الحوار بين الزوجين سبيل الاستقرار والأمن الأسري
هوية بريس-د. عبد الرحمن بوكيلي
الجزء الأول:
- مجالات الحوار بين الزوجين:
الأول: حال الاستقرار.
في المجال العاطفي.
في المجال التربوي.
في المجال الاجتماعي
في مجال الشأن العام.
الثاني: حال الاضطراب.
تقديم:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على رسوله المصطفى الأمين وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين. أما بعد:
طبيعي أن نتحدث عن الحوار ونحن أمة إقرأ وأمة البيان وأمة الحجة والبرهان. طبيعي أن نرفع لواء الحوار لأن مقصدنا أن نوصل كلماتنا النيرة إلى القلوب. طبيعي أن نعلي من شأن الحوار إذ أزمتنا كبيرة في محاورة ذواتنا حتى أصبح الواحد منا غريبا عن نفسه وعن آماله. طبيعي أن نتحاور في موضوع الحوار لأن أكبر أزمة نعيشها هي انطواء الواحد على نفسه وسواد ثقافة أسكت فذاك خير لك، ومن صمت نجا، وكأننا نقرأ شطر الحديث الصحيح ونغيب تماما الشطر الثاني. «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت».
فالمطلوب أن تقول خيرا، والاستثناء أن تصمت. واأسفاه! لا يتقن الكثيرون لا حسن النطق ولا حسن الصمت!
وجميل أن نتحدث عن الحوار الأسري عموما والحوار بين الزوجين خصوصا إذ الأسرة مصنع الرجال ومطبخ القيادات، ويكفيها فخرا أنها أول مؤسسة عرفتها البشرية.
ولنا هاهنا أن نتساءل:
ما منزلة الحوار في خدمة المودة والرحمة بين الزوجين؟ وكيف واكب مراحل العلاقة بينهما؟ وما هي عوائق الحوار المثمر بينهما؟ وهل من قواعد يُنَبَّه عليها من أجل الحوار المطلوب؟
- مجالات الحوار بين الزوجين.
تبين مما سبق أن الحوار من أساسيات تكوين الأسرة وإبرام العلاقة الطيبة المثمرة بين الزوجين، كما أنه صمام أمان سيرها وتحقيق وظائفها. لَمَّا كان كذلك لم يكن من المستغرب أن نجده حاضرا بقوة وبفاعلية في كل المجالات المرتبطة بالزوجين، وفي كل الأحوال التي تمر بالعلاقات الأسرية. فنجده حاضرا في حال الاستقرار والهناء والسعادة، كما نجده مُعْتَمَدا لتجاوز القلاقل والاضطرابات المهددة لها. وبيان ذلك وفق محورين:
الأول: حال الاستقرار.
ففي حال الاستقرار وسلامة الصلة نجد الحوار عاملا مهما في الرقي بالروابط الأسرية، ومساعدا فعالا على تحقيق أسمى النتائج العاطفية والتربوية والاجتماعية.
ويمكن التحوار في أي شيء، بداية من الأحداث اليومية البسيطة، في شؤون الأبناء، في أسعار السلع، وصولاً إلى الحوار حول قضايا الأمة. فكرة الحوار تكمن في الأنس والدفء والحنان، في المودة والسكن، كما هو مفيد في تخفيف التوتر لدى الزوجين الناجم عن إحدى المشكلات الأسرية. باختصار المهم هو الحوار.
في المجال العاطفي.
للحوار بين الزوجين فعل السحر في تنمية المحبة بينهما، وتجديد العلاقة القلبية بينهما، وحفظها مما قد يعكر صفوها ويُذْبِل زهرتها.
إن من مهددات المحبة الصمت الذي يغرق فيه الزوجان أو أحدهما مما يشيع أجواء الجفاف والجفاء، ويوحي لكل من الزوجين بعدم رغبة الآخر فيه وتضايقه منه، فيفتح المجال رحبا للظنون السيئة والأفكار المشتة، ومن ثَمَّ للاختيارات الصعبة والتصرفات الطائشة.
لذلك كان نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم حريصا على محادثة أهله، ومشاركتهن مواضيعهن. فيضحك مما يضحكن منه ويتعجب مما يتعجبن منه… وهكذا… أُنْسٌ ولطف ومشاركة. فهذا هديه مع سائر أصحابه. فمن معاشرته لأصحابه ما رواه الترمذي في الشمائل: «يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه».
