لماذا حكومة وحدة وطنية قد تكون حلا للخروج من حالة «البلوكاج السياسي» التي تعيشه البلاد؟

17 مارس 2017 22:25
الدولة و«حراك الريف».. محاولة لفهم متى بدأت جذور هذه الأزمة؟!!

هوية بريس – قاسم علوش

كلمة لابد منها:

إنني في هذه الدراسة المتواضعة لا أجزم أني قد وقعت على حل سحري لفك عقدة “البلوكاج الحكومي” الذي تعرفه بلادنا منذ اقتراع 07 أكتوبر. بقدر ما أهدف إلى لفت انتباه المعنيين بالأمر إلى التفكير بمنظور مختلف، نوعا ما، عما يتم تداوله على الساحة السياسية هذه الأيام.

فبعد مرور أزيد من خمسة أشهر على التعيين الملكي لرئيس الحكومة، وفقا لأحكام الفصل 47 من دستور 2011، لم يستطع الأستاذ بنكيران التغلب على العقبات التي وضعهتا أمامه “جبهة 08 أكتوبر” إن صح التعبير لأجل تشكيل حكومته.

في الواقع، فإن دواعي اللجوء إلى خيار حكومة وحدة وطنية، في نظري، كثيرة في ظل الحالة السياسية الراهنة التي يمر منها المغرب. إضافة إلى التحديات التي صارت تفرضها التغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة. خاصة بعد عودة المملكة المظفرة إلى الاتحاد الإفريقي بفضل المجهودات القوية والرائعة التي قام بها جلالة الملك. ففي أعتى الديمقراطيات الغربية، وفي وقت الأزمات، كثيرا ما تلجأ فيها الأنظمة السياسية باتفاق بين نخبها السياسية إلى خيار اعتماد حل حكومة وحدة طنية. خاصة إذا كانت تعيش فترة انتقال سياسي صعب. أو مرحلة سياسية لا تستطيع فيها بعض مؤسساتها الدستورية العمل بشكل عادي. أو أن هناك خطرا يتهدد التراب الوطني لتلك الدول.

عندنا في المغرب، كان دائما، التحام النخبة السياسية مع الملكية يكون حاسما من أجل تفويت الفرصة على كل من يحاول النيل من السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي للمملكة، أو النيل من وحدتها الترابية. والأمثلة على هذا كثيرة لا يسعفنا المقام هنا لجردها. وقد كان آخرها ما حدث سنة 2011 إبان الحراك المجتمعي والسياسي الذي عرفته جل الدول العربية و الذي اصطلح عليه بـ”الربيع العربي” الذي كانت نتائجه كارثية على الدولة والمجتمع في معظمها، نظرا لتحالف قوى الردة السياسية الداخلية فيها مع قوى إقليمية ودولية كبرى معادية لأي محاولة تحرر سياسي تقوم بها شعوب المنطقة، في أفق بناء أنظمة سياسية عربية مدنية وديمقراطية توفر لشعوبها الحرية والكرامة والتنمية المنشودة عوضا عن تلك الأنظمة القمعية التي ظلت سائدة لما يزيد عن نصف قرن.

وقد استطاع المغرب، بفضل انسجام المنهجية الإصلاحية التي يؤمن به ملك البلاد والذي عمل على تكريسها على أرض الواقع منذ توليه عرش المملكة. مع وجود نخبة سياسية واعية بالأخطار المحدقة بالبلاد يتزعمها حزب العدالة والتنمية تؤمن بمبدأ (الإصلاح في ظل الاستقرار)، أو ما اصطلح عليه بالخيار الثالث بين الثورة أو بقاء الحال على ما هو عليه. استطاع المغرب فعلا أن يتقدم خطوة مهمة في اتجاه دمقرطة نظامه السياسي ويتجاوب في آن مع تطلعات فئات عريضة من الشعب المغربي الراغبة في إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية ذات قيمة مضافة. مع توسيع أكبر لمجال الحريات السياسية والاجتماعية واحترام حقوق الإنسان بما يمكن من تغيير أوضاعها نحو الأفضل عملا بمقولة “بطيء لكن مستمر”.

