بنكيران: تسريبات مدونة الأسرة.. إعلان انقلاب أم جس للنبض؟!

15 أبريل 2024 14:53

هوية بريس – د.رشيد بنكيرن

نشرت بعض الجرائد الرقمية “هسبريس” و”هوية بريس” وغيرهما ما سمي في فضاء الصحافة بـ”تسريبات” للمطالب المرفوعة من طرف لجنة مدونة الأسرة المكلفة من طرف العاهل المغربي الملك محمد السادس.

ونظرا لشطط مضامين تلك التسريبات ومخالفتها للمرجعية التي حددها رئيس الدولة في خطابه الملكي السامي (لا لتحليل الحرام ولا لتحريم الحلال ولا لمخالفة قطعيات القرآن) فإن العقل يقضي بالشك في مصداقيتها، ويقف موقف الارتياب من صحة ذلك الخبر، ويحتمل احتمالا كبيرا أن تكون تلك التسريبات في حقيقتها مجرد اقتراحات تقدم بها الفريق الحداثي العلماني إلى لجنة مدونة الأسرة، وليس مطالب أقرتها اللجنة ورفعتها إلى ملك البلاد، وإلا سنكون أمام انقلاب خطير على المرجعية المحددة بصراحة ووضوح في الخطاب الملكي. يشهد لذلك أن من المطالب المسربة كانت كالآتي:

1- «تخويل صاحب المال سلطة اختيار النظام المطبق على أمواله، إما الوصية أو الميراث».

وهذا المطلب مخالف لصريح القرآن؛ لأن الله عز وجل ذكر شريعة الإرث وسماها فريضة من الله، أي أنه سبحانه وتعالى هو الذي فرضها وقضاها على المسلمين، ولا حق لأي أحد منهم في الاختيار بين شريعة الإرث أو الوصية إن كان مسلما مؤمنا بالله. يقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِن وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَمۡرًا أَن یَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن یَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَـٰلا مُّبِینا﴾.

2- «رفع القيود المفروضة على الوصية بأن تصبح لفائدة الورثة، وبأن تتجاوز حدود الثلث دون حاجة إلى موافقة الورثة».

وهذا المطلب مخالف لمجمل القرآن الذي بينته السنة، التي نصت على أنه لا وصية لوارث، وعليه الإجماع، وأن الوصية لغير الوارث لا تتجاوز الثلث إلا إذا أجازها الورثة برضاهم.

3- «استثناء بيت الزوجية من نطاق التركة، وإقرار حق الانتفاع للزوجة أو الزوج الباقي على قيد الحياة».

وهذا المطلب حقيقته حرمان أصحاب المال من حقهم الشرعي، لأن بيت الزوجية هو من التركة التي فرض القرآن تقسيمها بالعدل وفق نظام الإرث المقرر، فتخصيص الزوجة بذلك وهي لا تملك منه إلا الثمن أو الربع، أو تخصيص الزوج وهو لا يملك منه إلا الربع أو النصف حرمان أصحاب الحقوق وتغيير لمعالم الشريعة المحرم شرعا…

4- «توسيع نطاق الرد لفائدة البنات في حالة عدم وجود أخ لهم، بأن تستحق البنت في حالة انفرادها نصف التركة، وفي حالة تعددها ثلثي التركة، وذلك بالفرض، وباقي التركة بالرد، بعد أخذ أصحاب الفروض نصيبهم».

وهذا المطلب يلغي الميراث بالتعصيب مطلقا الذي دل عليه القرآن بدلالة التضمن، وعليه إجماع الأمة، وأحكمته السنة النبوية الشريفة؛ «أَلْحِقُوا الْمَالَ بِالْفَرَائِضِ، فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ». حديث متفق عليه.

5- «حذف اختلاف الدين من الموانع المؤقتة للزواج المنصوص عليها في المادة 39 من مدونة الأسرة الحالية».

وهذا المطلب يحلل الحرام المجمع عليه؛ إذ يحرم على المسلمة الزواج من الكافر تحريما قطعيا لا خلاف في ذلك؛ يقول الله عز وجل: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) سورة الممتحنة.

6- «التنصيص على تحمل الزوجين معا واجب الإنفاق على الأسرة، كل بحسب دخله ومجهوده من تاريخ العقد وعدم ربطه بالبناء».
وهذا المطلب يناقض ما جاء في القرآن الكريم إذ أوجب الله عز وجل النفقة على الزوج؛ (ٱلرِّجَالُ قَوَّ ٰ⁠مُونَ عَلَى ٱلنِّسَاۤءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡض وَبِمَاۤ أَنفَقُوا۟ مِنۡ أَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡۚ)، فهو خبر بمعنى الأمر بالنفقة ووجوبها على الرجل، فإلزام المرأة النفقة على زوجها ظلم لها وأكل مالها بالباطل، وهو محرم بالإجماع.