وكان عليه الصلاة والسلام يسمر معهن تأليفا لقلوبهن وإسعادا لهن، ويخوض معهن في حكايات لطيفة ليس لها من قصد سوى الانبساط والمرح.
فمن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب النكاح باب: حسن المعاشرة مع الأهل، ومسلم في فضائل الصحابة، باب: ذكر حديث أم زرع، عن عائشة قالت: جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا…. فذكرت حكاية مسلية أدبية لطيفة… فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع».
ومن أروع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في باب إشاعة المودة بين الزوجين، إِذْنُه عليه الصلاة والسلام بمخالفة الحقيقة في الحديث العاطفي بين الزوجين. ففي سنن أبي داود عن أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ قَالتْ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُرَخّصُ في شَيْءٍ مِنَ الْكَذِبِ إِلاّ في ثَلاَثٍ، كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لا أَعُدّهُ كَاذِباً الرّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النّاسِ، يَقُولُ الْقَوْلَ وَلا يُرِيدُ بِهِ إِلاّ الإصْلاَحَ، وَالرّجُلُ يَقَولُ في الْحَرْبِ، وَالرّجُلُ يُحَدّثُ امْرَأَتَهُ وَالمَرْأَةُ تُحَدّثُ زَوْجَهَا».
في المجال التربوي.
تربية الأبناء والعناية بهم من أخطر وأهم وظائف الزوجين، ويكفي بيانا لذلك ما نبه عليه النبي صلى الله عليه وسلم من أن الوالدين هما المؤثران الأساسيان في حياة أبنائهما إيجابا أو سلبا. ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه».
هذا وإن الخصومات بين الزوجين وغلق منافذ التواصل والتحاور والتعاطف بينهما من أكبر العوامل الكامنة وراء انحراف الأطفال ونزوعهم نحو العنف والرذيلة. في حين يثمر الحوار والتقارب وتغليب منطق الكلمة وسحر التعبير على غيره، نتائج مباركة وثمار يانعة.
فمن ثمراتها أن يتعلم الأبناء احترام الآخر والتأدب معه والصبر عليه، لما يرونه من مثال تطبيقي بين الأب والأم.
ومن ثمراتها أن ينشأ الأطفال على حسن استعمال منطق العقل وقوة الكلمة بخلاف منطق السلطة وأسلوب الغلبة. وذلك لما يعيشونه من أجواء التشاور وتبادل الرأي المنبثقة من قوله تعالى واصفا المؤمنين: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» (الشورى:38(، تلك الأجواء المخالفة تماما للفرعونية والجبروت التي ذكرها الله عن فرعون قائلا: «قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ» (غافر 29(.
ومن ثمراتها أن ينعم الأبناء بأجواء المحبة والرحمة والتعاون مما ينمي مشاعرهم ويشبع أرواحهم ويغذي عواطفهم.
ومن ثمراتها أن يتمرن الأبناء على قاموس المحبة والمودة والرحمة والاحترام، من خلال الكلمات الطيبة التي يسمعونها، والأساليب الجميلة التي تشربتها قلوبهم. وأن تنفر أذواقهم وأسماعهم من الكلمات النابية والمصطلحات الجارحة.
ومن ثمراتها تعاون الزوجين على تربية أبنائهم وحسن رعايتهم، محققين التكامل لا التضارب، مستفيدين من قواهم مواهبهم مجتمعة.
في المجال الاجتماعي.
وهذا مجال من المجالات التي ينشط فيها الحوار الأسري كثيرا. إذ وجود الزوجين في المجتمع وارتباط مصالحهم بمصالحه وطبيعة التأثير والتأثر بينهما يجعل قضايا المجتمع حاضرة على مائدة الأسرة باستمرار.
وفائدة الحوار الأسري في هذا المجال لا تخفى بالنسبة للأسرة وللمجتمع. فالأسرة وهي تتداول قضايا مجتمعها تصبح مؤهلة للاستفادة من الإيجابيات منها وينالها نصيبها من ذلك، في حين يجعلها ذلك في بعد عن القضايا السلبية. كما أنها بهذه المتابعة تكون على استعداد من الناحية المبدئية للإسهام في تقوية عوامل الخير وتحجيم عوامل الشر. إضافة إلى أن انشغال الزوجين بمشاكل المجتمع وتداولها يجعلهم بشكل تلقائي أكثر قدرة على تجاوز مشاكلهما الخاصة والترفع عنها.
