غزة “غلام” العصر الحديث..!!

08 سبتمبر 2025 20:39

غزة ” غلام ” العصر الحديث..!!

هوية بريس – مسرور المراكشي

تمهيد :

إن في القصص دائما عبر كثيرة، وهذه قصة صراع بين “الغلام “و الملك، ظاهريا يعد هذا الأخير منتصرا عندما قتل الغلام، لكن ماهو النصر الحقيقي؟

إن النصر في الحروب قد لا يعني فقط احتلال أرض ما، وإنشاء قواعد عسكرية داخلها للسيطرة و تأبيد الاحتلال، وكذلك لتأمين طرق نهب ثروات هذه البلاد برا و بحرا، لا ياسادة الأمر أعقد من ذلك بكثير، إن هذا مجرد احتلال مادي يشبه قشرة غير سميكة، أو حروق من الدرجة الأولى تترك ندوبا خفيفة، سرعان ما تندمل و يشفى الوطن منها و يتعافى. إن من السهل مهاجمة قواعد العدو و مراكز القيادة، ثم تدميرها وقتل من فيها من جنود، لكن الأخطر من ذلك أن يكسب العدو معركة العقول والقلوب، وهي الأدوم و الأطول زمانا حيث تستمر حتى بعد خروج المحتل، لأن احتلال العقول كما قلنا أخطر من احتلال الأرض، وأنتم تشاهدون تأثير الفكر و الثقافة “الفرنكوفونية”، وكذلك نظيرتها “الأنجلوساكسونية”، في سلوك أجيال الدول التي كانت مستعمرة، وذلك من حيث تقليد الذوق في اللباس وتسريحة الشعر و الأكل و لغة التخاطب…، فحتى أحلام هذا الشباب المستلب، تكون بنكهة ولون المستعمر سواء الفرنسي أو الإنجليزي، و لن ينفعك في تفسيرها العودة أشهركتب ابن سيرين : ( منتخب الكلام في تفسير الأحلام )، و لتعبير هذه الأحلام لابد لك يا بالمعطي من الرجوع إلى كتب محددة، فإن كانت الأحلام فرنكوفونية الجنسية فهناك شيوخها : مثلا الشيخ الكبير ( فكتور هوجو) و الشيخان ( شارل بودلير ) و ( مونتسكيو..)، أما إن كان الحلم أنجلوساكسوني الهوى فهاكم بعض شيوخ هذه الثقافة : شيخ التفسير الكبير ( وليام شكسبير) وكذا الشيخان (جين اوستن) و ( اتشالز ديكنز )، وهكذا تعتبر الحرب الثقافية أخطر من نظيرتها المادية و أعمق منها تأثيرا، لأنه ببساطة احتلال الأرض أهون من احتلال العقول، إنه لمن المضحك أن تجد العدو الصهيوني عندما عجز عن فرض ثقافته، بعد محاولة تزوير رموز الشعب الفلسطيني و تبنيها، حاول سرقة تراثه اللامادي لطمس هويته الثقافية، و أراد كذلك فرض اللغة مع تزوير التاريخ، لكنه فشل في ذلك و لم ينجح رغم كل الدهاء و المكر، هنا ظهرت عبقرية أقصى اليمين الديني الإرهابي المتطرف، وجاء بمعادلة جديدة وهي باختصار : ( إذا لم نستطع تذويب الفلسطيني في ثفافتنا، ولم نستطع تزوير تاريخه و ثراته، و فشلنا في تهجير سكان غزة، فلنحرق إذن الجغرافيا بمن فيها ومن عليها و نبني إسرائيل الكبرى، كما هي في” التوراة” من النيل الى الفرات..)، لهذا تجاوزوا كل الخطوط الحمراء في حربهم على غزة، و اضعين هدف تدمير غزة و القضاء على حماس، وإعادة احتلالها و تهجير سكانها إلى سيناء والأردن، كأحد الإنجازات الاستراتيجية الكبرى في الألفية الثالثة، في الحقيقة لست أدري هل كتاب “التوراة” عند اليهود، هو مجرد كاب ديني فيه تعاليم الرب، أم هو عبارة عن خرائط طبوغرافية و شواهد ملكية أراضي فلسطين والعرب..!!؟لتقريب الصورة أكثر وضعت عنوان هذا المقال : ( غزة “غلام” العصر الحديث)…!! إذن فما هي قصة هذا ” الغلام” مع الملك التي حدثت قبل آلاف السنين..؟ الفقرة الأولى … و ما علاقة هذه القصة بما يحدث اليوم من قتال في غزة..؟ الفقرة الثانية …

الفقرة الأولى :

ـ قصة الغلام مع الملك الطاغية :

