الأمن الروحي للشعب المغربي

11 ديسمبر 2013 20:03
الأمن الروحي للشعب المغربي

الأمن الروحي للشعب المغربي

د. محمد وراضي

هوية بريس – الأربعاء 11 دجنبر 2013م

دارت ولا تزال تدور على الألسنة عندنا في مختلف المحافل، وفي مختلف وسائل الإعلام الرسمية بالدرجة الأولى، عبارة “الأمن الروحي” جنبا إلى جنب مع عبارة “الأمن الوطني”. بحيث إننا نحتار في تحديد الأهم منهما قبل المهم، والمتقدم منهما قبل المتأخر، وما تحقق منهما وما هو مجرد حلم أو مجرد أمل؟ وهل نولي أهمية قصوى للأمن الروحي قبل أنواع الأمن المتبقية الأخرى؟ أم إن الاهتمام يستدعي التوازن مع كافة تلك الأنواع المطلوبة للمواطن وللمواطنة المغربية؟

إن كان الأمن يعني الطمأنينة وراحة البال، والإحساس بالأمان والاستقرار، فإن الأمن الوطني بمفهومه الداخلي والخارجي في طليعة الأمن الذي يتطلع إلى تحقيقه عامة المواطنين، لأنه لا راحة والأمن مفقود، ولا راحة والإعلام يحمل إلينا كل يوم أنباء سيئة عن رجل اغتصب ابنته! وعن آخر قتل زوجته! وعن آخر جرد شرطيا من سلاحه وأجهز عليه! وعن آخر انتحر لأسباب مجهولة! وعن آخر فعل مثله لأنه أصبح بعد حين من المعاناة واليأس ضحية للاكتئاب؟

لن نفتح باب البحث في العلاقة بين الروح والجسد، ولن نقول عن الروح غير أنها مرادفة للنفس. وأن العلاقة بينهما علاقة تلازم واقتضاء. علاقة تبادلية يترجم عنها واقع التأثير والتأثر، إلى حد أن الانفعال مهما يكن مصدره ومهما تكن درجته، عبارة عن اهتزاز في النفس والجسم. يعني أن ما يجري على الجسم، ينعكس إن سلبا وإن إيجابا على النفس، وما يجري على النفس يترك للتو أو مع مرور بعض الوقت بصماته على الجسم.

فأن نطمئن روحيا موضوع صعب التناول، وكأننا -ونحن نسعى إلى الاطمئنان- نفصل بين الروح والجسد الذي يتحد به. وإلا ظل شأنه شأن موجود ما ورائي مفارق، لا صلة له بواقع الجسم أو بواقع البدن، وكأن الموت قد خطف صاحبه! وفي هذه الحالة، كيف نعمل على إسعاد موجود مجرد؟ مع أن المشكل واقعيا وبإلحاح هو توفير القدر الكافي من الإحساس بالراحة التي تعم النفس والجسم كليهما في الآن ذاته.

هنا نتساءل، هل كل ما يمارس منسوبا إلى الدين، يوفر لأرواحنا أمنا وسعادة، كان ما يمارس امتثالا لتوجيهات النصوص القرآنية؟ أو كان امتثالا لتوجيهات النصوص الحديثية؟ هذا إن نحن رغبنا في ربط راحة الأرواح وأمنها بالدين الحق، لا في ربطهما بالدين الذي دأب الرسميون على الترويج له وعلى طبخه! ثم على تقديمه في مآدب للجياع وللعطاش! بحيث إننا نقدمها في الظاهر بدون ما مقابل! على اعتبار أننا نؤدي واجبا تجاه ما فرضه علينا الدين الذي نعزه. لكننا في الباطن نرضي -كخدام أوفياء مطواعين مستجيبين- ما تطمئن إليه أطراف متحالفة للإغراء وللخداع! ولجني ثمار لم ينتجها الدين الحق للأمة! مما يعني أن الولائم التي تقام لإعلان الولاء لله وللرسول في مناسبات مفبركة على مقاس سياسي بعينه. وبحضور الأعراب والبوذيين والمسيحيين والغنوصيين، إنما تقام في الواقع لإضعاف الدين كمنظومة شاملة كاملة، من شأنها إن تم أخذها بعين الاعتبار، أن تعوض الفكر الظلامي السلطوي والحزبي والسياسي الذي يمارسه الحكام من المحيط إلى الخليج، تأسيا منهم بالاستكبار الدولي الذي لا يرفع في واقع أمره غير راية الاستغلال! مما أدى إلى قيام فورات أطاحت بالرؤوس، وهزمت جيوش الظلم والظلام، والتظاهر بالإصلاح لخدمة الشعوب!

