الشذوذ الجنسي في الغرب رعاية قضائية ومباركة سياسية

04 يوليو 2015 19:18
الشذوذ الجنسي في الغرب رعاية قضائية ومباركة سياسية

الشذوذ الجنسي في الغرب رعاية قضائية ومباركة سياسية

ذ. طارق الحمودي

هوية بريس – السبت 04 يوليوز 2015

الشذوذ بين الإنسان والحيوان

يزعم أنصار الشذوذ الجنسي الحر؛ فضلا عن شذوذ في إطار زواج قانوني؛ أنه طبيعة حيوانية، وأن الإنسان باعتباره حيوانا لا يجوز استثناؤه من هذه القاعدة، وهو زعم فاسد كما بين Luiz Sérgio Solimeo، فالشذوذ الجنسي عند بعض الحيوانات حالة استثنائية، يكون سببها غالبا خلل في التعرف على جنس الفرد الآخر، وبالتالي فهي حالة مرضية عند الإنسان، وخلل فطري ينبغي علاجه لا تقنينه وتسويغه، فهل يجوز أن يقال عن الإنسان: إنه آكل لحوم بشرية بطبيعته، وبالتالي فيجوز ذلك أخلاقيا لأن بعض الحيوانات كذلك؟

لعل بعض الباحثين الغربيين كان محقا حينما اعترض على هذه الدعوى التي وصفت بكونها خرافة بحقيقة أخرى هي موضع اتفاق بين الجميع، وشواهدها في الطبيعة تصل إلى مستوى صياغة قانون عام لها، وهي أن الحيوانات تمتلك حس البقاء على قيد الحياة واستمرار النسل، والشذوذ الجنسي يناقضه، لأنه يخل بشرط الإنجاب.

ولذلك يذهب بعض الباحثين إلى وجوب حصر استعمال مصطلح الشذوذ الجنسي في الإنسان، باعتبار أنه حالة ناتجة عن اختيار حر، لا عن دافع ضروري في النفس كما هي الحالة الحيوانية، وهذا يقتضي أنه لا يجوز قياس الإنسان العاقل على الحيوان غير العاقل، فلا يمكن التسوية بين الإنسان والحيوان، فالإنسان يكون عادة مدفوعا في اختيار زوجه بدافع الرغبة والمتعة، بخلاف الحيوان الذي لا يحركه تجاه زوجه عادة إلا روائح الفيرومون، بقصد فطري للتوالد والمحافظة على الجنس، ومما أعجبني ما نبه عليه بعض المتخصصين من كون الاحتجاج بفطرية الشذوذ بناء على ما شوهد في العالم الحيواني ما هو إلا قراءة آثمة وموجهة للمشاهدات، بقصد إيهام النفس بحجيتها الأخلاقية.

الشذوذ في التاريخ والشرع

نعرف أن أول من جعل ممارسة اللواط ممارسة مجتمعية قوم لوط عليه السلام، وكانت عقوبتهم الشديدة دالة على شدة قبح فعلهم ومخالفته لمقتضى الفطرة والعقل والطبيعة والشرع، واليوم، تجد هذه الحالة طريقها إلى أن تصير ظاهرة مقبولة محمية بموجب القانون، وآخر من يرفع يد التحفظ عن ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي حكمت محكمتها العليا بمشروعية زواج الشاذين جنسيا، وقد أبدى رئيسها ارتياحا معربا عن رضاه مصرحا بأن الحكم حدث تاريخي كبير.