رأيت من الضروري سرد هذه القصة باختصار، رغم أنها مشهورة لكن قد يكون هناك من لم يسمع بها، و على كل حال هذه القصة وقعت في الزمن القديم، فمنذ آلاف السنين كان هناك ملك طاغية، نصب نفسه إلها يعبد من دون الله و بقي قومه على هذا الحال، وكان عنده ساحر كبير و لم يكن في ذاك الزمان، ساحر يجاريه في علم السحر و الكهانة، لكن في أحد الأيام كان برفقة الملك و أراد تقديم النصح لهذا الأخير، حيث قال له : ( أيها الملك لقد بلغت من الكبر عتيا، وأنا على وشك مغادرة دنياكم، و أخشى أن يضيع هذا العلم من بعدي، فأتني بفتى حاذق أعلمه السحر..)، وكانت مهمة هذا العجوز هي سحر القوم لتثبيت حكم الملك، حيث إن السحر في ذاك الزمان كان مهنة راقية، قد يصل فيها الشاطر إلى مراتب عليا، ويصبح من حاشية الملك و خاصته لهذا نفذ هذا الأخير طلب الساحر، حيث نظمت على الفور مسابقة توظيف ساحر الملك الخاص، هنا برز الغلام الذي فاز واسمه عبدالله ابن تامر، وبدأ الساحر العجوز يلقن هذا الفتى الألمعي علم السحر، لكن هذا الأخير كان عند عودته من عند الساحر، يمر على راهب يتعبد في خيمة ثم يأخذ عنه علم التوحيد، مما جعله مشوش الذهن بين ساحر يستعين بالشياطين، و راهب يأمره بعبادة الله وحده دون شريك، وفي أحد الأيام خرجت دابة قرب عين مياه، منعت الناس من الاستسقاء و حاولوا قتلها ولم يفلحوا، وجاء الغلام فأخذ حجرا صغيرا وقال اليوم أعرف من هو على حق، ثم قال اللهم إن كان الراهب على حق، و الساحر كذاب فاقتل هذه الدابة ثم رماها فماتت، عندها اشتهر بين القوم وصار يعالج الناس، بشرط أن يقولوا لا إله إلا الله ثم يشفيهم باذن الله، ولما وقف بين يدي الملك قال له قولا بليغا، و أمره بالتوبة و الإقلاع عن سحر الناس، لكن الملك استشاط غضبا وأمر بقتل الغلام، حيث حمله الجند إلى أعلى جبل و رموه لكنه نجا، ثم ذهبوا به إلى وسط البحر كي يغرقوه، لكنه نجا من جديد بفضل الله، ثم قال الملك في الجبل كان معك الله وفي البحر كذلك..!!، إذن كيف السبيل إلى قتلك..؟ عندها قال له الغلام : ( يجب أن يجتمع القوم في صعيد واحد، و تأخذ سهما من كنانتي و تضعه في القوس، و تنزع ثم تقول بصوت عال ثلاث مرات، باسم رب الغلام و ترميني بسهم هنا ثم أموت..)، ونظرا لرغبة الملك الجامحة في التخلص من الغلام، لم يفكر في العواقب حيث نسي أنه كان يدعي الألوهية، فما إن تلفظ بتلك الكلمات ثلاث مرات أمام القوم، و رمى الغلام بسهم ومات هذا الأخير من فوره، بعدها هتفت الجموع بصوت واحد : ( ٱمنا برب الغلام )، وبقى القوم يرددون تلك الكلمات وسط ذهول الملك و حاشيته، وهكذا سقط الملك “الإله” و ذهبت هيبته، و انتصرت فكرة الغلام بعد استشهاده …، إن الملك قد ربح جولة لكنه خسر الحرب، بعد أن كفر القوم به و ٱمنوا برب الغلام..!!

ـ الفقرة الثانية :

ـ غزة ” غلام ” العصر الحديث :

إنه فعلا أمر عجيب أن تتطابق قصة “الغلام”، بشكل مدهش مع ما تفعله “اسرائيل” اليوم في غزة، إذن فما هي أوجه الشبه بين قصة الغلام و” إسرائيل” مع غزة..؟ لكن قبل توضيح أوجه الشبه لا بد من الإشارة، إلى أنني أقصد بغزة هنا المقاومة المسلحة، بداية أوجه الشبه بين” الغلام ” وغزة :

ـ هناك أربع نقاط تشابه هي كالتالي :