فهل نريد الأمن الوطني والغذائي قبل أمن الروح؟ أم إننا نريد أمن الروح قبل هذا وذاك؟ وأمن الجسد هل نريده قبل أمن النفس؟ أم إننا نريد أمنها قبل أمنه؟ والحال أن الكل كما نرى متداخل، وأمن الوطن لا يفهم ولا يتم ولا يتحقق إلا بالأمن الشامل للمواطنين وللمواطنات!

والمصطفون أمام البرلمان وأمام مختلف الوزارات والإدارات من حملة الشهادات العليا والمتوسطة! ومن العاطلين المستعدين لبيع مجهودهم العضلي والذهني مقابل أجور، حتى ولو كانت زهيدة طفيفة، هل نوجههم إلى الاقتيات بما يقدم في مناسبات تنظيم مهرجانات مسمى الموسيقى الروحية؟ وهل نقنعهم بأن القيمين عليها وعلى الأيام المخصصة لتمجيد التصوف والمتصوفة في جهات مختلفة من بلدنا، إنما لصرفهم عن تناول الطعام والإلحاح على تحصيل ثمنه بالكد والتعب! لأن صحة الروح وصفاءه وأمنه وراحته متقدمة جميعها على صحة البدن وصفائه وأمنه وراحته؟

لا نستطيع إقناعهم -وهم ملايين عبر التراب الوطني- بأننا لفائدتهم ننفق أمولا طائلة لخدمة أرواحهم المتعبة المنهوكة كنتيجة طبيعية لا مفترضة لأجسادهم التي تعاني من الافتقار إلى التغذية الصحية الضرورية؟

لكن الدولة تصر على أن الغداء الروحي الديني قد يحل محل الغداء الجسدي، فالعمل جار “على قدم وساق منذ تعيين أحمد التوفيق -أحد مريدي الطريقة البودشيشية المقربين من شيخها على رأس وزارة الأوقاف- لاكتساح المجتمع، وخاصة نخبه المثقفة والمتعلمة، وإعادة “تصويفه” من جديد، بعد أن تراجعت الظاهرة الطرقية بالمغرب تراجعا نسبيا منذ أيام الجهاد والكفاح ضد المستعمر الفرنسي والإسباني، بسبب خذلان أغلب رموزها للجهاد، وعمالتها للمستعمر”!

فكان من مظاهر دعم حملة مشعل الفكر الظلامي الديني الرجعي، بحجة دعم الأمن الروحي للشعب وتقويته هو “تكثيف عقد وتنظيم ندوات تعنى بالتصوف والزوايا، بحيث إنه لا يمر شهر دون الحديث عن تنظيم ندوة أو تظاهرة عن التصوف. مع ترويج واسع لموضوع التصوف والزوايا من قبل مختلف وسائل الإعلام. مثل مهرجان سيدي شقير في أصيلة. ومهرجان الموسيقى الروحية. ومهرجان الثقافة الروحية في فاس. والأخيران في الواقع مهرجانان للغناء والطرب واللهو! يشارك فيهما إلى جانب فرق موسيقية للسماع الصوفي وغيرها مطربون ومطربات! بعض من هؤلاء ومن أولئك لا علاقة لهم بالتصوف، لا من قريب ولا من بعيد! حتى ولو بالادعاء! وبعض المطربات متبرجات وكاشفات الشعر، لا يختلفن عن غيرهن من المطربات مثل المطربة: أمينة أبو أمل المتخصصة في تقليد أم كلثوم! والمطربة عائشة رضوان! وبعض المغنين والمغنيات من الأجانب الذين لا ينتسبون إلى ملة الإسلام حتى بالهوية! مثل إحدى المطربات الزنجيات الأمريكيات! هذا بالإضافة إلى ورشة موسيقية، أشرفت عليها في مهرجان الثقافة الصوفية منذ أعوام، الموسيقية الفرنسية: ناتالي شاتو أرتو. والموسيقي الفرنسي: فريديريك كالمس” (عن كتابنا: “تدبير الشأن الديني والتطرف”، انظر ص:235)!

ومهرجان فاس للموسيقى الروحية، والذي هو من تأسيس البودشيشي المفرنس فوزي الصقلي، تم استبداله – بعد أن تخلى عنه لخلافات مع شركائه فيه – بما سماه: مهرجان الثقافة الصوفي. وهذا – كما توضح النشرة المعرفة به – تساهم في تمويله، إلى جانب وزارة الأوقاف، والبودشيشية، وجهات مغربية أخرى رسمية وسياحية، السفارتان الأمريكية والإسبانية بالمغرب! إضافة إلى المعهد الفرنسي بفاس المرتبط بالسفارة الفرنسية في بلدنا! وتشجيعا لمجهوداته (= الصقلي) في نحر عقيدة الولاء والبراء وتذويب الإسلام في العقائد الأخرى، فقد أدرجت الأمم المتحدة الصقلي سنة 2001م ضمن 12 شخصية عالمية ساهمت في حوار الحضارات”! (نفس المرجع ص:244-245).

