دور القرآن وخطرها على أحمد التوفيق ووزارته

09 يوليو 2013 23:11

المهدي حميش

هوية بريس – الثلاثاء 09 يوليوز 2013م

بالإضافة لما تعيشه الساحة السياسية بالمغرب من توتر شبه مستعصي، بين أطراف سياسية يغلب فيها طرف مصالحه الشخصية، على مصالح الشعب كافة من أجل الإطاحة بطرف ثان، برز خلال هذه الأيام صراع من نوع آخر هو قديم جديد، بين أطراف من شكل آخر في ميزان غير متوازن ومن شكل آخر.

 

لأنه وإن كان الصراع السياسي بالمغرب يعرف شدا وجذبا بين الأطراف وتوازنا في القوى أحيانا بين هذا وذاك، فإن الصراع الذي نحن بصدد فهم معالمه الآن وهو صراع ديني ديني محض، يفتقد لميزة التكافؤ وتوازن القوى.

فمنذ القرار الذي أصدره مندوب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بمراكش والمهلة التي حددها لأصحابها من أجل لم حاجياتهم وإغلاق مقراتهم التي هي مجرد دور أو بالأحرى بيوت صغيرة خصصت لتحفيظ القرآن، وتلقي العلوم الشرعية كأي علوم أخرى علانية ودون تستر، بدأت التساؤلات تطرح حول ماهية هذا الصراع الأحادي الذي وللمرة الثانية على التوالي لا تتوانى وزارة أحمد التوفيق في تنزيله بغير سند قانوني فضلا عن تبرير منطقي.

أولى هذه التساؤلات يتمحور حول السبب الحقيقي الذي يجعل درجة غليان مسؤولي الوزارة ترتفع لدرجة يصبح معها قرار ملكي صادر في وقت من الأوقات “الحارة”، يقضي بالسماح لهذه الدور باستئناف عملها “الطبيعي” بعد غلقها بنفس هذه الطريقة، يصبح لاغيا، بدون سبب واضح وحقيقي، خصوصا بعد أن ترددت الوزارة في تبريرها بين ما سمته تدريس قراءات أخرى للقرآن الكريم غير قراءة ورش عن نافع داخل هذه الدور، قبل أن يستدرك الرأس الأكبر بالوزارة الموقف ليعلن أن السبب الحقيقي غير ذلك ولا ذاك (بسبب اكتشافه لعدم معقولية المبرر الأول)، لكنه متعلق “برفض” هؤلاء “المتدينين” تسوية وضعيتهم القانونية، ليصبحوا قسرا تابعين لقانون مدارس سميت “عتيقة” لكنها في الحقيقة “عتيمة” بسبب قانون يضيق عليها في آفاق مستقبلها.

لكن وإن كنا عاجزين عن وضع تفسير حقيقي لهذه “الهجمات” المتكررة على مالكي هذه الدور القرآنية، من طرف وزير هو بمثابة مطيع لأمير المؤمنين في مملكة دستور 2011، التي من شيمها الإيمان بقيم التسامح والتعايش واختلاف الثقافات في شتى المجالات، خصوصا وإذا علمنا أن هذه الدور أنشئت بمقتضى ظهير الحريات العامة المسطر في سنة 1958، الذي يتيح لكل محترم لقوانين المغرب المعمول بها؛ إنشاء جمعية له تخدم بالأساس مصالح الشعب والمجتمع المدني، بل وحتى مصالح من ليسوا من الشعب في شيء، كما حدث مع جمعية “كيف كيف” الخاصة بالذكور اللواطيين وأيضا مثيلتها “منا وفينا” الخاصة بالإناث السحاقيات، وهما جمعيتان معترف بهما رسميا، لكنهما لم تحضيا بأي تمرد ومنع من أي جهة رسمية بالبلاد، رغم أنهما جمعيتان حديثتان حداثيتان أتيتا مع إيمان المغرب وتقدمه في مدارج الحداثة العالمية والعولمة الحضارية بهدف قلب وقولبة المفهوم الإنساني للعلاقة المقدسة بين الرجل والمرأة، بخلاف دور القرآن التي تنشط في مجال توعية المواطنين القادمين لها طوعا، بدينهم ومدارج سلوكهم وسلوكياتهم منذ سبعينيات القرن الخالي.

