محاربة المفسدين السياسيين مهم.. لكن متى ستحارب الدولة المفسدين باسم “حقوق الإنسان”؟

05 مايو 2024 11:02

هوية بريس – إبراهيم الطالب

اعتقلت الدولة في الأشهر الأخيرة مجموعة من رجالاتها، ومن كانوا مقربين منها يستفيدون من هذا القرب في تحصيل الإثراء غير المشروع، وتبديد المال العام من خلال استغلال المناصب والنفوذ، ثم أغلقت الحدود في وجه مسؤولين آخرين وبرلمانيين ورؤساء جماعات، الأمر الذي يتضح معه أن الدولة المغربية تبرز قوتها في محاربة الفساد، وتعطي الانطباع لدى المواطنين أن الإصلاح لن يكون عبر الأحزاب ولا عبر السياسة، وإنما عبر الدولة والقصر.

فإذا نجحت الدولة بمعناها التاريخي “المخزن والقصر” في تفكيك بنيات الفساد، فعلى الأحزاب السياسية القديمة التي استنفدت مبررات وجودها، وشاركت في استفحال الفساد أن تحل نفسها وتختفي من الوجود السياسي.

وكل هذا يعطي الأمل في الإصلاح، ويؤكد على أن الدولة عازمة على تخليق الحياة السياسية والاقتصادية العامة؛ وكل هذا لا يسعنا إلا أن نثمنه ونشد على يد المسؤولين النزهاء، ونطالب بالاستمرار في هذا الطريق بشرط ضمان العدل والمساواة بين كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين المشبوهين.

لكن بصفتنا دولة مسلمة، فأول ما ينبغي على الدولة حفظه هو دين المغاربة، إذ لا حياة ولا آخرة لهم إذا فسد دينهم واضمحلت عقيدتهم، وانتشر بينهم الكفر والفسوق والعصيان، وانتكسوا إلى الجاهلية الأولى التي جاء الإسلام ليَقلِبها توحيدا واستسلاما لإرادة الله، وهذه الأولوية لا تفيد الترتيب الزمني من حيث تحصيلهما، إلا في حالة التعارض بين تحقيق المقصدين الكبيرين: حفظ الدين وحفظ المال.

والقصد من هذه المقدمة هو المشاركة في توسيع النقاش “البئيس” الذي اضطر المغاربة إلى الخوض فيه، مع هذا التغول العلماني اللاديني لمغاربة لا يعرفون هويتهم، بل يعادونها ويزورونها ويحاربونها؛ فلم يعد من قبيل السر أن العلمانيين يدعون المغاربة إلى ممارسة الزنا باسم العلاقات الرضائية، وممارسة اللواط باسم الحريات الفردية، وإذا حملت الفتيات من السفاح والزنا يطالبون بإباحة الإجهاض لهن، باسم حرية المرأة في جسدها، ولا يرون بأسا أن تتزوج المغربية المسلمة من الملحد والكافر والنصراني واليهودي، ويدعون إلى رفع العقوبات عن الخمور، بل إلى الكفر البواح بالله، فيجيزون في مطالباتهم للمغربي الذي أصله مسلم وهويته مسلمة، أن يقبل من أبنائه أن يرتدوا أو ألا يومنوا بدين أصلا، وكل ذلك باسم حرية الضمير.

فهل يعقل أن تناقش هذه الأمور الخطيرة المهدِّدة لدين المغاربة وعقيدتهم في بلاد حكمها الإسلام 15 قرنا، أي منذ كانت فيها دولة وفيها إمارة للمؤمنين ضاربة في التاريخ؟؟

بل لماذا نحن مجبرون أصلا على مناقشة هذه الكبائر والموبقات وهذا العفن في بلاد أكثر من 99.99 في المائة من ساكنيها مسلمون موحدون؟؟

ومتى ستحارب الدولة المفسدين المتوارين خلف الدفاع عن “حقوق الإنسان”؟

قد يميل بعض العلماء والدعاة والمفكرين إلى القول الذي ينصح بعدم مناقشتهم، امتثالا لكلمة سائرة درج العلماء على ترديدها، وهي: “أميتوا الباطل بعدم ذكره”، وهذا صحيح، لكن في مرحلة نشأة الباطل، أما عندما يصبح الباطل متغوِّلا وتخرج من رأسه قرون كقرون الوعول، يصير الرد عليهم وبيان باطلهم، وتفنيد شبههم وصدّ عدوانهم من أوجب الواجبات كما هو منصوص عليه في كل المذاهب الأربعة للمسلمين، وكما تفرضه نصوص القرآن والسنة قبل ذلك.

