تآخي العلماء

28 فبراير 2019 22:45
تآخي العلماء

هوية بريس – ذ. إبراهيم بقلال

هذان توجيهان في الانصاف كن منهما على ذُكر:
الأول: أن الرجل إذا وجد في خصمه فضائل، حصـر محاربته في الأمر الذي هو منشأ الخصومة وترك الفضائل قارَّةً في مكانها، بادية لمن أراد أن يقتدي بها. وليس كلما خالف رجلاَ حتى لو كان فيما لايسع الخلاف فيه نزع عنه كل فضيلة هو بها حقيق و جدير فقد أمرالله بالعدل أمرًا مطلقًا: (ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، وقال سبحانه وبحمده: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم)، نعم يفرق العلماء بين الرد وبين التقويم ففي الأول يضعف النقد بتعداد الحسنات لكن لا يعني ذلك إزالة الفضائل و محو الحسنات وتبديلها سيئات بل ربما تولَّج إلى المسائل الشخصية والعيوب الخلقية ونعوت بكلمات مسخوطة سافلة وهذا فعل الصبيان والمتهورين فإذا رأيت من يصنع هذا فبشِّـره بأنه لن يتبعه إلاَّ البُلْه الغُفَّل أو المرْضى السُّفَّل فليحمل أوزارهم إن شاء أو ليضع.
الثاني: أن الرجل قد يبتلى بمن لا ينصفه ويردُّ عليه الحق بالشمال واليمين أو يجحد جانبا من فضله و هو يراه رأي العين فإن ابتُليت بهذا النوع فلا تكن قلة إنصافه حاملةً لك على أن تقابله بالعِناد فترد عليه حقًا أو تجحد له فضلاً واحترسْ أن تَسْـري لك من الخصوم غير المنصفين أخلاقهم الرديئة، وأيْقِن أن أعظم ما تحاربُ به المبطل وتُّقزِّمه به هو الاعتصام بالفضيلة بنفس مطمئنة تقرأ قوله تعالى (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

ومن “الانتقاء” لابن عبد البر (ص206) : “عن عبدان قال : سمعتُ عبد الله بن المبارك وقد طعن رجلٌ في مجلسه على أبي حنيفة، فقال له :اسكت، والله لو رأيت أبا حنيفة لرأيت عقلاً ونبلًا ” انتهى.
فليس ابن المبارك ممن يستهنئ أن يُذكر الناس عنده بالنقائص و العيوب ليتعاظم بإسقاطهم أو يرتفع باتّضاعهم فإن الميزان كما يوقن به ابن المبارك والعلماء والمؤمنون إنما هو بيد الله ( يرفع أقواماً ويخفضُ آخرين إلى يوم القيامة) ، لارادَّ لفضله ولا ممسك لرحمته فلا دَفع ولا محاولة!

وإننا في هذه الأيام لأحوج ما نكون إلى دفاع الفاضل عن الفاضل وكف الرقعاء عن الرفعاء فقد طال باب التعجب وذهبت علامة الرفع وفقدت سلامة الجمع والمعتل أعدى الصحيح و المثَلَّثُ أردى الفصيح ومالت قواعد الإخاء وصرنا إلى جمع القلة بسبب السكوت عن البيان و الإعراب في موضوع التجريح الذي لا خطام له و لازمام ولا قائد و لا إمام إلا رؤوساً صنعتها الأوهام فانكسـرت المئذنة و استولى السكارى على المحراب، و كم من فاضل سَكَت فجاء عليه الدور فلم ينفع كلامه بعد التجريح ففرق بين من نطق دفاعاً عن أخيه ومن تكلم بعدما طعن فيه والله المستعان على كل بلية أن يكشفها.

آخر اﻷخبار
1 comments

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M