جاء تصعيد النظام السوري وحلفائه من هجومهم على مدينة حلب، شمالي سوريا، منذ الـ21 من شهر أبريل الماضي، بعد يوم واحد على تعليق “الهيئة العليا للمفاوضات”، التي تمثل وفد المعارضة الرئيسية، مشاركتها في مفاوضات جنيف؛ احتجاجا على استمرار خروقات قوات النظام وحلفائه لـ”اتفاق وقف الأعمال العدائية”، الذي دخل حيز التنفيذ في 27 فبراير الماضي.
وبدلا من تخفيف قوات النظام وحلفائه من هجماتهم لامتصاص غضب المعارضة صعدت من هجماتها على المناطق التي تسيطر عليها الأخيرة في حلب؛ ما أوقع المئات من الضحايا من المدنيين، في خطوة رأت قيادات فاعلة في المعارضة وفي الثورة السورية، في أحاديث منفصلة مع “الأناضول”، أنها جاءت بتنسيق روسي أمريكي؛ بهدف دفع “الهيئة العليا للمفاوضات” للعودة إلى طاولة مفاوضات جنيف، وإجبارها على تقديم تنازلات.
واعتبر رئيس المكتب السياسي في “مجلس قيادة الثورة السورية” (تشكيل سياسي معارض)، ياسر النجار، ما يجري في حلب رسالة “مباشرة موجهة إلى وفد المعارضة المفاوض؛ لتقديم تنازلات تصب في مصلحة النظام، وتستجيب لتناغم الموقفين الروسي والأمريكي من الجرائم المروعة التي يرتكبها النظام في حلب”.
وأضاف، في اتصال هاتفي مع “الأناضول”، أن روسيا تسعى “بالتنسيق مع الولايات المتحدة إلى إرغام الوفد المفاوض على تقديم تنازلات تتعلق بالتراجع عن تعهدات سابقة ملزِمة لروسيا والولايات المتحدة، والقبول بالعودة عن قرار تعليق الجلسات في جنيف مقابل وقف النظام السوري والطيران الروسي قصف المدينة”.
واعتبر النجار أن واشنطن “لم تفعل ما يجب عليها فعله لوقف ما يجري في حلب متذرعة بتفاقم الأوضاع وخروجها عن السيطرة؛ وهي حجج غير مقبولة، كما أنها غير مُبَرَرة مع اليقين بقدرتها (أي: واشنطن) على فعل الكثير”.
وبينما يدعو وفد النظام السوري إلى حل للأزمة في البلاد يتمثل في تشكيل حكومة تشاركية بين المعارضة والنظام مع ترك أمر بقاء رئيس النظام “بشار الأسد” في الحكم من عدمه إلى الشعب؛ حيث يقرره عبر انتخابات، تتمسك المعارضة بعدم استمرار الأخير في أي مرحلة انتقاليه في مستقبل سوريا.
على النحو ذاته، رأى الناشط السياسي، وأحد أبرز وجوه الثورة السورية في مدينة حمص (وسط غرب)، خالد أبو صلاح، في تصعيد طيران النظام والطيران الروسي من قصفه لمدينة حلب “ورقة من أوراق الضغط على الوفد المفاوض للعودة إلى طاولة المفاوضات ضمن السقف التفاوضي الذي يتلاءم مع مصالح النظام وشروطه”.
وفي اتصال هاتفي مع “الأناضول”، اتهم أبو صلاح موسكو وواشنطن بـ”الشراكة” فيما يحدث حاليا من “جرائم” في حلب، مرجعا رأيه إلى أن “المصلحة الأمريكية تتمثل في استنزاف جميع أطراف الأزمة السورية والجهات والدول المساندة، مثل تركيا ودول الخليج العربية وروسيا وإيران، إضافة إلى استنزاف طاقة المقاتلين عموما الجهاديين وغير الجهاديين”.
كما اتهم “المنظومة الدولية (عموما) بالتورط في الدم السوري”، والسعي إلى تدمير “حلب التي تعد المعقل الأهم للثوار السوريين”.
المسؤول السابق للعلاقات الخارجية في الجيش الحر، العقيد الركن خالد المطلق، رأى، أيضا، أن “تناغم موقف وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) مع نظيره الروسي (سيرغي لافروف) في تحميل مسؤولية ما يجري في حلب للنظام والمعارضة معا؛ يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأنهما متواطئان في عملية إعادة إنتاج النظام السوري ورئيسه”.
واستنكر ما وصفه بـ”الانحياز الظالم للولايات المتحدة وروسيا في مساواتهما بين الضحية والجلاد”.
وانتقد المطلق الموقف الدولي عموما، وموقف “مجموعة دول أصدقاء سورية”، بصفة خاصة، من “جرائم الإبادة التي يتعرض لها السوريون في حلب والمدن الأخرى” دون أن يحرك هذا “المجتمع الدولي المنافق (حسب تعبيره) ساكنا”، حسب تعبيره.