إن اضطرار العلماء والمفكرين الجادين إلى نقاش الطائفة اللادينية له ما يفسره، بغض النظر عن وجوب القيام بواجبهم في حفظ الدين والدفاع عن حرماته وأحكامه وتصوراته للكون والإنسان والحياة،  فهؤلاء اللادينيون ليسوا مجموعة من المغاربة مغرر بهم، وليسوا مجموعة من المنحرفين يُرْشدون إلى الحق، وتُبيّن لهم سبيل المؤمنين ليروا بوضوح أن ما يتخذونه سبيلا، هو سبيل المجرمين؛ بل كلهم منخرطون عن إيمان ووعي، في منظمات وجمعيات مرتبطة مباشرة بأكبر منظمة في الكون: منظمة الأمم المتحدة، ويستصنمون شريعتها وتصورها للكون والإنسان والحياة، ويناضلون باستمرار لتنفيذ كل ما تفرضه فرضا على دولنا ومجتمعاتنا، ومع ذلك هم لا يكتفون بذلك بل يحاربون العلماء ويسفهون أحكام القرآن والسنة، ويزورون التاريخ، ويشككون في القطعيات من الدين والشريعة، ويحاربون مظاهر التدين والاستقامة.

وسنقوم في هذه العجالة بتفكيك بعض هذه الإشكاليات المذكورة، من خلال تسليط الضوء على أجزائها التالية:

– الأمم المتحدة.. مع من؟ وضد من؟

– حقوق الإنسان../ من هو هذا الإنسان؟

– الاتفاقيات الدولية تفرض بالقوة والضغط

– إناطة مهمة المراقبة ورفع التقارير والنضال للمنظمات والجمعيات الحقوقية داخل البلد.

 

– الأمم المتحدة.. مع من؟ وضد من؟:

بالرجوع إلى تاريخ العلاقات بين الدول الأوربية في مرحلة ما قبل إنشاء منظمة الأمم المتحدة سنة 1945، أي مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، يتبين أنها كانت تحاول أن تتحد فيما بينها ضد الدول والمجتمعات التي كانت تستهدفها بحملاتها الإمبريالية، حتى تقلل من تكلفة سياساتها التوسعية، فانطلاقا من مؤتمر برلين 1884-1885، والذي قسم إفريقيا بين الدول الغربية الإمبريالية،  وهذه الدول رغم تبنيها لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها يوحد بينها الرغبة الدفينة والتي أصبحت مكشوفة، في استغلال ثروات القارة السمراء وإلى الآن.

لقد حاولت الدول الغربية أن تبقى متحدة ولو على الأقل في موقفها من باقي دول العالم التي كانت تتخبط في معضلات الفقر والجهل والتخلف، لكنها لم تستطع، ليدخل العالم مرحلة الحرب العالمية الأولى، فتقتل خلالها الملايين من الدول المستعمرة، ثم يحاول بعدها الساسة الغربيون الرجوع إلى طاولة محاولات وحدة المنهجية في استغلال الأمم، لينشئوا لهذا الغرض منظمة “عصبة الأمم” قصد تنظيم الحملات الإمبريالية وتقسيم أقاليم دولة الخلافة العثمانية، هذه المنظمة بدورها ستفشل في الحفاظ على الوحدة بينها، لتضارب المصالح بين الشركات المتعددة الجنسيات والتي تتحكم في الدول وجيوشها، ليدخل العالم في أتون الحرب العالمية الثانية، والتي ستعرف دمارا هائلا لدول أوروبا، ستستغله أمريكا في الهيمنة على مسرح الأحداث الدولية، رغم تنافسها الشرس مع الاتحاد السوفياتي، طيلة مرحلة ما سمي بالحرب الباردة.

لكن رغم الحروب والخلافات، فإن الدارس لممارسة حق الفيتو في مجلس الأمن، يخلص إلى أن الغرب الرأسمالي والشرق الذي كان اشتراكيا يتحدون ضد مصلحة الدول التي كانوا يستعمرونها، وهذه حقائق تاريخية عصية على الإنكار، لأنها موثقة توثيقا محكما، وإنما يُشغب عليها أذيال الغرب من العلمانيين ببعض “الدراسات” و”المقالات” التافهة حتى يلمعوا صورة الغرب بأمر منه.