وقد كانت إثارة قضايا المجتمع من أهم المواضيع المتداولة في بيت النبوة. من ذلك ما أخرجه الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ أَنّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا. فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ. فَأَعْطَتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً. وَرَفَعَتْ إِلَىَ فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلُهَا. فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا. فَشَقّتِ التّمْرَةَ، الّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا، بَيْنَهُمَا. فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا. فَذَكَرْتُ الّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: «إِنّ اللّه قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النّار».
في مجال الشأن العام.
والشأن العام من مواضيع الحوار الأسري بامتياز، مما يرفع من سقف الاهتمامات بين الزوجين ويُرَشِّد سلوك الأسرة ككل في مضمار المشاركة الفاعلة في سياسة المجتمع.
ولعل أبلغ مثال نقدمه لهذا المعنى الحوار بين النبي عليه الصلاة والسلام وزوجه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها يوم صلح الحديبية لما تردد الأصحاب رضي الله في متابعته يوم أمرهم بالتجرد من الإحرام ونحر الهدي وما دخلوا مكة بعد. فأشارت عليه رضي الله عنها برأي حصيف أنهى الأزمة وأعاد المياه إلى مجاريها.
ففي صحيح البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: “…فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «قوموا فانحروا واحلقوا». قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، قام فدخل على أم سلمة، فذكر ذلك لها، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم بكلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حلاقك فتحلق! فقام فخرج فلم يكلم منهم أحدا حتى فعل ذلك. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما”.
الثاني: حال الاضطراب.
ما ذكر فيه إشارات إلى الحوار وجدواه في مختلف المجالات حال استقرار الأسرة وسلامة العلاقة بين الزوجين. والحوار يبقى سيد الموقف في حالة نشوب النزاعات وتردي العلاقات بينهما.
بل العجيب أن انعدام الحوار أوضعفه ونزوع الزوجين إلى التقوقع حول الذات من أبرز أسباب النزاع والشقاق. فوفقا لما ورد في دراسات عديدة، نذكر منها: الدراسة الإحصائية التي أعدتها “لجنة إصلاح ذات البين” في المحكمة الشرعية السنية في بيروت-لبنان عام 2003 تبين فيها أن انعدام الحوار بين الزوجين هو السبب الرئيسي الثالث المؤدي إلى الطلاق. وفي دراسة علمية أعدها الباحث الاجتماعي علي محمد أبو داهش، والذي عمل 18 سنة في مكاتب الاجتماع بالرياض والمتخصصة في حل المشكلات الاجتماعية وأهمها الطلاق، تحت إشراف مجموعة من الباحثين الاجتماعيين، أوضح أن أهم أسباب الطلاق المبكر هو عدم النضج، وعدم التفاهم، وصمت الزوج.
فالحوار أهم ما يعتمد عليه في الحيلولة دون التباعد والتنازع، فوجوده، مهما كان بسيطاً، يساعد على وجود إحساس بالدفء والترابط والحنان في الحياة الزوجية.
وفي حالة وقوعها فهو أهم ما يستند عليه في الوقوف على أسباب النزاع والتعاون على تجاوزها. والأصل أن يكون الأمر مقتصرا على الزوجين دون تدخل ثالث حفظا لبيضة الأسرة وصيانة لأسرارها. فإذا لم يفلح الزوجان في فك ما بينهما من نزاع، يتم الالتجاء إلى محكمة عائلية مصغرة. قال تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» النساء 35. قال الإمام القرطبي رحمه الله: “والحكمان لا يكونان إلا من أهل الرجل والمرأة؛ إذ هما أقعد بأحوال الزوجين، ويكونان من أهل العدالة وحسن النظر والبصر بالفقه. فإن لم يوجد من أهلهما من يصلح لذلك فيرسل من غيرهما عدلين عالمين“.
……………………………………………………………………يتبع
الجزء الثاني:
- عوائق الحوار الهادئ بين الزوجين.
أولها: نظرة النقص والدونية إلى الطرف الآخر.
ثانيها: معذرة أنا مشغول.
ثالثها: عقبة التلفزة والأنترنت.
رابعها: الفقر في الثقافة الأسرية.
- قواعد ذهبية من أجل حوار يعزز الاستقرار والأمن الأسري.
