الذنوب الكبيرة

06 أبريل 2024 17:48

هوية بريس – ابراهيم أقنسوس

نستطيع أن نفهم، أن كلمة (ذنوب) تطلق عل كل أنواع الأذى والشرور، التي يلحقها الإنسان المكلف شرعيا، بنفسه وبالآخرين، ويترتب على اقترافها، من منظور الشريعة الإسلامية، عقوبات متفاوتة الدرجة، تبعا لنوعية الغلط المرتكب، ومستوى تأثيره، ما يعني أن للذنوب آثار تطول الحياة الشخصية للأفراد، كما تطول حياة التجمعات والمجتمعات ؛ فمراكمة الذنوب، والإصرار على ارتكاب الأخطاء، بنوعيها الشخصي والمجتمعي، يعني إفراغ الحياة من معانيها النبيلة، ويعني تحويل الأيام إلى لحظات كريهة، يستأسد فيها القبح والظلم والشطط، ويسود فيها الأنانيون والخونة والغشاشون واللصوص والكذابون، بمختلف درجاتهم، وألوانهم وشعاراتهم، اولئك الذين يحولون حياة الآخرين إلى ساعات من الجحيم  اليومي، وإلى لحظات بئيسة لا تنتهي ؛ وهذا هو المعنى العميق والكبير للذنوب، والذي لا يتم الحديث عنه، إنها الذنوب والآثام، التي تعيق حياة الآخرين، وتصيرها جحيما لا يطاق ؛ فليس المذنب من يرتكب أخطاء فردية، ثم يتوب منها قريبا، كما هو حال عموم المؤمنين والمؤمنات، بل المذنب الكبير هو من يرهن مصيرالآخرين، هو من يغتني ليفتقر غيره، هو من يرتاح ليتعب الباقون، هو من يستقوي بتسخير الآخرين وتعذيبهم، هو من يتقاضى أموالا بلا إنجاز يذكر، هو من يسرق عرق المستضعفين والدراويش، هو من يغش في إنجاز ما تعهد به أمام المواطنين والمواطنات، هو من يغتصب فتاة فقيرة، ثم يضطرها إلى الصمت أو الفضيحة، لأنه ابن فلان، هو من يتسبب في توقف عجلة تطور بلاده، لأنه لا يقوم بدوره، ولأن هناك من يحميه ويتستر على أفعاله، ويبعد عنه كل شبهة ؛ الذنوب مدانة، لأنها أخطاء كبيرة، تفسد أمهات الأمور، وتأتي على مرتكزات التجمعات البشرية، وتتسبب في إدامة تأخرها، هذه هي التي يجب الحديث عنها، من طرف الوعاظ والمتكلمين في الدين، وليس تلك الأخطاء الذاتية، التي تخص الأفراد في علاقاتهم الشخصية، والتي يندم على فعلها، معظم المؤمنين والمؤمنات، حتى وهم يرتكبونها باستمرار (الغيبة، النميمة.. )، والتي يمكن التخلص منها سريعا، بضمان تعليم جيد، وحياة كريمة ؛ فموضوع الذنوب يكتسي كل هذه الخطورة في الإسلام، لما له من تأثير كبير على مقدرات المجتمعات، ولما له من دور في إعاقة نهضتها، ما يعني أن الأمر لا يتعلق ببعض الأخطاء الفردية العارضة، بل بخطايا كبيرة، تهم قضايا رئيسة، يتحمل مسؤوليتها أساسا، من يدبرون شؤون المواطنين والمواطنات، فلا يعقل أن ننصح عموم المواطنات والمواطنين، بضرورة  التوبة والإستغفار من الذنوب الشخصية، ثم نغض الطرف عن أمهات الذنوب التي يرتكبها من يتحملون مسؤولية تدبير قضايا البلاد، ويتصرفون في مقدراتها وأموالها، فلا معنى لمتابعة فقير معدم، يسرق بعض الأغراض، لسد جوعته، ثم الصمت عن اولئك الذين يسرقون صناديق البلاد ومدخراتها باستمرار، وبلا حسيب ولا رقيب، فلا معنى للحديث عن ذنوب الصغار، وعدم الحديث عن ذنوب الكبار، ما يعني أن الخطاب الديني حول الذنوب يحتاج إلى تجديد وتحيين، بما يخدم المصالح العليا للبلاد، وبما يجعلنا نتقدم ولا نتأخر، نتقدم بإتيان الحسنات الفردية والمجتمعية والمؤسسية، ونتأخر بإتيان الذنوب الفردية، والذنوب المجتمعية، وهي الأكبر والأخطر؛ وفيها يثوي جزء من الجواب عن سؤالنا النهضوي، القاسي والمزمن والمؤلم ؛ لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم ؟، وإن هذا الشهر الفضيل مناسبة للتفكر في خطورة هذه الذنوب الكبير، وفرصة لعقد العزم على تركها، لأنها هي ذنوبنا الحقيقية، التي تعوقنا.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M