كل ذلك، تم بنفس سياسي يقوم على مبدأ التعاون، لأجل تكريس منهج الإصلاح ومواصلة مشروع البناء الديموقراطي، بين النخب السياسية فيما بينها من جهة، وبين النخب السياسية والقصر من جهة أخرى، عوض مبدأ التنازع الذي اختارت تجارب سياسية أخرى في باقي بلدان “الربيع العربي” العمل به والذي ترتبت عنه أوضاعا كارثية بتلك الدول باستثناء التجربة التونسية.

واليوم، وفي ظل الاحترام التام للمنهجية الديمقراطية التي أبداه جلالة الملك حين قام بتعيين الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الأستاذ، عبد الإله بنكيران، بناء على نتائج اقتراع 07 أكتوبر 2016 التي منحت المرتبة الأولى لحزبه عملا بمقتضيات الفصلين 42 و47 من الدستور. وأنا هنا أود أن أشير إلى أنه يمكن اعتبار التعيين الملكي لأمين عام حزب العدالة والتنمية يوم 10 أكتوبر 2016 كان أول وأبلغ وأقوى رد على “مؤامرة 08 أكتوبر” من أعلى سلطة في الدولة حفاظا منه على الاختيار الديمقراطي للدولة. كما أعتقد أن الأستاذ بنكيران يستمد قوة صموده في وجه صانعي “البلوكاج الحكومي” ومعرقلي جهوده لأجل تشكيل حكومته لحد الآن من التعيين الملكي له إضافة إلى الشرعية الانتخابية.

    من كل ما سبق، يمكن القول، أن استكمال عملية دمقرطة نظامنا السياسي التي انخرط فيها المغرب بقوة منذ 2011 إلى اليوم. والقائمة على تراكم المكتسبات الدستورية والسياسية. وأيضا الاستمرار في فتح آفاق أرحب من الحرية وتكريس ثقافة احترام حقوق الإنسان في جميع مجالات ودواليب الإدارة والقضاء. وتقوية تخليق الحياة السياسية وإرساء دعائم الشفافية والحكامة الجيدة في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، لابد له من ضريبة واجبة الدفع من قبل كل الأطراف الحريصة على خدمة المصالح العليا للوطن وفي مقدمتها حزب العدالة والتنمية.

    في هذا الإطار أجدني متفق إلى حد ما مع أطروحة الأستاذ محمد جبرون حول ضرورة (… تأليف مبدع بين التقليد والحداثة السياسية بما يحفظ للملكية حضورها الفعلي، ويتيح للمواطنين المشاركة في السلطة، من خلال ممثليهم…) لكني أختلف معه من جهة مطالبته حزب العدالة والتنمية بالكف عن اعتبار “التحكم” خطرا على البلاد ينبغي مواجهته من منطلق أن الأستاذ جبرون يعتبر (.. أن التحكم أكثر من مجرد حزب أو شخص، بل هو ظاهرة سياسية متصلة بالملكية، لها أسبابها الموضوعية). ذلك أن “التحكم” في نظر العديدين هو عبارة عن تحالف قوى متعددة الروافد والتوجهات والمصالح يجمعها حرصها على خدمة مصالحها الخاصة أكثر من خدمة الصالح العام للدولة والمجتمع. وهي بالتالي ترفض أي توجه نحو استكمال (البناء الديموقراطي) للدولة والمجتمع و يتعارض، في نظري، في نفس الوقت مع توجهات جلالة الملك منذ اعتلائه عرش المملكة الشريفة والذي ما فتئ يؤكد على منهجه الإصلاحي والتحديثي لأساليب الحكم والإدارة بما يتماشى ومبادئ الحرية والديموقراطية والشفافية والحكامة الجيدة واحترام حقوق الإنسان ولنا في الخطب الملكية في هذا الشأن أكبر دليل.

    إلى ذلك، فإنه يمكن لقيادة العدالة والتنمية أن تطور من رؤيتها السياسية للواقع السياسي المحلي ومدى ارتباطه بالتغيرات الإقليمية والدولية الجارية. تلك التغيرات التي تؤثر إلى حد كبير على اختيارات وتوجهات النظام السياسي المغربي. خاصة، وأنه يوجد في الحرس القديم، من كان ولا يزال لا ينظر بعين الرضى لتجربة الإسلاميين في الحكم مهما بدت درجة اعتدالهم وإن كانوا قد قبلوها في الفترة السابقة على مضض.