ـ ( 1 ) :
إنما يجمع بينهما هو قوة الإيمان، بالضبط عقيدة التوحيد وأن الأمر كله بيد الله، حيث توحد هما الآية 51 من سورة التوبة ( .. قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا..) وهذا هو الذي جعل “الغلام ” يثبت في المواجهة مع الملك، وكذا المقاومة في غزة أمام عدوان الصهاينة…
ـ ( 2 ) :
ـ مواجهة حاسمة مع الكفر و الطغيان، حيث كفر “الغلام” بـالملك ” الإله ” و تحداه، كذلك فعلت المقاومة في غزة حيث واجهت الكيان الصهيوني، و رفعت التحدي في وجهه وفي وجه من ساعده، وهم حلف ( الناتو ) و المنافقون العرب ثم اعتصموا بحبل الله، وهذا هو بالضبط ما فعله كذلك “الغلام” الشهيد عند تحديه الملك الطاغية وساحره…
ـ ( 3 ) :
ذكاء ” الغلام ” وحسن توظيفه الإعلام لصالحه في المعركة، حيث طلب من الملك أن تكون المواجهة علنية و بحضور كل الناس، وكذلك فعلت المقاومة في حربها مع العدو، حيث كان للإعلام دور حاسم و استراتيجي في المعركة، منذ أول يوم أي عند انطلاق هجوم 7 من أكتوبر إلى اليوم، وما بلاغات أبو عبيدة إلا جزء يسير من معركة الإعلام الحربي..
ـ ( 4 ) :
لقد أقدم ” الغلام” على التضحية بالنفس، من أجل أن تحيا فكرة التوحيد من بعده، كذلك فعل قادة المقاومة المسلحة في غزة، حيث ضحوا بأنفسهم و قدموا الزوجة و الذرية وما ملكوا، كل ذلك من أجل أن تنبعث فكرة الجهاد من جديد، و تحيا من بعدهم لتحرير فلسطين كل فلسطين من البحر الى النهر…
ها نحن قد عرفنا أوجه الشبه بين قصة الملك و” الغلام “، مع المقاومة المسلحة في غزة، بقي أن نعرف أوجه الشبه بين قصة الغلام و الملك مع الكيان الصهيوني المجرم.. :
هناك ثلاث نقط تشابه هي كالتالي :

ـ ( 1 ) :
بداية الكيان الصهيوني في هذه القصة له صفات مشابهة للملك الطاغية، فهذا الأخير يعتبر نفسه”إلها” يعبد من دون الله، وكذلك ( إسرائيل ) تعتبر نفسها ” إله ” العصر الحديث، يركع بين يديها الكثير من الحكام طوعا وكرها، و اتخذت من بعض الحكام الخونة عربا و مسلمين، خداما و سدنة لمعبدها حيث تجبى إليه خيرات الدنيا من ذهب و فضة، تأمر فتطاع تطلب فيلبى طلبها فورا، ما يحل لها يحرم على الجميع، وما يحرم على الجميع يحل لها وحدها لا شريك معها، لا تخشى عقوبات ولا قرارات ولا أحكاما، فهي فوق القانون الدولي تختار منه ما تشاء حسب هواها، و ترفض منه ما تشاء وقت ما تشاء…
ـ ( 2 ) :
لقد تحدى ” الغلام ” الملك و واجهه أمام الجميع، و أسقط هيبته و أبطل سحره، وكشف للقوم حقيقته حيث ظهر عاريا من سلطانه و جبروته، فلم تنفع هذا الملك تعويذات كبير السحرة، الشيء نفسه حدث مع ” إسرائيل” حيت سقطت كل الأكاذيب، لقد قالت أن جيشها لا ” يقهر ” لكنه قهر على يد المقاومة الغزاوية، لقد استعملت سحر كهنة معابد الماسونية العالمية، وسحر اللوبيات لتجميل وجهها القبيح، و تبييض كل جرائم الإرهاب الصهيوني، لكن المقاومة وفي ظرف وجيز أبطلت هذا السحر، ليصبح ( شعب الله المختار ) كالجمل الأجرب، معزولا و منبوذا من كل شعوب العالم، بل حتى من بعض الدول الحليفة سابقا، و صدرت أحكام جنائية تدين مجرمي الحرب من قادته، وهي سابقة في التاريخ تحسب للمقاومة..
ـ ( 3 ) :

خلاصة القول : لقد
استشهد ” الغلام” لكن الملك لم ينتصر..!!، وكذلك “إسرائيل ” دمرت غزة و لم تنتصر ولن تنتصر، أقصى ما يمكن أن تبلغه هو مزيد من الدماء و التدمير حرقا و تجويعا، لكن النصر سيكون حليف غزة ( غلام ) العصر الحديث بإذن الله، فمع كل إشراقة شمس يصبح الكيان منبوذا و أكثر عزلة، و تغدو معه غزة و مقاومتها أكثر قبولا في العالم من أي وقت مضى، لقد تعاطف مع القضية الفلسطينية مشاهير الغربيين، من علماء أكادميين و أدباء و فاننين، و النخبة المثقفة و السياسية إضافة إلى جماهير أشهر الجامعات الأمريكية و الأوروبية، وكذلك هناك تعاطف غير مسبوق من عموم الشعوب العربية و الغربية، باختصار يوشك العالم مع هذا الزخم المتصاعد أن يقول : ( ٱمنا برب غزة و مقاومتها المسلحة، و كفرنا بالكيان الإرهابي ومن معه..).. إن شعبية الكيان الصهيوني في أفول متسارع، و شعبية غزة في تصاعد و الحسم في المستقبل القريب، لأن الأجيال القادمة ستكون أكثر و عيا و نضجا.. وسيكون من الصعب خداعها لأن غزة كشفت كل أوراق بني صهيون، غزة حرة فلسطين حرة.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
10°
19°
السبت
19°
أحد
19°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة