هل نضحي بالكبش أم نضحي بالعيد؟

12 مايو 2024 19:07

هوية بريس – د.رشيد بنكيران

كثرت في مواقع التواصل الاجتماعي الدعوات التي يطالب فيها أصحابها بعدم إقامة شعيرة أضحية العيد هذه السنة، وقد تنوع الدافع وراء هذه الدعوات والتعليلات لها لاعتبارات مختلفة.

ونظرا لأهمية هذه الشعيرة في الإسلام ومكانتها، فإنه يحسن بي أن أقف مع هذه الدعوات ممحصا دوافعها التي تستند إليها، ومحاورا لها بالتي هي أحسن كما هو مطلوب شرعا. وبحسب ما وقفت عليه من دوافع تلك الدعوات يمكن لي أن أقسمها على الشكل الآتي:

1- طائفة دأبت على مطالبة بإلغاء سنة أضحية العيد وليس خاصا بهذه السنة فقط، بالإلغاء ديدنها معتبرة هذه الشعيرة رجعية وتخلفا لموقفها الخبيث من الإسلام نفسه. وعليه، فإن الحديث مع هذه الطائفة يجب أن يكون عن أصل الدين والاستسلام لرب العالمين، وليس عن مسألة من مسائل فروع الدين، فلا يستقيم الحديث في الفرع والأصل غير موجود، وكل حوار مع هذه الطائفة في فروع الدين إنما هو عبث وضياع للجهد والوقت يصان عنه أصحاب العقول.

2 – طائفة نظرت إلى الظروف القاسية والصعبة التي يعيشها أهلنا في أرض الصمود والعزة، والتي تفتقر إلى معظم أساسيات الحياة وضرورياتها، ففضلت أن يبذل المسلم ثمن أضحية العيد لهم ولا يضحي اكتفاء بذلك، ورأت أن هذا البذل مجزئ عن أضحية العيد. ولا شك أن هذا الدافع محط تقدير من الشرع نفسه، ويشهد له قواعد الشريعة بالاعتبار، غير أنه يتوجه لمن لا يستطيع الجمع بين بذل المال لأهل غزة وبين شراء أضحية العيد، فإنه والحالة هاته بذل المال لأهل الجهاد والمقاومة أولى بكثير من إقامة أضحية العيد، أما من له قدرة على أن يجمع بين الأمرين فالجمع أولى وأحلى، ونعمّ البذل والتضحية حينئذ والأضحية.

3- طائفة نظرت إلى الارتفاع الكبير المتوقع في ثمن أضحية العيد، وأنها بسبب هذا الارتفاع في الثمن لن يكون في مقدور فئة واسعة من المجتمع شراؤها. ولرفع الحرج عن هذه الفئة طالبت تلك الطائفة بعدم إقامة شعيرة الأضحية هذه السنة حتى يستوي جميع فئات المجتمع في ذلك؛ من باب إذا عمت هانت وإذا خصت هالت. لكن هذا النظر من الناحية الشرعية سقيم؛ لأن أضحية العيد هي أولا عبادة يقصد بها تعظيم شعائر الله، وتعطيلها بسبب عجز طائفة على إقامتها مع استطاعة أخرى انحراف بالعبادات عن مفهومها والغاية منها ومبدأ التكليف الشرعي والابتلاء، وثانيا أن الشرع حث المضحي على التصدق بثلث الأضحية على غير القادر عليها من باب المواساة، وهذا يعني أنه لم يعتبر فقر طائفة ما عذرا شرعيا لإلغاء هذه الشعيرة ونظرا مصلحيا مقبولا.

4 – طائفة خشيت أن تقل اللحوم من السوق بعد عيد الأضحى ويزداد ارتفاع ثمنها، أو تقل الماشية بشكل كبير مخلفة آثارا سلبية على وجودها في البلد مستقبلا، وهي مفاسد ينبغي تجنبها. لكن، هذا النظر ليكون صحيحا لا بد أن يعتمد على دراسة موثوقة وإحصائيات مضبوطة وانعدام الحلول البديلة المتاحة، وليس على مجرد انطباعات وخواطر مرسلة تقال هنا أو هناك، وليكون إلغاء شعيرة أضحية العيد هذه السنة شرعيا، أي منسوبا إلى الشرع، لا بد من أن يصدر من علماء ربانيين عدول بعد الاطلاع على تلك الدراسة والاحصائيات، أو من المجلس العلمي الأعلى متحملا على عاتقه مسؤولية الفتوى والتوقيع عن رب العالمين.

وأخيرا، لا أجد أفضل من وصية رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام محذرا من خطورة الكلمة غير المسؤولة؛ “إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ “. فاللهم أعذنا من جهنم ومن الكلمة غير المسؤولة.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M