على حزب العدالة والتنمية أن يكوم أكثر “براغماتيا” من ذي قبل. ويقبل بنصف المكسب ونصف الخسارة في آن واحد. لأجل إنقاذ تجربة استكمال البناء الديمقراطي لنظامنا السياسي بتوافق تام مع الملكية كما عرف عليه من قبل. عوض أن يتم وأد تجربة الإصلاح الحالية أو في أحسن الأحوال تأجيلها إلى أجل غير مسمى. وذلك بالتفكير جديا في حلول وسطى تقود إلى حلحلة “جبهة الرفض”/جبهة 08 أكتوبر، التي تقف خلف “البلوكاج الحكومي” الذي دخل شهره السادس حتى يتسنى له إنجاز المهمة التي كلفه بها الملك بأقل الخسائر.

أبرز تلك الحلول، في نظري، هو الدفع في اتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية تفرغ “مؤامرة 08 أكتوبر” من محتواها وتربك في الوقت نفسه “جبهة الرفض” تلك. تلك المؤامرة، التي أعتقد أنها، تتعارض مع الإرادة الملكية القائمة على احترام المنهجية الديمقراطية وصيانة الاختيار الديمقراطي للدولة.

وعليه فإن الدفع باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية يجب أن يتوخى، في نظري المتواضع، بعث ثلاث رسائل إلى ثلاث جهات وهي كالتالي:

–  رسالة طمأنة إلى “التيار التقليداني” أو “التيار المحافظ” داخل النظام السياسي بأن حزب العدالة والتنمية لم ولن ينزع يد من طاعة. وأن غاياته القصوى تتمثل في المساهمة من جهته، وبكل طاقاته، في عملية الإصلاح، إلى جانب المؤسسة الملكية وتحت إشرافها انطلاقا من حرصه على المصالح العليا للوطن وفي ظل التوجهات الاستراتيجية التي يرسمها رئيس الدولة؛

– رسالة إلى الجهات النافذة داخل مختلف القطاعات الاستراتيجية للدولة مفادها أن استمرارية هذه الأخيرة وضمان مكانة لها بين الأمم، التي تطمح للتقدم والازدهار في ظل الاستقرار، رهين بالعمل سوية على إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وأن العمل الإصلاحي ليس هو الذي يهدد مصالحهم. بل على العكس من ذلك، فإن استمرار الحال على ما هو عليه. وترك الأعطاب والاختلالات التي تعرفها مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على ماهي عليه هو الخطر عينه على مصالحهم، ومصالح باقي فئات الشعب، وعلى مصالح الدولة برمتها. بل إن العقل والمنطق يقتضي من الجميع بذل الجهد لإصلاح تلك الأعطاب حتى يتسنى لسفينة الدولة والمجتمع العبور لبر الأمان؛

– رسالة إلى مختلف الهيئات والفرقاء السياسيين والاجتماعيين، المتوجسين خيفة من النجاحات السياسية والانتخابية التي يحققها حزب العدالة والتنمية في كل المحطات، توضح لهم بالملموس، أن الحزب لا يشتغل بأي منطق هيمني أو إقصائي لمنافسيه على الساحة السياسية. بل على العكس من ذلك هو يمد يده للجميع من أجل العمل على خدمة مصالح الدولة والمجتمع وضمان الرفاه لجميع المواطنين. وأما تلك النجاحات التي يحققها حزب العدالة والتنمية فإن ذلك متعلق باختيارات المواطنين ومدى تجاوبهم مع خطابه السياسي وأن الأمر مفتوح أمام مختلف الهيئات السياسية كي تطور من خطابها وممارساتها السياسية كي تتماشى وطموحات الناخبين.

وفي الأخير، فإنه يمكن القول، أنه على جميع الأطراف السياسية التي يهمها مصلحة الوطن ان تعرف أن لا شيء يمكنه أن يستمر في هذه الدنيا، في العمل بشكل جيد، دون أن يخضع ذلك الشيء، مرة تلو أخرى، لعمليات الإصلاح والصيانة الضروريتين لاستمرار وجوده. والأمر نفسه يتعلق بالأنظمة السياسية والدول. وإلا فإن بقاء الشيء على حاله في العمل، وهو يجر أعطابه وأمراضه معه، دون أية عملية إصلاح أو صيانة هو دليل على قرب فنائه واندثاره.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M