د.الودغيري يكتب: حقد تاريخي
هوية بريس – د.عبد العلي الودغيري
آخر تصريح للنتن هذا اليوم، قال فيه إن إسرائيل تخوض حربًا منذ ثلاثة آلاف وخمس مئة عام. ولهذا التاريخ دلالته. لا شك أنه يشير إلى فترة خروج بني إسرائيل من مصر واجتياحهم أرضَ الكنعانيّين (فلسطين) بقيادة يوشع بن نون الذي تولَّى أمرهم بعد النبي موسى، وما أعقب دخولهم من حروب طاحنة ضد الأهالي، كان من بين نتائجها إجلاء طائفة كبيرة من الكنعانيّين الفلسطينيّين ومن كان معهم، فخرجوا في موجات، بعضُها استقر في أطراف بلاد الشام وما والاها، وبعضُها واصل طريق الهجرة إلى الشمال الإفريقي كما هو ثابت في المصادر الموثوقة. ونتيجة عداء اليهود الموروث للكنعانيّين منذ ذلك الوقت، زوّروا التاريخ وحذفوهم من سُلالة سام بن نوح، مدَّعين أن هؤلاء من سلالة أخرى هي سلالة حام، فصاروا هم الساميّين، والكنعانيون (وهم عرب قدامى) صاروا حاميّين.
ووصل هذا التزوير إلى التوراة نفسها، وانخدع به كثير من المؤرخين الكبار فكان من بينهم العلامة ابن خلدون الذي لم يجد من بين الحجج التي قدمها، لنقض صلة القرابة والدم بين العرب والأمازيع (وفيهم كثير من الكنعانيّين القادمين من فلسطين) التي قال بها وأقرَّها غيره من المؤرخين والنسّابين بمافيهم بعض نسٌابة البربر، أقوى من الاحتجاج بنص التوراة المحرَّفة. ظلت تلك الفِرية الخطيرة تستفحل وتضلل العقول وتقلّب القلوب، إلى أن انفضح سرُّها الكبير على يد المؤرخين والباحثين المتأخرين، وأكثرهم من الغربيّين والمستشرقين، الذين صحّحوا نسبة الكنعانيّين إلى سام.
ما كذب النتن ولا أخطأ هذه المرة. فخلال أكثر من ثلاثة آلاف سنة وبنو إسرائيل يخوضون حروب التزييف والنصب والغش والاحتيال ضد البشرية جمعاء، وحين كشفهم العالمُ الغربي وأراد التخلص من شرورهم بحث لهم عن أرض تجمعهم، فكانت هي فلسطين أرض الكنعانيّين القديمة.
ما كذب النتن، لكنه نطق بالمكبوت الذي يفضحه ويفضح قومه. وما هذه الحرب الهمجية التي ما زالت مستَعِرة بوحشيتها وضراوتها على أهل غزة منذ عامين تقريبًا، إلا سببًا آخر من أكبر الأسباب التي سخرها الله لإظهارهم على حقيقتهم والكشف عن حقدهم التاريخي الدفين الذي قال الرجل إن قومه ظلوا يكتمونه في قلوبهم ويطوون عليه أحشاءهم منذ آلاف السنين. حقد أصيل متجذّر، حقد أسود من سواد الليل، راسخ في أعماق الأرض منذ ذلك العهد القديم ولم تبرأ منه صدورهم ولم تُشفَ نفوسُهم ولم تبرد نارُهم بعدُ.