من هنا نخلص إلى أن نعت: “المتحدة” في وصف “الأمم” المؤسسة للمنظمة المذكورة، يحتاج إلى تقييد في استعماله من طرف الشعوب المستغلة وذلك بزيادة لفظة: “علينا” ليصير اسمها “منظمة الأمم المتحدة علينا”، وقد صار هذا واضحا بعد تداعيات العمل البطولي الذي قام به فلسطينيو غزة الأبطال، الذين يرزحون في ظل القهر والحرب والإبادة والتجويع، ولم تستطع الأمم المتحدة “علينا” صنع أي شيء لهم، فأين شعارات حقوق الإنسان، وأين شعارات تصفية الاستعمار؟

– حقوق الإنسان.. من هو هذا الإنسان؟

سيطول المقال إذا حاولنا البسط في هذه الجزئية، لذا سنشير إشارات فقط، فحقوق الإنسان إنما نشأت في أوروبا وأمريكا، نتيجة سياقات فكرية وثقافية وسياسية عرفها الغرب، تبلورت على مدى قرون، وزادته قوة واعتدادا بنفسه، ما وصل إليه من نمو اقتصادي وتقني وتكنولوجي خلال الثورة الصناعية، الأمر الذي سهل على الغرب أن يجعل من نفسه وحضارته مركزا للكون، ومن ثمَّ فرض على الكون والبشر نظرته للحياة التي بلورها، وفق سيرورة بدأت من مرحلة الحركة الإنسية بأوروبا إلى غاية تحقيق الثورتين الأمريكية والفرنسية.

إذن، هي حقوق وُضعت وفق تصورات معينة، حكمتها الحداثة الغربية التي قامت على أنقاض الدين النصراني وسقوط السلطان الكنسي، وقد أصبحت هذه الحقوق وأسسها الفلسفية وامتداداتها الثقافية بمثابة العقيدة الجديدة للإنسان الأوربي، وقد وجدت فيها الحركة الرأسمالية الإمبريالية سبيلا ناجعا في تفكيك المؤسسات الاجتماعية ومن أهمها الأسرة، ليصبح الفرد عبدا للشركات متعددة الجنسية، بعد أن أوهموه أنه خرج حرا من عبودية القرون الوسطى التي كان يحكمها النظام الفيودالي.

إذن، الإنسان المضاف إلى كلمة حقوق إنما المقصود به الإنسان الغربي، لهذا فحقوقه مكفولة ودمه سام، في حين لا قيمة لدماء المسلمين، وإن كانوا يشكلون ربع قرابة سكان العالم، فلا يستحقون أن يكون لهم من يمثلهم في مجلس الأمن بصفة دائمة، حيث يمارس حق الفيتو من طرف الدول المتحدة علينا لإبطال أي قرار في صالح المسلمين.

فهل يليق أن نسمح بفرض مفاهيم حقوق الإنسان الأوربي على المغاربة المسلمين؟ وفي طليعتها الحق في الكفر بالله، والحق في الزنا واللواط، والحق في قتل الأجنة، وهلم سحبا للحقوق المخالفة للدين الإسلامي شريعة وعقيدة وسلوكا.

– فرض الاتفاقية بالقوة والضغط:

لن نطيل في هذا الجزء فكل الاتفاقيات تفرض بالقوة وكل المنظمات الرئيسة التابعة للأمم المتحدة علينا تفرض على دولتنا تحت الضغط المستمر، لملاءمة القوانين المغربية مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية، فصندوق النقد الدولي والبنك لدولي يفرض علينا سياسات اجتماعية، تستلزم منا مخالفة الشريعة، كما تفرض علينا رفع كل التحفظات التي وضعتها الدولة لتقييد توقيعها على تلك الاتفاقيات المذكورة، كل هذا حتى تتمكن الدول الإمبريالية المتحدة علينا من عولمة نموذجها المناقض والمفتّت لكل خصوصيات الشعوب التي تستغلها.

– دور المنظمات والجمعيات الحقوقية داخل البلد:

تعتبر أغلب المنظمات والجمعيات الحقوقية المشتغلة داخل البلد -إن لم نقل كلها-، ملحقات لمنظمة الأمم المتحدة علينا، تمولها وتدربها وتنيط بها مهمة ممارسة الضغط على الدولة للاستجابة لإملاءات الدول الإمبريالية، كما تكلفها بمراقبة التطبيق الحرفي للمعاهدات التي وقعت عليها الدولة تحت الضغط، وتفرض عليها رفع التقارير حول الوضعية “الحقوقية” في البلاد، والنضال من خلال المؤسسات والندوات والأيام الدراسية لنشر الثقافة الحقوقية وفق المنظور اللاديني للكون والإنسان والحياة، والذي يرى سمو المواثيق الدولية على الشريعة الإسلامية والقرآن والسنة النبوية، والأعراف المغربية.

فوجود أغلب هذه المنظمات كان نتيجة للتسلط الغربي وهيمنته على القرارات الدولية، وتحكُّمه في جزء من القرارات السيادية للدول الضعيفة، لهذا يمكن اعتبارها أنها من أهم آلياته في منع أي محاولة للانعتاق من قبضته؛ واستئناف إعمال مقتضيات الهوية المغربية الإسلامية، وعلى رأسها تفعيل الشريعة الإسلامية على كل المستويات.

متى ستحارب الدولة المفسدين لدين المغاربة ودنياهم باسم “حقوق الإنسان” والحريات؟

وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M