القيادات الفاعلة في المعارضة وفي الثورة السورية، التي تحدثت مع “الأناضول”، طرحت، أيضا، رؤيتها لكيفية مواجهة ما تتعرض له حلب، ومواجهة التنسيق الأمريكي الروسي في هذه الصدد.
إذ طالب “المطلق وفد “الهيئة العليا للمفاوضات” بإعلان انسحابها نهائيا من مفاوضات جنيف.
واعتبر استمرار إعلان الهيئة التزامها بحضور مفاوضات جنيف “مضيعة للوقت”، ورأى أن ما يتم التصريح به من قِبل مسؤولين دوليين أو إقليميين أو مسؤولين في وفد المعارضة المفاوض “لن يؤدي إلى تحقيق أي مصلحة للشعب السوري بشكل عملي”.
كما قلل من أهمية تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس، التي تحدث فيها عن أن التوصل إلى هدنة في حلب “بات وشيكا”، معتبرا أن هذه التصريحات “لا تعني الكثير”.
ولفت في هذه السياق إلى “عدم التزام النظام بالاتفاقيات السابقة دون أي إجراءات رادعة” من الجهات الراعية لمفاوضات الحل السلمي، كما أشار إلى “تعرض بلدة دير العصافير لأكثر من عشرين غارة جوية خلال الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء، وهي بلدة مشمولة باتفاق الهدنة (التهدئة المؤقتة) في الغوطة الشرقية لريف دمشق”.
وفي ختام حديثه، شدّد المطلق على أن “خلاص الشعب السوري لا يمكن أن يكون إلاّ بإسقاط نظام بشار الأسد”، وعبّر عن قناعته بأن “الأسد لا يمكن أن يتنازل عن السلطة استجابة لمخرجات مؤتمر أممي أو مفاوضات أو قرارات تصدرها الأمم المتحدة”.
وأكد على أن “السبيل الوحيد لخلاص الشعب السوري هو إسقاط النظام عن طريق استخدام القوة فقط”.
وفي هذا السياق، كشف النجار عن تشكيل “جيش الفتح” (يضم عددا من فصائل المعارضة المسلحة) “غرفة عمليات لمنع سقوط مدينة حلب بالكامل بيد النظام”، مؤكدا على وعود حصلت عليها الفصائل بأن تلعب كل من “تركيا والسعودية دوراً إيجابيا في دعم غرفة عمليات جيش الفتح خلال الأيام القادمة”.
الحقوقي السوري خالد شبيب، رئيس المنظمة الدولية لحقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية مستقلة مسجلة في بريطانيا، رأى، من جانبه، أن الحل الوحيد لما يجري في حلب يتلخص في قيام كل من “تركيا والسعودية وقطر بدعم الثوار في حلب بالأسلحة النوعية القادرة على قلب الموازين العسكرية لصالح معركة تحرير حلب التي تمهد لتحرير كل المدن السورية”، على حد قوله.
واعتبر في حديث مع “الأناضول”، أن هذا الدعم قد يشكل “ورقة ضغط إضافية بيد ممثلي الثورة السورية في مفاوضات الحل السياسي؛ بما يتيح عاملا إضافيا للضغط على المجتمع الدولي الذي أبدى تراخيا في التعاطي مع الأحداث التي تشهدها مدينة حلب”.
ومشيرا إلى حجم التصعيد الكبير لقوات النظام وحلفائه في حلب، قال شبيب إن “أكثر من عشرين حيا من الأحياء “المحررة” في المدينة تتعرض لهجمات “منظمة على مدار الساعة تجاوزت 1300 غارة جوية في شهر أبريل، وحوالي 75 غارة خلال الأيام الأربعة الأولى من شهر مايو راح ضحيتها نحو 400 شهيد”، حسب إحصاء لمنظمته.
وأكد أن ما يقوم به النظام السوري في حلب يرقى إلى توصيف “الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية”.
وكانت الجولة الثالثة من المحادثات الرامية لإيجاد حل سياسي للحرب في سوريا انطلقت في 13 أبريل الماضي، لكنها تأزمت بإعلان “الهيئة العليا للمفاوضات” تعليق مشاركتها بها في الـ20 من الشهر ذاته؛ بسبب تصعيد قوات النظام وحلفائه للقتال، وعدم اتخاه خطوات على صعيد إطلاق سراح المعتقلين أو السماح بدخول المساعدات.
ومنذ 21 أبريل الماضي، تتعرض أحياء مدينة حلب، شمالي سوريا، لقصف عنيف عشوائي من قبل طيران النظام السوري، وروسيا، لم تسلم منه المستشفيات والمنشآت الصحية، وكذلك المدنيين، فضلاً عن تدهور الأوضاع الإنسانية هناك، وهو ما أعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاءه، واعتبرت استهداف المشافي “انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي”.
وأمس، قال وزير الخارجية الروسي، بعد اجتماع مع المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، إن التوصل إلى اتفاق هدنة، يشمل حلب، “بات وشيكا”، لافتا إلى أن عسكريين من الولايات المتحدة وروسيا قد يعلنون قرارا بهذا الشأن “في الساعات المقبلة”.