إلى أصحاب بغاتها الوقت.. “المغاربة ليسوا أكباشا”

14 مايو 2023 09:10

هوية بريس – علي الرباج

سطرت نهاية الحرب العالمية الثانية، نهاية نظام عالمي، وبداية نظام عالمي جديد قائم على سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، وبدرجة ثانية الاتحاد السوفياتي الذي ما لبث أن انهار كما هو معروف، لتستفرد أمريكا بقيادة العالم تحت شعار دونه فوكوياما “نهاية التاريخ”، هذا الشعار الذي أعلن سطوة الليبرالية الأمريكية ودفن كل التصورات الأخرى عن الإنسان وعن العالم، وعن العدالة والتقدم، فالعدالة تنبع من واشنطن وتصب فيها، وأي عدالة لا تفعل مشكوك في أمرها.

لكن ما لبث أن عاد فوكوياما نفس ليعتذر عما دونه ويعترف بتسرعه في الاحتفال وإطلاق البالونات، والتي سرعان ما انفجرت في وجه العالم، خاصة مع هجوم الحادي عشر من سبتمبر، وما تلاه من أحداث وأهوال عظام، وأبرزها غزو أفغانستان واحتلال العراق، هاذين الحدثين المروعين خلفا لوحدهما أكثر من ثلاثة ملايين قتيل وملايين الجرحى وآلاف البائسين والمهجرين.

لقد طرح السؤال الذي وجب أن يُطرح من أول يوم “هل أمريكا قادرة على صناعة السلام؟”، وكان الجواب واضحا منذ زمن، فليست تستطيع دولة قائمة على نهب الشعوب الأخرى وتغيير الحكومات والتدخل في شؤون الدول، أن تحفظ السلم العالمي لأسبوع فما بالك لسنوات وعقود!

حاولت أمريكا المؤمنة بالليبرالية أن تفرض رأيها على العالم، وبكل الوسائل سواء منها ما هو الديبلوماسي الذي يرمي الورود أو ما الديكتاتوري الذي يرمي القنابل العنقودية وقذائف الهاون، وهكذا نجحت في قتل كل أمل في عالم آمن، ولكنها لم تفلح في نشر الليبرالية في هذه الدول.

ولطالما تسأل الأمريكيون “لماذا لا يحبنا العالم؟”، وكانت الإجابة لأنهم متخلفون وأغبياء أو مسلمون إرهابيون، ولم يفكر كولن باول أو تشيني مستشار الرئيس الأميركي بوش اللابن بإن ما فعلوه في العراق هو جريمة ضد الإنسانية، وكفيل لوحده  بأن يجعل الكون يكره أمريكا وحلفاءها؛ فهذا لا يخطر على بال رجال البيت الأبيض، وكل ما في الأمر بالنسبة لهم، مشاعر عداء تاريخية ونعرات دينية وجب استئصال شأفتها.

جاء اليوم الذي وحد الأمريكيون أنفسهم في مأزق لا يحسدون عليه، فالكوفيد أرهق الاقتصاد العالمي والأمريكي خاصة، وأظهر وبجلاء ضعف تدبير منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة للعالم وهما اللتان من أساسات النظام الأمريكي العالمي، ولان المصائب لا تأتى فرادى، لم يعر بوتين التهديدات الغربية أية أهمية وتدخل في أوكرانيا وسحق النازيين الجدد المدعومين من الغرب، وها هو اليوم لازال قائما على قدميه مع أن الدعاية الغربية راهنت كثيرا على سقوطه السريع.

وكعادتها سارعت أمريكا للملمة شمل العالم وتوجيهه نحو عداء الروس، ولا شك أن معظم دول العالم أدانت هذا التدخل، فهو في نظر كل عاقل احتلال لأرض دولة مجاورة وتعدٍ عل القانون الدولي، إلا أن هذه الدول لم تظهر أي تعاطف مع قضية أمريكا ومحاولة حشدها للدول، بل وقفت الدول ضدها، ولم تفلح زيارات بايدن، وفي معظم الأحيان عاد بخفي حنين أو ببعض التوقيعات وفقط، وحتى السعودية أقرب حلفاء الأمريكان، أدارت ظهرها لبايدن واعتزلته، بل ضاعفت علاقتها بروسيا في تحد واضح للإدارة الأمريكية، وعلى هذا المنوال سار رؤساء معظم دول العالم الثالث ومثقفيه.

ما الذي يحدث؟

كل ما هنالك أن اللبرالية الأمريكية تودع الحياة وهي على بعد خطوات من القبر وحفاروا قبريها الصينيون على أهبة الاستعداد، فما عادت خطابات التحرر تغري العالم الثالث والدول الصاعدة وعلى رأسها الصين، والتي كما شرحنا في مقال سابق تتجه نحو العودة السريعة للتقليدانية.