وأيضا وإن كنا واقفين أمام حقيقة جلية واضحة نقية، تفيد بأن هذه الدور أيضا لم تخالف بشكل أو بآخر منهج تدين المغاربة المسطر سلفا منذ عهد المولى إدريس الأول وهو الإسلام حسب مذهب الإمام مالك إمام دار الهجرة، والعقيدة الأشعرية، حيث كانت هذه الدور وحسب علمي القليل تنهج دائما منهج التركيز على ما أسماه بعض المنظرين المغاربة في وقت سابق “الإسلام بالصيغة المغربية”، وذلك باعتمادها منهاج “السلفية التقليدية” القريبة جدا من كل مذهب على حدة من أجل الجمع بين التوافقية والترجيحية، وهي الطريقة التي تكرس أيضا استنكار كل تطرف وإرهاب كيفما كان نوعه، بما فيه منهج “السلفية الجهادية” المتطرف.

ليبقى التفسير الوحيد لهذا المنع والذي لم يتجرأ أحد من المسؤولين بالبلد على تناوله بسبب حساسيته الشديدة، هو سعي وزارة الأوقاف ووزيرها إلى الاستفراد بفرض منهج وأسلوب واحد ووحيد، لتدين المغاربة بطريقتها الخاصة التي تشجع التوجه إلى الأضرحة والزوايا والمواسم “الهمجية” والتي هي بلا شك مصدر قوي لاستغنائها واستقوائها، فوزارة السيد التوفيق “حفظها الله من العين والحسد” تتربع منذ زمن طويل على عرش أغنى الوزارات الوطنية وذلك بفضل مداخيلها “الريعية” التي يعتبر السؤال عنها أو مجرد مطالبة بكشف تفاصيلها من سابع المستحيلات، والتي فاقت أرقامها كل الأرقام الفلكية بسبب “سخاء المغاربة” في “توقيفاتهم” وهباتهم “للشرفاء” وورثة الأولياء الصالحين، وكذا طمع المبتلين من الله تعالى بأمراض وعلل و”عكوسات” وغيرها في بذل الغالي والنفيس للطبقة “الشريفة” من أجل أن يأتي “الله بالعفو والفرج والتيسير.

وهذه هي النقطة التي أفاضت الكأس والتي لم يتمالك أحمد التوفيق معها نفسه ليبحث عن صيغة تأويلية في القانون 13.01، الذي لا تنتمي له بأي شكل من الأشكال هذه الدور، من أجل غلقها، على أمل أن يجد مستقبلا صيغة قانونية أخرى تسمح له بتدميرها بشكل نهائي، لأن منهج السلفية التقليدية الأساسي، وبكل بساطة يتركز على ركن ركين وأساسي، وهو توحيد الله عز وجل في حياة الفرد، انطلاقا من تنزيل كلمة الشهادة “أشهد أن لا إله إلا الله” والتي تعني عدم التوجه بالسؤال والطلب إلا للإله الذي خلق البشر جميعا، وهو ذات الإله الواحد القهار الذي قال في محكم كلامه: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ”، أي لا حاجة لوسيط يوصل لي مطالبكم فأنا قريب منكم مباشرة، وبالتالي فإن هذا المنهج متناقض أصلا وفصلا مع منهج وزارة التوفيق الصوفية، الذي يفضل فيه أن يجلس الفرد المسكين على أعتاب “ضربوز” خشبي مغطى بإزار أخضر وتحته “ميت” الله أعلم بحاله وحالنا بعده، من أجل طلب “توسطه” لله تعالى من أجل قضاء حاجاته، قبل أن يترك “شي بركة” في صندوق الشرفاء، أو يذبح عجلا سمينا يفضل أن يكون أسودا، أي “روميا” وفير اللحم، وإلا فإن الضرورة تستوجب عليه أن “يحبس ويوقف” هكتارات للولي الصالح حتى يكون الطلب “سريع التنفيذ!!“.

 

وبالتالي وانطلاقا من كل هذا فإننا سنخلص في النهاية إلى أن السيد الوزير أحمد التوفيق صاحب حق في هذا الإغلاق، إذ لا يعقل أن تضيع عنه وعن الدولة ربما، أرزاق وملايين الله أعلم بكمها وقدرها، لمجرد “شطحات فكرية” لأصحابها الذين يقولون عنها بأنها المنهج النقي، بينما يعتقدها البعض اجتهادات دينية ليست من الدين في شيء، إذ الدين هو الدين الحقيقي الذي يشبع الأفراد روحيا وينقلهم للعالم العلوي، ليتركوا بالتالي دراهمهم في العالم السفلي للذين هم أجدر باستغلالها وتقسيمها وتوزيعها، مقابل بيع وهم هو ربما أيضا من بقايا قريش قبل الإسلام لكنه ملفوف بمبدأ “طلب التسليم اتقضى حاجتك عند الله”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M