أخطاء تعليمنا (الحماية) بالمغرب

29 سبتمبر 2020 18:36
أخطاء تعليمنا (الحماية) بالمغرب

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

ملاحظة من المترجم:

أقدم هذا البحث للذين فرضوا الفرنسية في المدرسة الابتدائية بالمغرب المستقل، وهو لنقيب المحامين بمكناس “بول بيتان” 1955 في كتابه le drame du maroc وذلك في الفصل الرابع تحت عنوان: les erreurs de notre enseneignement، وقد ختم بـ:

(pour l`enseignement primaire, c`est un changement total de méthode que s`impose).

فإذا كانت سلطات الحماية لم تهتم ببحث النقيب، فإن بحثه يستحق توجيهه لسلطات الاستقلال بعد سبعين سنة من نهاية الحماية، عل وعسى أن يحفز على ظهور مسؤول رشيد، يعرف ضرر فرنسة المدرسة الابتدائية كما شرحه النقيب موجها خطابه للفرنسيين المحتلين.

أولا: خطأ المدرسة كعامل رئيسي للتطور

ذهل القوميون المغاربة وهم يوبخوننا، هم وبعض المراقبين الأجانب الأكثر اهتماما بانتقاد فرنسا على ما يحدث في داخل المغرب، وهو ما أصاب أيضا بعض الفرنسيين الذين أتوا للبلاد من أجل التحقيق فيما يجري به.

إنها الأمية، فإذا نظرنا لمجموع الشعب المغربي وجدنا نسبة الأمية حوالي 80%، وبالنسبة للنساء أزيد من 95%، مما يجعل الجميع يطالب بحل فوري لتطوير التعليم الابتدائي، وإنشاء المدارس في المدن والقرى (لبلاد)، إنه حل بسيط وحتى في هذا البسيط أراه مضرا لا مفيدا، لأن المبحوث عنه هو التطور الشامل للأميّ المغربي.

سيكون خطأ فادحا للفرنسيين تصورهم أن قاعدة هذا التطور العام هو المدرسة، لأن الأحداث بينت استسهال الجريمة التي ابتدأت مع بداية إقامة المدرسة على أرضنا هنا بالمغرب، لأننا اعتبرنا الإنسان دماغا حيا لكنه منعزل عن باقي أعضاء الجسم الأخرى في حين أنه ليس كذلك، إذ هو كل متكامل الأعضاء في مساحة الجسم الذي هو عبارة عن كليات، يلعب فيها الذكاء دورا مع الحساسية، والعاطفة، والتأثر، والإرادة، والقوة والجنس، حسب نظرية فرويد.

كما أن هذا الإنسان يعيش في مجتمع وبيئة يتأثر بهما سلوكه، ناهيك عن الوراثة والأسرة والمهنة التي تكون غالبا مطابقة لبيئة الأسرة في البلدان ذات الحضارة التقليدية، ناهيك عن تأثير البيئة الاجتماعية والسياسية التي يلعب فيها الدين والتقاليد والعادات والشعائر التعبدية دورا في تربية الأجيال وتنشئتها، تجعل الفرد منسجما مع ذاته ومحيطه.

فإعطاء الطفل التميز ببيئته التقليدية تعليما حديثا وعدم الاكتراث بشأن التأثيرات التقليدية المميزة لشخصيته وكينونته سيكون ذلك أفضل طريقة لتحطيم توازنه وتمزيقه وهي مع الأسف الوسيلة التي استخدمناها مع أطفال المغاربة.

ومن المفارقات التي تزيد الطين بلة أولئك الذين ينتقدون استخدامنا لها بكثير من التقتير والبخل.

ثانيا: خطأ الإنسانية الغربية في بلد تقليدي مسلم

نضيف للخطأ الأول الذي بيناه الخطأ الثاني المتمثل في الاعتقاد بأن الإنسانية الغربية التي ورثناها عن الإغريق والرومان والتي اعتدناها في عبقريتنا، كانت إنسانية عالمية، وأنه من خلال تطبيقها -كما هي عندنا اليوم- على أبناء الحضارات القديمة التقليدية المغايرة، نكون قد منحناهم هدية يشكروننا عليها ويتسارعون لاعتناقها.