حتى الدول الأوربية المناصرة للمشروع الغربي باتت شعوبها اليوم أكثر واقعية، ورأينا أن البريطانيين صوتوا للخروج من الاتحاد الأوربي والعودة نحو التقوقع، فالعولمة الأمريكية وأسطوانة العالم الواحد انفرط عقدها، وانقطع حبل الوصال بينها وبين الشعوب الأوربية،  وفي بريطانيا كما في فرسنا كما في غيرها، تسير أوربا نحو التقوقع والعودة للذات وللوطنية، ومؤشرات ذلك واضحة على رأسها صعود غير متوقع لليمين المتطرف في معظم الدول الأوربية، فبريطانيا التي تعتبر قلب الليبرالية والإنسانية في العالم الأوربي بدأت عملية إرسال أصحاب اللجوء نحو روندا في تعارض ساره مع الأفكار التي كانت قيل سنوات تتغنى بهم الحكومات المتعاقبة، وهذا مؤشر آخر على الانقلاب الحاصل في النموذج الغربي.

باختصار شديد وبثقة الباحثين لا ثقة الجهال، نقول أن الليبرالية الغربية فشلت(ترجمة عالم المعرفة مؤلفا حديثا يحمل عنوان: “لماذا فشلت الليبرالية؟) ونحن اليوم أمام تصاعد نماذج جديدة أو عودة أخرى قديمة، ومن الدول من أدرك ذلك وفهم الرسائل، ومن الدول من لم يفعل ولازال يعتقد أن الغرب لن يسقط وأن التعويل على أمريكا سد منيع لا تستطيع الأحداث المتتالية والتغييرات له نقبا!

إن اطلاعا بسيطا على  جديد الإصدارات الغربية يحيلك على كون الناس تجاوزت العلمانية والآن نحن مع تيار “مابعد العلمانية” والذي يقوده الغني على الذكر “هابرمس” سليل مدرسة فرانكفورات، والذي يطلع على واقعنا المعرفي على صغره يكتشف أن العلمانيين المغاربة مرابطون عند عصر التنوير لم يبرحوا مكانهم.

بغاتها الأمم المتحدة

يعيش العالم ما تحدثنا عنه، وتعيش الجمعيات النسوية وبعض الشخصيات في عالم موازي، ربما يبعد عن عالمنا مليون سمة ضوئية، فلا يعقل أن نسكع بحملة جديدة تقودها نسوة لا علاقة لهن بالأفكار وكل تاريخهن مرتبط بالشاشة والمسرح، حملة لبرلة القوانين المغربية بحجة الحاجة الملحة تخت شعار “بغاتها الوقت!”.

ونحن نقول أن الوقت بغا اليوم العودة للذات والركون للثقافة المغربية العريقة المرتبطة بإنجازات قادها المسلمون وبها قادوا المنطقة وبنوا حضارة خرت لها رؤوس الغرب ساجدين، وليس العزف على نغمة التحرر التي أمست اليوم نشازاً يفسد الذوق ويخدش لوحة الوطن في عين أبناءه وعين الآخر الذي لن يندر إلينا إلا نظرة شفقة.

ويحق له ذلك ففي الوقت الذي يتغير العالم نصر على اجترار أفكار ومنظومات فشلت حتى في موطنها وتربتها، وعوض أن تنبت الزهر والزيتون أنبتت الشوك والشرور، ففي أمريكا التي تدعم الحملة تتعرض امرأة للاغتصاب كل دقيقة، وتقتل أخرى كل خمس دقائق، وتجهض أخرى كل ثانية، وهكذا من الإحصائيات المفزعة أرقامها، وحين خرج أحد اليوتوبر الأمريكيين لسؤال الناس عن أرخص سيء موجود في أمريكا، صرح ر الكثير من الشباب الأمريكي بأن ارخصها “النساء!”.

هذا صادم لمن لا يتابع الوضع عن كثب أو يكتفي بمقاطع بعض المنبطحين السطحيين ممن يعرضون مقاطع الشوارع النظيفة والمباني الشاهقة والشوارع المليئة بالناس وهم في حالة انتشاء وذهول حضاري، ويصدرون ذلك على أنه الحقيقة الوحيدة للغرب، وأن الغرب هو فعلا جنة على الأرض، إلا أن الذي عاش في الغرب أو المطلع والقارئ النهم، مدرك لحقيقة الغرب التي يخفيها البعض أو تخفى عليهم لجهلهم وقلة اطلاعهم، وربما لضحالة فكرهم، فكيف لمن يصور مقاطع يجري فيها ويلهث للحصول على ثواني مع فتاة شقراء وكأنه جمع الدنيا بما فيها أن يغذي الوعي الجماعي للناس بأفكار نيرة، هذا محال.

تحدي مفتوح

انطلاقا من دراستنا لعلم الإنسان “أنتروبولوجيا” وعلم الاجتماع، وحتى النظريات السياسية، نفهم بأن الأغلبية هي التي تصنع الثقافة المجتمعية وهي التي تحاكم الجديد فتقبله أو ترفضه، خاصة إذا كان هذا الجديد يتنافى وقيم وأخلاق الجماعة والإنسان بشكل عام ويتنافى  مع العقل والمنطق، وليس للأقليات  سوى الرضوخ للأمر الواقع، ولتقريب وجهة نظري سأعطيك مثالا حياً.

