تحقير القضاء من قبة البرلمان لحد كورت (أو تقنين دولة الظلم)

29 مايو 2017 14:38
البرلمانية البيجدية إيمان اليعقوبي تقدم بعض التفاصيل حول النقاش الدائر بخصوص القانون الإطار في البرلمان

هوية بريس – ذ. إدريس كرم

انتخب نواب البرلمان ليدافعوا عن مصالح المواطنين، ولما ولجوا قبته، وتوصلوا بتعويضاته، وسارت لهم دالة على الوزراء يقدرون بها على قضاء مآربهم، انقلبوا على من انتخبهم، فأتحفوهم بباكورة تنكرهم ليس فقط للوعود والبرامج التي روجوها في الحملات والمقابلات والتظاهرات، ولكن للدستور الذي نظم تواجدهم، وللقوانين القائلة بفصل السلط، والتي كانوا يعضون عليها بالنواجد عندما كانوا بعيدين عن ميدان تطبيقاته.

فلما أضحت لهم أغلبية وشكلوا الحكومة، أنساهم نعيمها الضروري من الملاءمة بين الواجبات، والموازنة بين الإكراهات والضروريات، بل نسوا أو تناسوا أحكام الدستور القائلة بفصل السلط فقالوا ما قال فرعون: “لا أريكم إلا ما أرى“، وكأن سابقيهم للسلطة والحكم ممن عارضوهم لم يروا ما يرونه اليوم، وهم يصوتون على قرار تحقير المقررات القضائية التي تعطي الحق للمتضرر من المواطنين من تصرفات الأجهزة الإدارية للحجز على ممتلكاتها لإجبارها على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها في المادة (8 مكرر).

بل الأدهى والأمر أن نرى عبر وسائل الإعلام من كان المواطنون يرجون دفاعهم المستميت عن تدعيم إنفاذ القانون عبر تبسيط مساطر التنفيذ لإعطاء المصداقية لآلاف الأحكام القضائية المعطلة بنتنفيذها كوسيلة من وسائل إصلاح منظومة العدالة ومحاربة الفساد واقتصاد الريع، يبرر ما لا يبرر، ويقول ما لا يقبله عاقل، مؤسسا قاعدة لدولة الظلم، وتغول الإدارة، وما شذ فيها ممن قدر على تعطيل العدالة.

لقد صادف إقرار المادة الثامنة مكرر الفضيحة من قانون المالية القائلة بتعطيل تنفيذ الأحكام القضائية، تطبيق حرفي له من كاتب ضبط في مركز القاضي المقيم بحد كورت، حيث خرج يوم 23/5/2017 لتنفيذ مقرر قضائي بإرجاع الحالة مصحوبا بالقوات العمومية، ولما وصل مكان النزاع تلقى مكالمة هاتفية -كما قال- تمنعه من إنجاز التنفيذ، فرجع من حيث أتى تاركا القوات والناس يتساءلون عن الفائدة من إصدار الأحكام إذا كانت لن تنفذ؟

وها قد جاء السند القانوني للمنفذ الفار من مكان التنفيذ، وإلغاء حكم المحكمة التي استمر من 2003 لـ2017، وما رافق ذلك من خروقات وموبقات وانسفالات، جاءت المصادقة على المادة 8 مكرر لتعطي الحصانة لكل ذلك، ولتقول للمواطنين إنكم في بلاد قُلَّبٍ، لا يؤمن فيها صاحب حق على حقه، مادام من انتخبهم خانوا الأمانة ولم يوجد بينهم رشيد ولا رشيدة، تنهاهم عن المنكر الذي سيدمر البلد إن تمت المصادقة عليه أو تطويعه وتغليفه وتعصيره.

تحقير القضاء من قبة البرلمان لحد كورت (أو تقنين دولة الظلم)

فعلى الأغلبية النيابية التي تضامنت على المنكر، وضربت بالدستور عرض الحائط وكذا بالخطاب الملكي لافتتاح البرلمان، والمحاولات التنفيذية المحتشمة للأحكام القضائية التي تمت والتي تعتبر ظلما وغبنا في حق المنفذ عليهم إذا ما طبقت المادة؛ فعلى من بقي له ضمير من هاته الأغلبية أن يفضح للمواطنين مُدْخِل هذه المادة لمشروع القانون المالي بعدما لم تكن فيه، ليعرفوا خصمهم الحقيقي ومن أي لون سياسي هو، وإن كان كل النواب المصوتون عليها مدانون.

إن على المجتمع المدني عامة وأصحاب الأحكام القضائية المحقرة، والقضاة الذين ضربت مهامهم في الصميم ونزعت عنها المصداقية، ودفعت بهم في مهاوي الاتهام، وكل من له علاقة بالقضاء والعدالة أن يجعل من هذا المنزلق الخطير لأغلبية الغرفة الأولى مدعاة للشجب والإدانة والمطالبة بالاعتذار للأمة قمة وقاعدة على عدم تحليهم بالمسؤولية في إصدار هذه المادة المشينة التي تضر بالأمن القضائي وتجعل الحقوق والحريات في مهب الأهواء.

والله لا يهدي كيد الخائنين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M