الحمد لله بجميع محامده على جميل عوائده، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد خاتم أنبيائه ومبلغ أنبائه، وآله الكرام وأصحابه مصابيح الظلام.
أما بعد: فهذه وقفة حديثية مع حديث نبوي، قد أثار صاحب الفضيلة الدكتور الريسوني – حفظه الله- كلامه ثائرة بعض العوام، فنصبوا أنفسهم حماة صناعة الحديث، وبنوا على ذلك أحكاما جاهزة، كان يتحين لها فرصة الطعن والانتقام، متجردين من الأدب، مشهِّرين سيف العداء لمن سبقهم في العلم والطلب، في هذا السياق جاء مقالي دفاعا عن الحديث النبوي، لاطعنا في الدكتور الريسوني -حفظه الله-، فهو أجل من أن يتناوله قلمي، أو يجمجم بنبزه فمي، فأقول مستعينا بالله.
عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له».
التخريج: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير(20/211/رقم486)، و (20/ 212/487) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/326 ) رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، والروياني في مسنده (2/ 323) وله شاهد عند سعيد بن منصور في سننه (2/ 117)، ولفظه: «لأن يقرع الرجل قرعا يخلص القرع إلى عظم رأسه خير له من أن تضع امرأة يدها على ساعده، لا تحل له».
ومن طريقه علي ابن الجعد في مسنده (ص: 360).
الكلام على الحديث من جهة الرواية:
قلت: أما قول الإمام الهيثمي رجاله رجال الصحيح ففيه نظر إذ في سنده من الطريقين شداد بن سعيد الراسبي قال عنه الحافظ: صدوق يخطئ، ينظر تهذيب التهذيب (4/316/317). وقد رمز له ب (هـ): التي يقصد بها الحافظ بكون الراوي مختلفا فيه والعمل على توثيقه. وقال البُخارِيّ شداد بن سَعِيد أبو طلحة الراسبي بصري ضعفه عَبد الصمد بن عبدالوارث كما تاريخه: 4/الترجمة 2607، إلا أنه قد وثقه يحيى بن معين كما في تهذيب الكمال في أسماء الرجال (12/ 396)، وحسبك توثيق يحيى! ووثقه أحمد ينظر بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم (ص: 73)، وقال الذهبي في المغني في الضعفاء (1/ 296) صدوق وغيره أقوى منه سمع يزيد بن الشخير قال العقيلي له غير حديث لا يتابع على شيء منها كذا قال وأما ابن عدي فقال: لم أر له حديثا منكرا.
وكذا قال في كتابه من تكلم فيه وهو موثق (ص: 98)، وقال في ميزان الاعتدال (2/ 265): صالح الحديث.
وأما طريق الروياني فهي أيضا من طريق شداد بن سعيد الراسبي، وقد علمت كلام أهل العلم فيه، وأن جمهورهم على توثيقه. قلت: فتبين لي من خلال ما تقدم صحة الحديث، لا حسنه، وما قال الشيخ الألباني رحمه الله وهو قوله: وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير شداد بن سعيد، فمن رجال مسلم وحده، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن، ولذلك فإن مسلما إنما أخرج له في الشواهد .. سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 447) فهو كلام سديد، موافق للصناعة الحديثية، قد وافقه في الحكم على سنده الهيثمي، ولم يتفرد به الألباني رحمه الله، ولم يسبق من طعن في الحديث عينه من الناحية الحديثية حسب اطلاعي، مما يظهر ضعف كلام الدكتور الريسوني حفظه الله القائل: بأن الحديث قد استقر الحكم بضعفه عند علماء الحديث، ثم صححه الشيخ الألباني.
وأما طريق سعيد بن منصور ففيها ثلاث علل:
الأولى: في سنده هشيم بن بشير وهو ثقة ثبت إلا أنه كثير التدليس والإرسال الخفي. ينظر تهذيب الكمال في أسماء الرجال (30/ 272), والكاشف (2/ 338), وجامع التحصيل (ص: 294), تهذيب التهذيب (11/ 59), وتاريخ بغداد (14/ 88), والثقات للعجلي (ص: 459), والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (9/ 115) وقال ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (8/ 456): وهشيم رجل مشهور وقد كتب عنه الأئمة، وهو في نفسه لا بأس به إلا أنه نسب إلى التدليس وله أصناف وأحاديث حسان وغرائب، وإذا حدث عن ثقة فلا بأس به، وربما يؤتى ويوجد في بعض أحاديثه منكر إذا دلس في حديثه عن غير ثقة .. وهو لا بأس به وبرواياته.
قلت: وقد روى هشيم عن داوود بن عمرو الآتي بصيغة من الصيغ السماع فانتفت شبهة التدليس، خلافا لقول الشيخ الألباني رحمه الله القائل: وهذا مع إرساله أو إعضاله، فإن هشيما كان مدلسا وقد عنعنه. سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 448).
قلت: فإنه وإن كان عنعنه عند أبي نعيم فقد صرح بالسماع في سنن سعيد بن منصور في الرواية المتقدمة.
الثانية: في سنده داوود بن عمرو الأودي, وهو صدوق يخطئ. وثقه يحيى بن معين ينظر تاريخ ابن معين – رواية الدارمي (ص: 108)، وقال العجلي: “شامي” يكتب حديثه، وليس بالقوي. الثقات للعجلي (ص: 147)، وقال الإمام أحمد داود بن عمرو حديثه مقارب. ينظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 420)، وقال ابن عدي: ولا أرى برواياته بأسا. الكامل في ضعفاء الرجال (3/ 547).
الثالثة: إرسال عبدالله بن أبي زكريا من الطبقة الرابعة، وقد أرسل الحديث، ينظر تهذيب الكمال في أسماء الرجال (14/ 522)، الكاشف (1/ 553)، وعن أبي زرعة الدمشقي لا أعلم عبد الله بن أبي زكريا لقي أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ينظر تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل (ص: 175)، وتهذيب التهذيب (5/ 218).
قلت: فتبين أن رواية الإمام سعيد بن منصور ضعيفة, ويبقى المعول على رواية الإمام الطبراني الصحيحة لا الحسنة, وأما الكلام على رواية ابن الجعد فقد رواها من طريق سعيد بن منصور, فالكلام عليها من العلل السابقة والله أعلم. هذا والله من وراء القصد إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود : 88] .
الرواية المرفوعة معلولة والراجح وقفها على معقل بلفظ : لأن يعمد أحدكم إلى مخيط فيغرز به في رأسي، أحب إلي من أن تغسل رأسي امرأة ليست مني ذات محرم.رواه ابن أبي شيبة من طريق بشير بن عقبة عن أبي العلاء، عن معقل موقوفاً. وبشير ثقة روى له الشيخان فهو أثبت من شداد وهذه قرينة على أن شداد أخطأ في متن الحديث وسنده. حفظكم الله
الرواية المرفوعة معلولة والراجح وقفها على معقل بلفظ : لأن يعمد أحدكم إلى مخيط فيغرز به في رأسي، أحب إلي من أن تغسل رأسي امرأة ليست مني ذات محرم.رواه ابن أبي شيبة من طريق بشير بن عقبة عن أبي العلاء، عن معقل موقوفاً. وبشير ثقة روى له الشيخان فهو أثبت من شداد وهذه قرينة على أن شداد أخطأ في متن الحديث وسنده. حفظكم الله