ولإسداء معروف متميز باهر لأرواح المغاربة -لا لأجسادهم- وفرت الدولة أكثر من مصدر لأمنها وراحتها وسعادتها: مهرجانات تقام حول أضرحة المعروفين بالصالحين! ومهرجانات الثقافة الصوفية! ومهرجانات الموسيقى الروحية! ومهرجانات الموسيقى الجسدية! بغض النظر عن برامج تلفزية، يبلي المشرفون على تقديمها بلاء حسنا بالصوت والصورة! دون أن يدرك المخدوعون منا بأن ما يتفنن البعض في سرده من حكايات وهمية بصوت رخيم، ما هو سوى إنشاءات ملغومة دفع إلى تنضيدها نهمون إلى تحسين وضعهم المادي نهم الشرهين إلى الطعام، أو إلى كسب المال، ولو على حساب تضليل الأغلبية المخدوعة، لفائدة خدمة الأقلية الخادعة الممعنة في اعتماد المكر لضمان فرض الرأي والاستغلال والهيمنة والتوجيه المجافي للحقيقة المحسوسة على الأرض!

في حين أن الواقع المغربي يقتضي توفر الأمن السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والوطني، والتعليمي، والصحي، إذ لا أمن للروح يتحقق، والحرمان من تأسيس حزب أو هيأة أو جماعة، أو من إصدار صحيفة، أو التعبير عن الرأي قائم. كما أنه لن يتحقق والفوارق بين الفئات المجتمعية عريض جدا وشاسع! واحد مهيأ تمام التهيء لخدمة بلده لأنه مهندس، أو لأنه طبيب، أو لأنه مجاز في الفزياء، أو في الكيمياء، أو في الرياضيات، أو في مادة علمية أخرى أو أدبية، ثم تغلق أمامه كل الأبواب، و أبواه فقيران معوزان؟ وكأن الدولة تنفق أموالا طائلة لإنتاج جيش عرمرم من العاطلين الذين طالما دفعوا إلى ممارسة أعمال، لو مارسوها، وهم في مقتبل العمر، لانتهوا إلى إعالة أنفسهم وأسرهم بدون ما انتظار للتجمهر مع نظرائهم المصابين بالنكسة أمام المؤسسات الحكومية؟

وما ينتج عن غياب الأمن السياسي -بما فيه التخطيط لمستقبل المجازين- من منظور ممارسة الحكومات المتعاقبة لوظيفتها، والذي انعكس على الأمن الاجتماعي والأمن الغذائي، يمتد أثره إلى بقية أنواع الأمن التي يتطلع المواطنون إلى التمتع بها. فإذا بالدولة -وكأن زبدة كل أنواع الأمن المطلوبة- تتجسد في الأموال الطائلة التي تنفق للإضلال والتضليل والدعايات المغرضة والمنومات اللحظية العابرة! مع أنه كان بالإمكان أن تنفق تلك الأموال لتضميد جراح الملايين عبر خلق أوراش ومعامل ومصانع، خاصة متى أضيف إلى تلك الأموال ما اقترحناه من اقتراحات منذ سنوات للقضاء على البطالة ولإسعاد آلاف الأسر، والحيارى والتائهين، واليائسين وأشباه اليائسين، الذين طالما أقدم بعضهم على الانتحار، ولو عن طريق إحراق النفوس، لغياب الأمن الروحي الذي لا يمكن عزله عن بقية أنواع الأمن المشار إليها باختصار شديد!!!

وقد نكون ممنونين لحكومة الملتحين الحالية إن هي التفتت إلى ملايين الدراهم التي تدفع لكل عامل في مختلف قنواتنا الأرضية والفضائية لتقديم ما يعتبرونه من صميم الدين الحق! والذي هو في الواقع من صميم الدين المشوه الذي يدور حول الطرق الصوفية ومشايخها؟ وحول الأضرحة والقيمين عليها؟ وحول ما يسمونه بالأخلاق الدينية؟ وحوت القراءة المغربية للقرآن على هيأة الاجتماع؟ وهي قراءة لم يعرفها الرسول ولا الصحابة ولا التابعون؟

www.islamthinking.blog.com

[email protected]

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M