أولها: النية الصالحة والقصد الحسن.
ثانيها: الهدوء وسعة الصدر.
ثاثها: أدب الحديث.
رابعها: اختيار الوقت المناسب.
خامسها: لغة الجسد.
- عوائق الحوار الهادئ بين الزوجين.
للحوار كل ما سبق من الفضل والخير، لكن المفارقة العجيبة أنه لا تكاد تخلو أسرة في مجتمعنا من أزمة الحوار بين الزوجين! إلى درجة أن ألفنا النزوع إلى الصمت وتفضيله على سائر الكلام ليبقى الكل على راحته حسب التعبير المتداول!
فما هي يا ترى العوائق التي تحول دون حوار جاد مفيد إيجابي بين الزوجين؟
يمكننا تسطير جملة من أبرز العوائق وأكثرها خطرا:
أولها: نظرة النقص والدونية إلى الطرف الآخر.
فقد تجد رجالا تهيمن عليهم نظرة النقص إلى المرأة عموما واعتقادهم أنها ضعيفة الشخصية عديمة الفهم، وأن حديثها غير مفيد وأنها لا تهتم إلا بالمشتريات وغالباً ما تنحصر مواهبها في التسوق ونقل الأحاديث، لذلك فإن تقبلهم للحوار معها قد يكون صعباً.
والمؤمن المتفقه في دينه بحمد الله بعيد عن هذه النظرة بريء منها براءة الذئب من دم يوسف، وذلك لما نعلمه من الإسلام من تكريم المرأة ولما قصه الله علينا من نبوغها ورجاحة عقلها. وما قصة ملكة سبأ بخافية، وقد سبق الحديث عن استشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة، كما أن إسهام خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها ومشاركتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم برأيها ومالها ونفسها أصبح مضرب الأمثال.
وقد نجد من النساء المتعاليات على أزواجهن بفهمهن ومالهن وجاههن، مما يضطره إلى التحصن بالصمت من سخريتها وتسفيهها له.
فواضح أن هذه عقبة كأداء في وجه التعايش والتواصل بين الزوجين تستلزم جهودا علمية وتربوية لتجاوزها، كما تستلزم النظر في الكفاءة بين الزوجين قبل إبرام عقد الزوجية، سواء تعلق الأمر بالكفاءة المالية أو الاجتماعية أو بالكفاءة العلمية التربوية.
ثانيها: معذرة أنا مشغول.
وهذه عقبة أخرى أمام الحوار بين الزوجين، تتمثل في انخراط الرجل في أعمال كثيرة خارج بيته لا تدع له مجالا البتة للنظر في أحوال أسرته وزوجته. فلا يأوي إلى منزله إلا منهك القوى مغمض العينين مطبق الشفتين. في حين يجد زوجته متعبة بكثرة الصمت محتاجة إلى من تحادثه ويحادثها. فيجتمع النقيضان وتحدث الكوارث. فلا تسمع من زوجها إلا “عذرا أنا مشغول” أو “عذرا أنا متعب”
وأقول هاهنا: إن جوهر الفقه ولب الحكمة أن تعطي لكل ذي حق حقه. لقد قال سلمان لأبي الدرداء رضي الله عنهما وقد شغلته العبادة عن فراش زوجته: “إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، لأهلك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه.” وعلق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم على ذلك قائلا: «صدق سلمان» والحديث في صحيح البخاري.
ثالثها: عقبة التلفزة والأنترنت.
دعيت إلى مدينة لإلقاء محاضرة حول الأسرة، وقبل الموعد إتصلت بي بعض النساء من هناك يلتمسن مني تنبيه الرجال على حقوق أزواجهن، ويخبرنني أن التلفزة قد شغلت عددا من الأزواج عن محادثة زوجاتهن وحسن معاشرتهن. فنظرت في فحوى هذا الاتصال مليا وأدركت فعلا أن التلفزة والأنترنت والهاتف وما إلى ذلك قد تتحول إلى جدار سميك بين الزوجين.
والعاقل من وفقه الله إلى تنظيم وقته وتحقيق التوازن في حياته، والله الموفق للصواب.
رابعها: الفقر في الثقافة الأسرية.
وهذا داء هذا العصر، إذ حرم فيه الإنسان عموما من فقه الأسرة من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فهذه أسر تعد بالآلاف تتكون دون فقه وبلا ثقافة إلا ما كان من ثقافة الأفلام المصرية والأمريكية والأوربية البعيدة في عمومها عن سنة الله ورسوله.