الأسس الفلسفية للشذوذ الجنسي في العصر الحديث

لا يشك أحد في أن الفكر الفلسفي الغربي كان له أثر عميق في تشكيل العقلية الغربية، وتوجيه ممارساتها على المستويات السياسية، والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وكانت الفلسفة المادية قطب رحاها، وكان لفلسفة التطور الطبيعي الداروينية أثر بالغ في تحديد موقف الإنسان الغربي من الشذوذ، فالإنسان وفقها حيوان متقدم في الترتيب التطوري، لكنه لا يخرج عن طبيعته الأولى المحركة، ومثلها فلسفة “أوجيست كونت” الاجتماعية التي رأت في الإنسان جزءا طبيعيا يجب النظر إلى تصرفاته وفهمها وفق القوانين الطبيعية، وبالتالي فدراسة الشذوذ الجنسي لا يجوز أن ينظر إليه على أنه سلوك خارج عن مقتضى الطبيعة، ومع ذلك فقد خالفت في هذا بعض الاتجاهات الاجتماعية الثائرة في وجه هذا الغباء العلمي، ومثلهما نظرية فرويد النفسية، وحضور جانب اللذة باعتباره المكون الأساس والمحرك والمفسر لطبيعة الإنسان، والشذوذ ما هو إلا محاولة للتوفيق بين الضغوط النفسية الراغبة في تحقيق تلك اللذة، وبين العقل الطبيعي الذي يريد أن يفرغها بطريقة ملائمة دون أن يحول بين النفس وبين مبتغاها شيء.

الشذوذ الجنسي المقنن في الغرب

لقد بلغت الحرية اليوم في الغرب درجة جعلت معها من حق الإنسان أن يخالف العقل والفطرة كيفما اتفق لمجرد هواه، معرضا عن كل قوانين العقل والاجتماع، ليمارس واحدة من أسخف الممارسات الاجتماعية وأسوئها، ومن أكثرها غباء على الإطلاق… فحينما يتزوج رجلان، ويتبنيان طفلا صغيرا.. فمن الذي سيناديه باسم “أبي”؟ ومن سيناديه باسم “أمي”؟ وكذلك الأمر إن كانتا امرأتين؟

نحن اليوم أمام أكثر من عشرين دولة تسمح قانونيا بزواج المثليين، من ضمنهم فرنسا أم العلمانية، واليوم تنضم الولايات المتحدة الأمريكية إلى نادي الإباحة!

حينما وقفت على خبر تقنين زواج الشواذ في الولايات المتحدة، مع ما صاحبه من مباركة من الرئاسة والهيئات المجتمعية والسياسية في مهرجان مخزي، انتبهت إلى أن مثل هذا يدل على أن مؤسستي القضاء والرئاسة في أقوى دولة في العالم عسكريا، وأكثرها تنوعا عرقيا، ومن أحدثها نشأة، وأغناها اقتصادا قد بلغتا قريبا من الدرك الأسفل القيمي والأخلاقي، وازداد وعيي بقول الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟

لقد لاحظ العقلاء أن الفكر الغربي وما يحوم في فلكه من الممارسات الفردية والجماعية، يؤول إلى الخروج عن دوائر الجمال، ومفارقة العقل، والانحدار إلى متاهات التخبط الأخلاقي المفسد للطبيعة الإنسانية، لقد اقترب العالم الغربي إلى “تسليع الكائنات البشرية“، و”التجاهل الأرعن للعلم السليم” كما يقول آل غور في كتابه “المستقبل“، وتذهب بعض الدراسات الاجتماعية كالتي قام بهاSébastien Chauvin و Arnaud Lerch إلى أن الشذوذ الجنسي عند ممارسيه يكون غالبا راجعا إلى اضطرابات نفسية في التعامل مع الذات والمجتمع، وكلها أمور تؤكد أن الشذوذ حالة مرضية، وقد أحسن عرض هذا عبد الحميد القضاة في كتابه “قوم لوط في ثوب جديد“.

يقتضي التوصيف الموضوعي الصادق أن ينظر إلى الشذوذ بحثا عن أسبابه التي يمكن أن تجمل في فساد البرامج التربوية عامة، وفي غياب المؤسسات السياسية والاجتماعية الموجهة، وتغول المادية بأشكالها التقنية والاقتصادية على حساب القيم والأخلاق، وضعف الروابط الاجتماعية والأسرية خاصة، والحل في كل هذا.. دين الله تعالى.  

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M