هب أن الأمريكيين المسلمين -هم أقلية دون شك- خرجوا للمطالبة بتغيير القانون الأمريكي ومعاقبة مفطري رمضان علناً!

هذا ما تفعله الجمعيات النسوية ومن لف لفيفها من الشخصيات السياسية، فهم يطالبون بشرعنة الزنا واللواط وغيرها من الموبقات في بلد إسلامي، تحت شعار الحريات الفردية.

ولك أن تتخيل كيف أن أشخاص يعدون على رؤوس الأصابع يريدون إقرار قوانين يرفضها أربعون مليون مغربي، هل يقبل أي عاقل بمثل هذه حماقة؟

وها أنا ذا في مقالي هذا، أتحدى هذه الجمعيات وكل من معها بأن تخرج للشارع وتسأل الناس عن رأيهم في تشريع الزنا، أو في طرح تصويت شعبي على هذه القوانين.

المغاربة ليسوا أكباشاً

يقول المثل المغربي “يكذوا على الميت”

هؤلاء يكذبون لا على الميت بل على الأحياء، فنحن شعب الأربعين مليون نرفض رفضا باتا مثل هذه مناقشات، ولكنهم بدعم من الإعلام الذب لا تهمه الثقافة المغربية ولا يفكر في مستقبل الوطن الذي يتخبط في بحر من التغييرات الدولية، التي تتطلب منا رس الصف، بقدر ما تهمه مصلحة فئة قليلة تخدم مصالحها الشخصية، بدعم منه ومن غيره ينشرون أفكارهم الهدامة ويحاولون التلاعب بالمغاربة بالتقليل من ذكاءهم، واستعباطهم بتغيير المصطلحات، فعوض أن يقولو زنا يقولون “العلاقات الرضائية” وعوض أن يصرحوا مباشرة أنهم فئة قليلة يتحدثون باسم المغاربة، ويكررون الكذبة ألف مرة حتى تصبح حقيقة، ولكن هيهات هيهات فحبل الكذب قصير والمغاربة أذكى من هذه الحملات وأذكى بكثير من معاهد الفكر ومرتزقة الغرب الذي يغمسون في مرقته.

إن هذه الحملة ستفشل كما فشلت سابقاتها وحتى لو سخر لها الإعلام كله، وحتى تضح الصورة أكثر لهذا التوقع، يجب أن نفهم أن الحملة جاءت بعد أن وجد من يقفون وراءها أن خرجات الوزير الذي أراد إقرار علاقات الرضائية ووجهت من قبل الشعب المغربي الأصيل الذي لا يرضى بالتطبيع مع الرذيلة تحت أي مسمى، باستهجان شديد للغاية، استطاع أن يعيد الوزير خطوتين للوراء وأكثر، فجاءت فكرة الحملة التي تقودها ممثلات لا علاقة لهن بعالم المعرفة وليس لهن اطلاع كاف يدركن به خطورة الحملة على مستقبلهن ومستقبل أبناءهن ومستقبل وطنهن، لتدعم آراء الوزير وتعزره لكي لا تختفي من الوجود وتظهر وكأنها مطلب ملح وحاسم ولا مناص منه.

وعلى ما يبدو ستتوقف الحملات لسنوات طوال وسيغير الداعمون خططتهم ولاعبهم في المغرب بعد أن تأكدوا أن هذا الشعب وهذه الثقافة المغربية صلدة وعصية على الاختراق، فالذي وقف للغزاة وطرد المستعمرين ليس يخاف الجمعيات النسوية ولا ترتعد فرائسه بتصريح وزير أو قوانين حكومة.

وصدق الملك العزيز الحسن الثاني رحمه الله حين قال:

“المغاربة أعرفهم حق المعرفة وأفتخر بهم، وليسوا أكباشا”.

هذه الجملة على بساطتها تكتب بماء الذهب في أمة تقدر مثقفيها وتاريخهم ولا تترك مجال لمن هب ودب للنيل من تراثهم التليد أحد.

آخر اﻷخبار
1 comments
  1. للأسف ربما يكون الذكي عاجزا وقليل الصبر، وهذه مشكلة كثير منا اليوم، لا نصبر على العمل بما نعلم ولا نصبر عن الشهوات. فكثير من الناس يعلمون بمخططات الأعداء لكن غلبة الشهوة عليهم لا تدفعهم إلا لاتباع لهذه المخططات. (المهرجانات، والمباريات، والمسلسلات، …). ولا مخرج من ذلك بعد توفيق الله تعالى وهداية إلا بالرجوع إلى نشر العقيدة الصحيحة والتوحيد وتثبيته في القلوب.
    فما لم ترتبط القلوب بالله وتعظمه لم تهن عليها التضحية.

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M