في مؤتمر حول الجهود المبذولة في التدريس بالمغرب عقد بباريس في 19/2/1951 بمقر اللجنة المركزية لفرنسا ما وراء البحار، ألقى السيد ثابولت المدير الحالي للتعليم العام بالمغرب، كلمة أكد فيها بشكل قطعي أن الإنسانية الفرنسية، الإنسانية اللبرالية التي تنبثق من أدبنا، من كل تاريخنا، والتي هي الأساس اللاواعي الذي يحرك شعبنا، والتي تضمن تماسكه مهما كانت الظروف والمظاهر، هذه الإنسانية الفرنسية تتميز بالشمول، والكفاية، والسخاء، والقدرة على التأثير التام، المؤدي للترحيب بها، لتوفيقها في إضفاء روحانية جديدة على معتنقيها، وتجريدهم من كل تعصب، كما فعلت بهم الديانات القديمة التي وجدنها هناك، والتي يجب أن تختفي، وتنتهي حسب تعبير(جوبيرت) الذي قال: يجب “تدفئة القلوب من غير إشعال الرؤوس”.

ثم يشير المحاضر لما كان عليه التعليم المعطى بالمغرب قبل وصولنا إليه: “هكذا تم إبراز ذلك في هذا البلد الفقير التقي”.

إذا كانت السمة الأساسية للمدرسة في جميع بلدان العالم تتمثل في نقل القيم التي تتعلق بها الأجيال البالغة، باعتبارها الغاية المنشودة والمشتركة بين الجميع، والموحدة لهم، وهذه القيم بالنسبة للمغاربة قيم إسلامية، ويضيف بأن الفرنسيين يتحدثون بصوت عال، أنهم بمجرد وصولهم المغرب، شرعوا بإقامة ونشر تعليم مغربي حديث بين الشعب المغربي.

أنا لا أشارك فكرة السيد (ثابولت) ولا فكرة أسلافه التي ورثها عنهم، لأنه لم يكن لدي نفس التصور عن الإنسان كما فعلوا.

بالطبع يوجد في كل إنسان خلفية مشتركة، طبيعة مشتركة، توجد عند الجميع تحت كل الأجواء، في كل العهود، وعند كل الحضارات، لكن هذه الخلفية المشتركة والطبيعة المشتركة التي تسمح بالاعتقاد بإنسانية كونية، تبقى فكرة مجردة وغير واقعية إذا ما نظرنا إليها بشكل مستقل عن المساهمات الكبيرة القادمة من الظروف الاجتماعية، والاقتصادية للحياة، وفق حضارة معينة، في بلد معين، والتي تضيف للشخصية الأساسية للأفراد والمجموعات وتعدلها بعمق.

فالإنسان معقد التركيب: معطى طبيعي تنضاف له مؤثرات مختلفة تؤدي لردود أفعال منوعة بناء على العناصر الشخصية التي اندمجت، وتفاعلت، وكونت الشخصية الكلية، تطبع الأفراد داخل المجموعة، وتميز مجموعة عن أخرى، فالفلاح الفرنسي، والبرجوازي الفرنسي، والبرولتاري الفرنسي، يمثلون ثلاث كائنات طبيعتهم الأساسية متطابقة، ولكنهم مختلفون في ردود الأفعال، وتمثل العلاقات المتحدة، لأن هناك تباينا في المضيفات على الأساس الطبيعي لكل فرد منهم، فما بالك إذا انتقلنا من بلد لبلد ومن حضارة لأخرى.

وعليه يمكن القول بتعدد النزعة الإنسانية، فهناك نزعة إنسانية غربية، وأخرى مشرقية، وأخرى صينية، وهكذا دواليك، بحيث تميز كل نزعة إنسانية نفسها ببيئاتها.

إذا كنا قد أدخلنا المغاربة لإنسانيتنا الفرنسية الغنية بتنوعها، فأمر طبيعي، لأننا جلبنا لهم عقلية متفتحة، أكثر مما كان لديهم وهم منطوون على أنفسهم لعدة قرون.

لقد حاولت تبيان أن المغرب توليفة من الشرق الأوسط، فعليه الحصول على فكر منفتح على الإنسانيتين، تترجمه المدرسة، لكننا ارتكبنا خطأ بجعل إنسانيتنا هي الخلفية الأساسية للتعليم، في الوقت الذي كان يجب أن يكون العكس، بحيث تكون الخلفية هي احترام الإنسان الحقيقي بالمغرب، وتعليمه وفق ما صنعته ظروف طبيعته، وتقاليد حياته، ثم نضيف له إنسانيتنا إن شئنا، وذلك في مرحلتي التعليم الثانوي والعالي حتى لا نفقده خصائصه الحضارية التقليدية، ونجعله مشوها في تمثلاته لحضارتنا، لذلك يجب إجراء تغيير كلي على الطريقة المتبعة في التعليم الابتدائي”.

بول بيطان (ص167-172) في le drame du maroc1955

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M