استراتيجية الإسلام (11).. الإيمان والاجتماع

15 أبريل 2023 15:12

هوية بريس- محمد زاوي

– الإيمان والاجتماع

لا يثبت إيمان المرء على حال، حركة دائمة، يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. “يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي الرجل مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل” (حديث شريف، أخرجه مسلم). خاضع لتقلبات النفس والمجتمع، وهي متغيرة. متحرر من هذه التقلبات، متعلق بعوالم أخرى (خارج النفس والمجتمع)، والاستعداد لهذه متغير (بحكم النفس والمجتمع). “الطاعة/ المعصية” ثنائية في العقيدة، وأيضا في السياسة. في النفس والمجتمع يصبح لهذه الثنائية مضمونٌ سياسي، وإن تهيأت لوصل بعوالم أخرى. في هذه العوالم يصبح لها مضمونٌ وجودي، وإن كانت جزءا من نظام سياسي أو مستبطنة لإيديلوجيا سياسية (لسياسة). تتغير السلطة وممارستها، فيتغير تبعا لها الخطاب الوجودي، أما غايته فواحدة، بحث عن الأصل في الذات.

في سلطة ما، هناك إمكان سياسي واجتماعي بلا شك، وإمكان وجودي كذلك. التزام تاريخي، وتحرر وجودي. “قل آمنت بالله ثم استقم” (حديث سفيان بن عبد الله الثقفي، رواه مسلم). علاقة جدلية، من الوجودي إلى الاجتماعي، ومن هذا إلى الأول. تطلب الاستقامة نوعا من الإيمان، ويتأثر الإيمان بالاستقامة. كل نوع من الإيمان فهو مدخل للوصل بالأصل، هنا إمكان التقريب بين الوجود والتاريخ، بين الإيمان والاستقامة. تميل السلطة إلى تأويل خاص يدور حول الاستقامة، فيما يميل الأفراد إلى تأويل آخر يدور حول الإيمان. الجمع بينهما حفظ للغيب والسلطة معا، الميل كل الميل إلى أحدهما إما مساهمة في الفتنة والتفرقة، وإما فصل بين الإنسان وأصله.

يستمد السؤال الوجودي حضوره من سؤالين: سؤال في “الأزل”؟ وآخر في “الأبد”؟ بينهما إما إخبار بهما، وإما عمل من عالم “السرمد”. الأنبياء والرسل، الكتب، الملائكة؛ هذه مصادر إخبار. التأويل من السياسة، القضاء والقدر ربط بين عالمين (الغيب والشهادة). إذا تحقق الإخبار، وتم الربط، وسمح بذلك التأويل؛ أجاب الإنسان عن سؤال “الأزل” بوجود الأصل (الله)، وعن سؤال “الأبد” بوجود المصير (اليوم الآخر). هذا جهازي مفاهيمي ديني صالح للخصوصية الإسلامية، وعلى أساسه وُضعت أركان الإيمان. في تجارب أخرى يتأكد نفس المضمون الوجودي، لكن بتعابير وتفاصيل أخرى.

للأركان مضمون سياسي، بالإضافة إلى مضمونها الوجودي. مضمون يعكس السلطة ويعيد إنتاجها. الحكم في الأرض بشرعية السماء، التوحيد إذن لأغراض سياسية لا تسقط عنه أغراضه الوجودية. الحاجة لخبر السماء، والغاية حفظ السلطة وفرض النظام بأمر مفارق لا يقبل التأجيل. السياسة مغامرة، تتراوح بين ضيق وسعة، الصبر على القضاء مطلب إذن. التفاوت شقاء في الأرض، على أساسه توزع الأقدر، من حُرم الأرض عوضه المصير. التخلي عن الأركان لا يهدد باضطراب وجودي فحسب، بل باضطراب سياسي أيضا.

مَن عينُه على كمال الصفات يبحث عن نقيضها في الخلق، يقارن بين خلق وخلق فيرقّي أقربهما إلى الكمال؛ قابلية للطاعة. من عينه على مطلق العلم والملك والإرادة والتدبير، يخضع لتحققها النسبي المطلق (المطلق في الأرض)؛ قابلية لتنفيذ أمر السلطة وتوخي رقابتها. من عينه على الأحقية بصرف أوجه الخضوع، يسلك بعض مسالكها في علاقته بالخلق؛ قابلية للاستئناس بأمر الخلق. للتوحيد، ربوبيا كان أم عبوديا أم صفاتيا، مضمون وجودي يمتد في علاقة الفرد بالسلطة، عقيدة فردية ذات أبعاد جماعية، سؤال وجودي يطفئ نار حيرته لا في ماء الوجود فحسب، بل في موج السياسة أيضا.

هناك حاجة ماسة لهذا الجدل، لهذه العلاقة الجدلية بين الغيب والسياسة. في العالم اتجاهان كبيران، اتجاه مادي لا يرى حاجة للغيب، وآخر روحي يعتزل الواقع السياسي. فيفقد العالم ضميره في الحالتين معا، يُغيَّب الأصل في الحالة الأولى، ويغيب رجاله ومختبروه والمدافعون عنه في الثانية. يتضاعف الإنتاج، إنتاج العملة الورقية أكثر من السلع المادية، على أنقاض أناس لا هم بالوعي المادي اللاجدلي يحلون مشاكلهم، ولا هم بحكمة القساوسة والرهبان والحكماء وفقهاء الشريعة يمسحون دموعهم ويحولون آلامهم إلى رحمة ودافع ومشاهدة ل”جنة الخلد”، ينهون بها عقيدة “خلود الرأسمال”. “كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل” (حديث شريف، رواه البخاري)، “الدنيا قنطرة، فاعبروها ولا تعمروها” (قول لعيسى عليه السلام، ذكره ابن قيم الجوزية في “عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين”).

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M