- قواعد ذهبية من أجل حوار يعزز الاستقرار والأمن الأسري.
في عجالة هذه قواعد منتقاة من أجل حوار بناء مفيد، الغرض منها توجيه الزوجين إلى مسائل وأساليب عميقة التأثير والنفع بعون من الله تعالى.
أولها: النية الصالحة والقصد الحسن.
وذلك بأن يكون كل واحد من الزوجين عازما في قرارة نفسه على إسعاد الآخر، وحريصا على إنجاح العلاقة الزوجية، ومجتهدا في اختيار الكلمات والمواقف المفيدة للآخر.
وهذا الإحساس القلبي والقصد النفسي أساسي في تحقيق كل خير. والله تعالى يكرم صاحبه بالتوفيق ويحقق له أعظم مما تمناه. قال تعالى: «إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا» الأنفال 70.
ثانيها: الهدوء وسعة الصدر.
فالحلم والأناة والاستعداد لسماع الآخر دون ضجر ولا تضايق من الأخلاق العظيمة التي تمكن الإنسان من حسن التواصل مع الناس والتقرب إليهم. وقد أثنى النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك قائلا لأشج عبد القيس: «إن فيك لخُلُقَيْن يحبهما الله: الحِلْمُ والأنَاة.» وهو داخل الأسرة أعظم لأن من شأنه تشجيع كل من الزوجين على التحاور دون خوف ولا انزعاج.
ثاثها: أدب الحديث.
الكلمة مسؤولية وأمانة. فبالكلمة يدخل الإنسان في الإسلام وبالكلمة قد يخرج منه. وبالكلمة قد يرقى إلى أعلى عليين وبالكلمة قد ينزل إلى أسفل سافلين. ففي صحيح البخاري، عن أبي هريرة،
عن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: «إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالاً يَرْفَعُ اللَّهُ تَعالى بها دَرَجاتٍ، وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّمَ» والكلمة الطيبة صدقة كما نطقت بذلك أحاديث رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.
وما هذه المنزلة للكلمة إلا لما ينتج عنها من المحبة والتقارب والتعاطف. لذلك كانت الكلمات الطيبات المفعمة بالأدب من أهم ما يفيد في تنشيط الحوار بين الزوجين وتفعيل التواصل بينهما وتشجيع كل منهما على الاقتراب من الآخر والتحدث إليه دون خوف من سوء ظن ولا كلمات جارحات ولا سب ولا استهزاء. فالمؤمن ليس لعانا ولا طعانا ولا همازا ولا لمازا.
رابعها: اختيار الوقت المناسب.
كثيرا ما يفشل الحوار بين الزوجين ويتحول إلى عتاب متبادل وربما إلى تخاصم وتنافر بسبب عدم اختيار الوقت المناسب. فقد لا تصبر المرأة على ما يغلي في جوفها فتفاجئ زوجها بكم من الأسئلة وهو ما يزال عند عتبة الباب فيحدث ما لا تحمد عقباه. وقد يحاول الرجل محاورتها وهي غارقة في العمل المنزلي من طبخ أو تنظيف… فلا يجد منها آذانا صاغيا ولا قلبا مستوعبا لما يردده فتأتي النتائج عكسية.
لذلك كان لا بد من اختيار الوقت المناسب المتسم بالهدوء والسكينة راحة البال.
خامسها: لغة الجسد.
التواصل الجيد كما يقول علماء هذا الشأن يتم عبر ثلاث وسائط: الكلمات والصوت ولغة الجسد. وتمثل هذه الأخيرة 55 %. فابتسامة الإنسان وإشاراته ونظراته وتفاعلاته… كل ذلك مما يسهم في تعزيز الحوار المثمر. وقديما قيل: لسان الحال أفصح من لسان المقال.
ومن هدي النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان بساما وكان إذا كلم أحدا إلتفت إليه بكليته ولم يكن عليه الصلاة والسلام فظا ولا غليظا ولا صخابا، وكان لا يرفع صوته أكثر من الحاجة… فما أحوجنا إلى هذه الآداب وهذه الأخلاق لننعم بالحوار الهادئ في مؤسساتنا الأسرية المؤسس على التواصل الجيد.
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين والحمد لله رب العالمين