حرجا شديدا لإمارة المومنين إزاء المؤسسات الغربية، فلا يخفى بطبيعة الحال على عضو حزب الطليعة السابق ضغط الغرب عبر مؤسساته لتغيير المنظومة الجنائية ومدونة الأسرة حتى يستجيبا للمواثيق الغربية لحقوق الإنسان، ولا يخفى عليه أيضا خطة سعيد السعدي والاحتقان المجتمعي الذي تلاها والتدخل الملكي، إلا أن الرفيق وهبي قدم الأيديولوجيا على مصالح الدولة، وأصر على إحراج مؤسسة دستورية مستغلا وضع الحكومة الحالية وغياب المعارضة سواء داخل البرلمان أو خارجه.

– النقطة الأخرى أن وهبي عقد اللقاء وجاء بشخصين ليناقشاه فيما يطرحه، لكن واحدا منهم اكتفى بالتطبيل والقراءة من ورقة لما كتبه مسبقا، بعد أن اطلع على نسخة مرقونة من مداخلة وهبي، والآخر مارس دور أرنب السباق، وتجاوز مطالب سائق الجرار المثيرة وفجر كل الحدود، وادعى بأن إمارة المومنين مؤسسة علمانية، تجاوزت الحديث عن القانون الوضعي والقانون السماوي الذي لازال يكرره البعض، في إشارة للإسلاميين وكل المحافظين المغاربة.

– محمد عبد الوهاب رفيقي في مداخلته “ثقب الورقة” وكشف وجود تنسيق مسبق بين الملقي والمتعقب، ولم يراع ذكاء ووعي المتابعين حينما أسبل وابلا من الثناء والمديح على اللغة الشرعية والفقهية والمقاصدية والأصولية الدقيقة للرفيق وهبي؛ وكأنه كان يتحدث عن مجدد طال انتظاره!!

رفيقي أخذته الحماسة وغرَّه جمع “رفاق البام” الذين تم حشدهم من الرباط وسلا، فكال المديح “بلا عبار” لابن “سوس العالمة” الذي تلعثم في قراءة آيات من القرآن الكريم من ورقة!! ونطق أكثر من مرة اسم ابن القيِّم “ابن القِيَم”، لكن الملفت للنظر أن وهبي لم تعجبه “فرشة” رفيقي ووصفِ خطابه الذي ألقاه بالمقاصدي والفقهي، فأبدى ذلك من تقاسيم وجهه التي لم يخفها وفي تعقيبه على كلمة رفيقي، ذلك أن تبني وهبي ومن على شاكلته للخطاب الشرعي يعد نقيصة وسبّة عند معشر الرفاق، وهذا الذي لم يفقهه أبو حفص.

وهبي قد يوظف الدين والمقاصد والأصول وأسماء بعض الأعلام من التراث الإسلامي لتحقيق المطالب التي يرفعها، وهذا ما فعله حين تلا الخطاب الذي كـُتِب له، لكنه لن يقبل أبدا بالمرجعية التي يصدر عنها علماء وفقهاء المغرب وغيرهم، ولا بطرق الاستدلال التي يعتمدونها.

– محمد عبد الوهاب رفيقي بدا مستئنسا جدا وهو بين رفاق البام، فمن حضن إلياس العمري انتقل الشيخ الجهادي السابق إلى كنف عبد اللطيف وهبي، وإذا كان إلياس قد شغله قبل سنوات بالمنبر البائد “آخر ساعة”، فوهبي يوظفه اليوم في حملته التي يقودها لتبديل ما تبقى من حكم الله في التركة ورفع التجريم عن الزنا، فالمحكوم سابقا على خلفية ملف الإرهاب يعرض خدماته لمن يطلبها وقد وجد من يقبل العرض.

– الندوة التي كرر فيها الوزير أكثر من ست مرات النقاش وفتح النقاش والحوار، ولم يفتح فيها باب الأسئلة والتعقيب للصحفيين والحضور، حيث إن وزير العدل قال كلمته والمتدخلين نفذا المهمة التي أوكلت إليهما، ومباشرة رفع اللقاء.

هكذا فليكن الحوار والقبول بالنقاش وإلا فلا..

– وهبي طالب في ذات اللقاء الفقهاء بالابتعاد عن السياسة وترك مجالها له ولأمثاله حتى “يتناقشوا” و”يتحاوروا” ويقرروا بكل أريحية ما شاؤوا من تشريعات وقوانين، وشدد على الطرف الآخر بأن الدين ليس ملكا للفقهاء وليس حكرا على أحد، ومن حق أي كان أن يبدي رأيه فيه ويجتهد أيضا!!

وبذلك يتأكد أن الوزير يريد أن يتعامل مع السادة العلماء والفقهاء بمنطق ديكتاتوري، يذكرنا بواقع “التقاشر”، وذلك حين عمد وهبي إلى إهانة المدير الإقليمي لوزارة الثقافة، وقال له بنبرة حادة “واش أنا وزير العدل، شنو هو الدور ديالي؟ هو الأمن، أنا المؤسسات كلها كتشتاغل معايا… شوف كانعرف عليك كلشي وكنعرف لون التقاشر اللي نتا لابس”.

أكيد أن علماء وفقهاء المغرب لا ولن يعبؤوا بتصريحات وهبي المثيرة والمستفزة، لكن هذه العنجهية والتعالي في الخطاب تكشف بالملموس للرأي العام درجة قبول الخلاف والرأي الآخر التي يصدع بها رؤوسنا المنتمون لهذا التيار.

– وبحثا عن الإثارة قام وهبي في تعقيبه على واقعة اغتصاب فتاة تيفلت بنوع من التهريج متسائلا: مَن لهذه الفتاة بعد أن تم تشديد العقاب على الجناة وتضامن الجمعيات الحقوقية وأخذ الصور مع الضحية؟

ونحن نثمن تساؤله هذا عاليا، وبدورنا نتساءل من لمئات بل لآلاف الفتيات والنساء ضحايا الزنا والعلاقات الرضائية بالمغرب، والنصوص المجرّمة لاتزال موجودة ضمن بنود القانون الجنائي الحالي، فكيف إذا تم إلغاء التجريم بالمرة وفتح باب الشر هذا على مصراعيه، من سيكفل أبناء الزنا المتخلى عنهم؟

وكيف سيكون وضع الأمهات من زنا ووضع أسرهن؟

وكم سيكلف ذلك الدولة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي؟

وأختم بالتوظيف الأيديولوجي الذي أشارت إليه الندوة في عنوانها “لن أحل ما حرم الله ولن أحرم ما أحل الله بين الدلالة الشرعية والتوظيف الأيديولوجي”.

فبالله عليكم من يوظف كلمة الملك أيديولوجيا؟

هل من له الشرعية الدينية والتاريخية والوطنية؟؟

أم من يمتح من مرجعية لادينية وافدة، ويعتبر الملكية وإمارة المؤمنين من قبيل الأنظمة المتخلفة البائدة التي تستند إلى مرجعية تراثية قديمة؟؟

فلماذا يمارس وهبي وجماعته النفاق اللائكي للوصول إلى مطالبه الخطيرة والشاذة؟؟

دعونا نقول الحقيقة كما هي فمن يرفع هذه المطالب يستهدف بشكل مباشر وصريح مؤسسة إمارة المومنين، ويسعى لتفتيتها ونزع شرعيتها بتحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، ليجعلها في مواجهة مع الشعب مباشرة.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M