7- «توسيع حق المرأة في الإرث إذ يمكنها أن تستفيد من نصف الموروث في حالة غياب الإخوة الذكور، والثلثين في حالة العكس، وتوزيع باقي التركة وفق قواعد الرجوع دون الأخذ بعين الاعتبار جنسهم».

8- «توسيع دائرة الورثة حتى تشمل الأقارب بالزواج في حالة عدم وجود ورثة مباشرين لصالح المال أو الوصية، مع القطع نهائيا مع حرمان النساء من الإرث».

وهذان المطلبان يخالفان الشريعة المُحْكمة ولا يعرف لهما سند شرعي ولا عقلي سوى العبث بما شرعه العليم الحكيم.

من خلال مناقشة بعض المطالب المسربة يتبين أنها تتعارض مع التوجيهات السامية التي جاءت في الخطاب الملكي، وتخفر الضمان الذي أعطاه ملك البلاد لشعبه، فهي بين تحليل للحرام أو تحريم للحلال أو مخالفة لقطعيات القرآن، فكيف للجنة كلفها ملك البلاد محددا لها مجال الاشتغال أن تخرمه بهذا الشكل السافر.

وليس هذا فحسب، بل لو اعتمدت هذه المطالب المسربة وجعلت قانونا ملزما في مدونة الأسرة لآل الأمر في الحقيقة إلى تقويض الدستور المغربي برمته وليس فقط التوجيهات الملكية، وهذا أمر خطير يزعزع استقرار البلاد ويفتت عقده الاجتماعي، وهو أشبه بالانقلاب على ثوابت الدولة، المفضي إلى نتائج وخيمة، وبيان ذلك:

إن الدستور المغربي يقر في ديباجة التصدير:

أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة… كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها…“.

وحينما تعرض الدستور للاتفاقيات الدولية التي جعلها تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية جعلها مقيدة “في نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة”. هذه الهوية الوطنية التي تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها كما سبق التنصيص عليه.

ويعود الدستور المغربي في الفصل الثالث ويصرح بأن: “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد ممارسة شؤونه الدينية“.

وفي الفصل السابع ينص الدستور على أنه: “لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي… ولا يجوز أن يكون هدفها المساس بالدين الإسلامي..“.

وإذا استنطقنا البعد الحقوقي والمرجعي للمطالب المسربة التي تقدم بها الفريق الحداثي العلماني نخلص أن هذا الفريق صادم الهوية المغربية من كل وجه، ورام المساس بالدين الإسلامي من خلال انتهاك حرمة النصوص القطعية في القرآن الكريم وعدم الوقوف عند حدودها، ولم يضع الدين مكانة الصدارة كما هو منصوص عليه في الدستور، ولا اعتبر الإسلام دين الدولة المغربية.

وعليه، فإن المطالب المسربة أو لنقل مدونة الأسرة الحداثية العلمانية تكفي لمعارضتها للمرجعية التي حددها الخطاب الملكي لكي نحكم عليها بعدم دستورية قانونها، أما إذا انضاف إلى ذلك مناقضتها لجوهر الدستور المغربي على عدة مستويات، سنكون أمام مدونة الأسرة لا ارتباط لها بالمجتمع المغربي وفاقدة لأي سند قانوني، ولا تنفعها حينئذ مسرحية الأغلبية البرلمانية التي أوعز وزير العدل لفريقه الحداثي باستغلالها وتمرير تلك المدونة النشاز بسرعة وإلا أرجعونا إلى الوراء! حسب قوله!؟
وجلي، أن الوراء! الذي يخاف منه وزير العدل الحداثي ما هو إلا المرجعية التي جاءت في الخطاب الملكي؛ “وأنا بصفتي أميرا للمؤمنين، لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، ولا سيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية“، وكذلك الثوابت المقررة في الدستور المغربي كما سبق ذكرها آنفا.

وختاما أقول: إن مدونة الأسرة لدى المسلم ليست هي مدونة السير أو مدونة الشغل وغيرهما من المدونات القانونية التي تقبل التغيير أو الاجتهاد بنسبة أوسع، إنما هي لدى المسلم دين يتعبد الله بها، ومجال الاجتهاد فيها ضيق جدا ليس جذريا كما يسعى إليه العلمانيون، ولا يستقيم بحال من الأحوال أن تكون مدونة أسرة علمانية دينا يتعبد بها المسلم إلا إذا انسلخ من دينه ورضي بالبشر ربا مشرعا من غير الله سبحانه وتعالى، فنعوذ بالله من الحور بعد الكور.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M