نقطة نظام

28 يناير 2022 11:44
تفاعلا مع ما جاء في تدخل رئيس حركة التوحيد والإصلاح.. ملاحظات بسيطة ذات دلالات كبيرة

هوية بريس – د. ادريس أوهنا

كثر الكلام فجأة عن الفساد داخل الجامعة المغربية، وبوتيرة غير مسبوقة، مما يضع ألف علامة استفهام عن الدوافع الحقيقية وراء هذه الحملة المسعورة، ووراء إطلاق ما حقه التنسيب، وتعميم ما حقه التخصيص، ناسين أو بالأحرى متناسين قداسة ونبل الرسالة العلمية والتربوية، التي يتشرف بحملها بكفاءة وأمانة عدد كبير من السادة الأساتذة رجالا ونساء، وإن أساء إليها بعض السفهاء، وخرج عن سننها -بفتح السين- بعض الأنذال الأشقياء.

وعملا بالقاعدة الأصولية: “الشاذ يؤخذ به ولا يقاس عليه”، فإني أرى في تقديري المتواضع أن ما يؤخذ به في هذه (النازلة أوالناذلة) هو وضع ذلك الفساد النسبي، أخلاقيا كان أو غير أخلاقي، في سياقه العام، أي في سياق بواعث وجوده، وهي كثيرة بلا شك، غير أن من أبرزها: “الفساد النسقي” الذي أريد له أن يعم مؤسسات الدولة والمجتمع ككل؛ بحيث يحارب النزهاء والأمناء في جميع الإدارات والمسؤوليات، ويطلق العنان للمفسدين والرويبضات، حتى بات من ينتصر للأخلاق والقيم كالنعجة الجرباء منبوذا مستبعدا، ومن يذبحها ذبحا مرغوبا مقدما.

وظهر ذلك للعيان حتى في أوثق الوزارات صلة بالمقدس، والتي تسعى إلى تجميد الخطاب الديني -في الجامع والمجتمع ثم الجامعة- باسم تجديده. أي نعم، تجميد الخطاب الديني عن ملامسة القضايا الحقيقية والأمراض المتفشية، وحصره في إطار الشكلانية والسطحية و(الشطحية)، ومن تجرأ على أن يخرج من بيت الطاعة، يتم توقيفه بجرة قلم، حتى اختلطت علينا ألفاظ: “التوقيف”، و”التوفيق”، و”الأوقاف”، وكأنها -وليست في اللغة كذلك- من جذر واحد، لا يقبل بغير تقديم “القاف” على “الفاء”: “وقف”.

فالمسألة إذا لا تتعلق بأزمة أخلاق هنا أو هناك، بل بأزمة أخلاقية أريد لها أن تعم المجتمع بأسره، وتسلخه عن هويته وأصالته، والفاعلون في المشهد يمسكون بالأزرار من وراء البحار، ساعين إلى تنميط القيم وقواعد السلوك الإنساني بتوظيف مدروس ومحكم لوسائل إعلامية وإعلانية ومعلوماتية وغيرها، غاية في التأثير والخطورة، وهو ما نلحظ آثاره في فضائنا العام؛ بحيث لا تكاد تخطئ العين مظاهره وتجلياته في معظم التعبيرات الخارجية لبني جلدتنا؛ ولذلك ما أخطأ من اعتبر مجتمعاتنا تعيش المرحلة الاستعمارية الثالثة بعد الاستعمار العسكري والاستعمار الاقتصادي، وهي مرحلة أخطر وأشد؛ لكونها استعمارا شاملا وشموليا.

وجراء التطبيع النفسي والسلوكي مع القيم الدخيلة الفاسدة؛ نقع فريسة ما اصطلح عليه د.عبد الوهاب المسيري بالعلمنة الشاملة للسلوك، وساق له أمثلة كثيرة في الجنس واللباس والطعام والعمل ولغة التواصل وأوقات الفراغ والسياحة والرياضة وغيرها.

ونتيجة هذا الغزو الثقافي القيمي، الذي صادف قابلية للاستعمار لدينا، وإحساسا بالدونية، ورغبة جامحة في تقليد الغالب، وليتنا قلدناه فيما ينفع، أصبحنا للأسف الشديد أمام مجتمع مبرمج، وإنسام موجه ذي البعد الواحد، وهو البعد المادي الطبيعي؛ فهو من جهة إنسان اقتصادي، لا غاية له إلا تحقيق الربح والمنفعة المادية، ومن جهة أخرى إنسان جسدي غرائزي، لا هم له إلا البحث عن اللذة الحسية.
والخطير في الأمر توظيف “العلم” وأهله في خدمة تلك الأهداف الخسيسة، بوعي أو بغير وعي من المنتسبين إليه، حتى باتت الثورة العلمية المعاصرة متحكما فيها بنسبة كبيرة من مؤسسات استعمارية مؤدلجة، لا تتمتع بحيادية العلم المفترضة وموضوعيته. فكان ما كان مما تطاير دخانه اليوم من امتداد الفساد الأخلاقي والمالي ليطال بعضا من كيان النخبة، المفروض فيها الممانعة والمقاومة لكل أشكال الفساد، بل المنتظر منها تحصين المجتمع من الوقوع فريسة المسخ الثقافي والفجور الأخلاقي.. وتبقى القبعة مرفوعة لكل إطار تربوي نظيف ومخلص، وكما نقول باللسان المغربي الدارج: “ما عمر لملح ما كتدود”، فاللهم رد كيد الشامتين في نحورهم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M